
بعد استعادة جيل الستينيات وأحلامه المسروقة من خلال سيرة عبد الحكيم قاسم، ثم نبش أوراق مجهولة من حياة أم كلثوم، ها هو الصحافي المصري يتصدى لـ «عميد الرواية العربية». مشروع ضخم يصدر جزؤه الأول قريباً عن «دار العين» يرصد المعارك والسجالات والألغاز التي أججتها إحدى أكثر رواياته إشكاليةً. لا يكتفي العمل بتسليط الضوء على «أولاد حارتنا»، بل يتطلّع إلى توثيق تاريخ الرقابة في مصر
تضيء فصول الكتاب الرحلة الشاقة التي واجهتها الرواية بدءاً من بروفاتها الأولى، وكواليس كتابتها، وصولاً إلى منع نشرها، والاتهامات التي طالتها لجهة انتهاك المقدّس، وكيفية تناولها من قبل النقّاد بوجهات نظر متناقضة، مما جعل نجيب محفوظ نفسه يخضع نصّه إلى تفسيرات مختلفة، وفقاً لرياح هذه المرحلة أو تلك، قبل أن يقرّر طباعة الرواية في بيروت لتصدر عن «دار الآداب» (1968)، بعيداً عن سطوة الرقيب المصري. وتالياً، فإن هذه السيرة تتجاوز منع رواية بعينها، إنما تتطلّع إلى توثيق تاريخ الرقابة في مصر، ونفض الغبار عن مئات الوثائق والدوريات والمسوّدات التي تنطوي في جوهرها على صراع شرس بين حرية التفكير والاستبداد الرقابي بطبقاته المتعدّدة، وصورة حيّة لمعارك ثقافية وسياسية وفكرية.
مشروعان آخران قيد التحضير هما «المخطوطات المفقودة» و«ما يشبه السيرة»
إذ لم تشفع جائزة «نوبل» التي وضعت اسم نجيب محفوظ والرواية العربية في قائمة الإبداع العالمي من محاولة اغتياله (1995) على يد شاب لم يقرأ سطراً في الرواية، كان مدفوعاً بقوة الفتاوى الدينية التي كفّرت صاحب الرواية. نحن إذاً، إزاء دراما متوّترة تتجاوز منطقة التخييل الروائي نحو واقع محتضر تغذيه شجاعة الجهل بإجهاض أي إشعاع مارق يصطدم بمنظومة القيم المغلقة بإحكام على موروث لا يجوز المساس به. وبناءً على ذلك، سعى محمد شعير إلى وضعنا أمام مرآة لواقعنا الراهن الذي يبدو عبثياً ومؤلماً ومحزناً، باستخدامه تقنيات تمزج بمهارة بين الروح التسجيلية والعتبات السردية، أو كما يقول في تقديمه لـ «أولاد حارتنا»: «هي رواية الرواية، ورحلة بحث عن التفاصيل المنسيّة، حول البشر والزمن والتحوّلات، ودوائر الصراع المكتوم داخل حارتنا المأزومة».
ولكن هل اكتفى كاتبنا بهذا القسط من أوراق نجيب محفوظ وعالمه الثري بالذكريات والمواقف والأزمات؟ يجيب: «في كانون الأول (ديسمبر) 2011، بدأت العمل على كتاب بعنوان «أيام نجيب محفوظ». كان في واقع الأمر كتاباً عن مصر وما جرى لها عبر تسعة عقود، ولم يكن محفوظ غير تكأة عبر اختيار تواريخ تتعلق بحياته، وتكشف تحوّلات المجتمع. وأثناء العمل، اكتشفت أن محفوظ أشبه بجبل ثلج لا يظهر منه إلا قمّته». هذا الأرشيف الضخم قاده إلى التفكير بتحقيق كتابين آخرين، سيقوم بإنجازهما قريباً هما: «المخطوطات المفقودة»، و«ما يشبه السيرة».