روزيت فاضل
النهار
15092018
يستعيد فندق صوفر الكبير ذاكرته، ويتأهل لإعادة وصل الإنسان اللبناني برحاب تاريخ موقع بات الشاهد الوحيد على محطات وطنية وعربية وعالمية مهمة.
في البرنامج، مبادرة قيمة يرعاها ورثة كل من ألفرد موسى سرسق وميشال إبرهيم سرسق، تعيد فتح أبواب هذه العمارة الرائعة الساعة 4،00 بعد ظهر اليوم للرسميين، حيث سيكتشفون فصولاً من ذاكرة هذا الفندق في معرض الفنان والناشط البريطاني توم يونغ ويضم 40 لوحة فنية تتوزع في الطابق الأرضي للفندق. أما الجمهور فيمكنه “تذوق” هذه الأعمال الفنية الرائعة ليونغ من غد الأحد حتى الأحد 14 تشرين الأول المقبل يومياً من الثانية بعد الظهر الى العاشرة مساء.
ويقام في المعرض، الذي ينظم بالتعاون مع خبيرة المعارض الفنية المستقلة نور حيدر ومصمم الإنتاج طارق مراد عرض مقتنيات عائدة للفندق، إلى عروض مسرحية وقطع موسيقية، وورش تعليم فنية للأولاد والطلاب.
لم يعد فندقاً؟ أجاب رودريك سرسق كوكران، وهو أحد مالكي العقار ومن أنسباء ألفرد موسى سرسق، في حديث لـ”النهار”، أنه واكب شخصياً ترميم الطابق الأرضي لفندق عريق جداً كان من أبرز المعالم التاريخية والعمرانية والسياحية، ويمثل أهمية استثنائية جمالياً ومعنوياً، مشيراً الى أن “عائلة سرسق تتمسك بملكية المكان حفاظاً على إسم عائلته، مع الاشارة الى أنه يتطلع الى إحياء دوره من جديد من خلال التعاون مع أي جهة مسؤولة قادرة على استثمار هذا الموقع كمركز ثقافي أو بيت للراحة للمسنين او بيت للطلاب، شرط ان تبقي على معالمه التاريخية وهندسته التاريخية”.
ماذا بقي من ذكريات هذا الفندق الارستقراطي؟ هو خطوة سباقة قام بها إبرهيم سرسق عام 1855 من خلال بناء هذا الفندق وتخصيص صالة خاصة في داخله لألعاب الميسر، ما جعله أول كازينو في لبنان والمنطقة في حينها. كان محطة أساسية في اسفار كل الناس لأنه كان قريباً من محطة قطار ينزل منها الركاب من دون توقف. هو مكان إرتاده جمال باشا و كبار الضباط الأتراك واستقطب اهتمام جيش الإنتداب الفرنسي. هو جزء من ذاكرة آل سرسق، ولبنان، وحتى قبل قيام دولة لبنان”، قال روديرك كوكران.
وفي روزنامة هذا الفندق “الشاهد” على وجود الاتراك في لبنان، وجلاء الانتداب الفرنسي عن لبنان، خص الكاتب الكبير أمين الريحاني في كتابه ” قلب لبنان” فصلاً بعنوان “القصر المنيف” جاء فيه: “إنها صوفر، مصيف أعيان بيروت، الشامخة الشيقة ذات القصور المنيفة، زهرة الاصطياف في لبنان، فيها فندق صوفر الكبير، وما كان يومئذ في لبنان غيره، ولا في بلدات الاصطياف أكبر منه وأفخم”. ووصف الريحاني المكان بأنه “القصر المنيف”، روضة زاهرة، في وسطها القصر وحوله مقاعد بين الأشجار الساحقة يتوزع تحتها النزلاء إلى موائد مدورة يشربون القهوة أو الشاي، وفي البهو الكبير موائد خضراء جلس إليها لاعبو البوكر بسكون ووقار. وفي هذا النزل حضرت حفلة راقصة ضيوفها بثياب رسمية، وبقيت لي من ذكريات ذلك القصر المنيف إحدى طيبات الحياة”. وعدد الريحاني جمع مشاهير اللبنانيين والعرب والأجانب منذ مطلع القرن العشرين الذين قصدوا الفندق ومنهم، الفرد نقاش، إميل إده، بشارة الخوري، فيليب تقلا، كميل شمعون، بهيج تقي الدين، رشيد كرامي ومجيد إرسلان . ومن الرؤساء والملوك العرب، العاهل الأردني الراحل الملك حسين، الرئيس السوري الأسبق شكري القوتلي، والزعيم المصري سعد زغلول، وعدد من أمراء الخليج وسفرائه، وأُقيمت فيه حفلات موسيقية لا تنسى، أحيتها أشهر الفرق الأوروبية من إيطاليا وإسبانيا والمكسيك، كما استضاف بعض أشهر المطربين العرب: كوكب الشرق أم كلثوم، الموسيقار محمد عبدالوهاب، أمير العود فريد الأطرش وشقيقته أسمهان ونجمة السينما ليلى مراد”.
كل شيء توقف عند وقوع الحرب المشؤومة في لبنان. توقفت عقارب الساعة عندما هاجر الفرح أروقة الفندق، واحتلته القوات السورية لأعوام عدة وتركته في حال مزرية جداً. لكن، ماذا بقي من هذا الفندق؟ يجيب كوكران: “تعمدت عند تصليح الطابق الأرضي ان أرمم جدرانه وأبقي على آثار الحرب ليحفر هذا المشهد في ذاكرة زواره، لكي لا نعيد الكرة”. وقال: “تسلمنا الفندق من دون سقف. وهو بقي مهجوراً، خالياً من أي زائر يقصد طوابقه الأربعة، التي كانت تضم في الزمن الجميل 100 غرفة، مع الإشارة الى أن الطابق الأخير كان مخصصاً لغرفة نوم ملكية”.
بالنسبة إلى الرسام توم يونغ، فقد بدأت “رحلته في اكتشاف روعة هذا المعلم التاريخي والسياحي العريق في عام 2013” مشيراً الى أنه “وجد بعض “بقايا” سكة الحديد والأرزة الشامخة في حديقة الفندق”.
ماذا رسم يونغ بريشته؟ حاول أن “يركز في لوحاته على إحياء الذكريات في المساحات الخالية من اي حياة” كما قال لنا. وركز على إحياء حكايات حقيقية وخيالية لنجوم قصدوا الفندق وتركوا بصمات خالدة، ومنهم “مثلاً ام كلثوم وهي تشرب “القهوة البيضاء”المحلاة بماء الزهر هنا في بهو الفندق وهي تجالس بعد الظهر الموسيقار فريد الأطرش وشقيقته أسمهان”. وتوقف عند لوحة أخرى “للإجتماع العربي في إحدى قاعاته، والتي انبثقت منه اللجنة العربية العسكرية المشتركة عام 1944 وشكلت النواة أو المقدمة الموضوعية لقيام جامعة الدول العربية عام 1945”.
rosette.fadel@annahar.com.lb
Twitter:@rosettefadel