
مالك التريكي
Dec 30, 2017
القدس العربي
داروين وفرويد واينشتاين
كان لاينشتاين شخصية طريفة مرحة. وقد نجح الفيلم السينمائي الفرنسي الجديد «ماري كوري» الذي يروي سيرة العالمة الفرنسية ـ البولندية، التي فازت بجائزة نوبل مرتين: في الفيزياء عام 1903 والكيمياء عام 1911، في تصوير جوانب من طرافة هذا العالم العبقري. حيث كان هو الرجل الوحيد الذي انسجم مع ماري كوري وتمكن من إضحاكها أثناء مؤتمر علمي حافل بالوجوه المتجهمة، وقد استلطفته هي لأنه لم يكن، رغم ذكائه الخارق، يأخذ نفسه مأخذ الجد ولم تكن تستبد به الحاجة لأن يثبت أنه دوما على صواب. وقد صدرت في الأعوام الأخيرة كتب عن العادات اليومية للكتاب والفنانين والعلماء، وخصوصا العادات الصباحية التي تساعدهم على العمل والإبداع: طقوس التدخين، وشرب القهوة أو الشاي، والنزهة في الحديقة العمومية، الخ.
ولكن ما تناولته البي بي سي أخيرا يتجاوز موضوع الروتين اليومي، الذي يضيء كيف تعمل أذهان العظماء، إلى موضوع أكثر إثارة وإمتاعا هو عاداتهم الطريفة والغريبة. حيث يتبين أن اينشتاين لم يكن ينام ثماني ساعات مثل معظم الناس، بل عشر ساعات على الأقل. ويبدو أن لهذا النظام مردودا إيجابيا نظرا إلى أن «التجربة العامة تثبت، كما قال الروائي الأمريكي جون شتاينبك، أن أي مشكلة تستعصي في الليل إنما تحل في الصباح بعد أن تكون قد نظرت فيها لجنة النوم». كما أن عددا من الاكتشافات في التاريخ الإنساني، مثل جدول العناصر وتركيبة الحمض النووي، قد تحققت بينما كان مكتشفها في سبات عميق. ويقال إن نظرية النسبية الخاصة خامرت اينشتاين بينما كان يحلم ببقرات أصبن بصعق كهربائي! وقد أثبتت الاختبارات العلمية أخيرا أن النوم الكافي يساعد على حسن الأداء الذهني. ولكن هنالك في التاريخ أمثلة مضادة، حيث من المعروف أن نابليون، على سبيل المثال، لم يكن يحتاج للنوم أكثر من أربع ساعات أو خمس. وكان يحمل معه أثناء حملاته العسكرية مكتبة متنقلة، حرصا منه على عدم الانقطاع عن متعة المطالعة حتى وهو في خضم القتال. كذلك الأمر بالنسبة لتاتشر. كان تكتفي بحوالي خمس ساعات من النوم.
وإذا كانت عادة النزهة اليومية قد اقترنت باسم الفيلسوف الألماني كانط، حيث كان سكان مدينة كونغسبرغ يعدّلون ساعاتهم على مواعيد خروجه لشدة انضباطه ودقة التزامه بالمواقيت، فإنها قد أدركت عظماء آخرين مثل داروين وفرويد واينشتاين. فقد كان داروين يحرص على الخروج كل يوم في ثلاث نزهات تستغرق كل منها خمسا وأربعين دقيقة. كما كان اينشتاين يحب المشي، حيث كان يسير ذهابا وإيابا ميلا ونصف ميل هي المسافة الفاصلة بين بيته وجامعة برنستون. أما رأس الحكمة العلمية فيتمثل في ولعه بأكلة السباغتي الإيطالية!
٭ كاتب تونسي