15-07-2023 | 00:35 المصدر: “النهار”

تعبيرية.
يعود الحديث عن #الفيديرالية، وبالأمس أطلَّ السيد حسن نصرالله، المتَّهم وحزبه، بالعمل على تغيير وجه النظام، بنفي الطرح، واتهام الآخرين بالسعي الى تعديل اتفاق الطائف، تارة بالمطالبة بإعادة “الصلاحيات” الى رئيس الجمهورية، وتارة أخرى باعتماد قانون للانتخاب لا يراعي ما اتُّفق عليه في مدينة الطائف السعودية، والمطلب الأخير هو اعتماد الفيديرالية.
والفيديرالية كمشروع تنموي، حقوقي، ثقافي، طرحٌ متقدم، لكنه كمشروع عزل مذهبي، طرحٌ متخلف، لا يمكن القبول به أو التعايش معه. وآخر بدع ذلك الطرح، توزيع #لبنان الى كانتونات مذهبية غير جغرافية، فالشيعي في جبيل القاطن في الكانتون المسيحي، يتبع إدارياً لجبيل، وانتخابياً للكانتون الشيعي في الجنوب او بعلبك مثلا، ومثله المسيحي القاطن في عكار السنية، يقترع لمرشحي كسروان والمتن المسيحيين. طرحٌ خيالي لا يمكن للعقل والمنطق القبول به.
صحيح أن اتفاق الطائف في أساسه كان لمرحلة انتقالية، لكنه على علّاته لم يطبق، ولا يمكن الحكم عليه قبل تطبيقه، للانتقال ربما الى تطوير النظام وإدخال تعديلات عليه تواكب العصر، وتلبي طموحات اللبنانيين.
تقتضي الفيديرالية ثلاثة أمور/ شروط: وحدة النقد والسياسة الاقتصادية والمالية، وحدة السياسة الخارجية، ووحدة السياسة الدفاعية. والأمور الثلاثة يختلف عليها اللبنانيون، لذا يلجأون الى خيارات أخرى كالفيديرالية. إنهم يريدون الناقض والمنقوض، فلا اتفاق على هوية لبنان الاقتصادية ووجهته المالية، وهو الانفجار الذي كاد أن يقع مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري في بداية عهده، قبل أن “تركب” تسوية ما بين المال والسلاح، بحيث تركت للحريري “حرية” (مقيدة) في الشأن المالي، في مقابل التغاضي عن سلاح “حزب الله” تحت شعار “المقاومة”. ولا يزال اللبنانيون في حالة تباعد حول رؤيتهم لمستقبل هذا السلاح، ولم يتمكنوا من الاتفاق على استراتيجية دفاعية، بل ذهبت جلسات الحوار سدًى في هذا المجال.
أما السياسة الخارجية فحدّث ولا حرج، وتبدأ بالخلاف على تحديد هوية العدو والخصم والصديق والشقيق، وحول هوية لبنان “العربي”، وحول توجه لبنان غرباً أو شرقاً، وارتباطه بالمحور الأميركي – الأوروبي، أو بالإيراني – السوري… ويختلف اللبنانيون حول مقاربة كل المواضيع المتعلقة تحديداً بدول الخليج العربي.
مجمل هذه النقاط توحي، إذا لم نقل تؤكد، أن المشروع الفيديرالي المطروح غير قابل للحياة، خصوصاً أن لا مشروع موحداً في هذا المجال لمناقشته، فالفيديراليون منقسمون حول مشاريع متباعدة أحياناً. واذا كان تعدد الأفكار ظاهرة صحية، فإن تباعدها يبعدها جميعاً عن دائرة البحث الجدي.
أما بعد، فإن المشروع الفيديرالي، الأقرب الى الكانتونات الطائفية والمذهبية، يعتبر أقرب الى المشروع الاسرائيلي المُراد للبنان، إذ دعمت إسرائيل خيار التقسيم وقيام دويلات ومناطق وادارات محلية زمن الحرب، في مقابل الخوف السوري المستمر من إمكان نجاح أي مقترح مماثل في لبنان، الخاصرة الرخوة لدمشق، إذ إن أي شرعية ينالها المشروع ستدفعه للتمدد الى الدولة الشقيقة التي تحكمها أقلية علوية، وتسعى مجموعات عدة، خصوصاً سنية، وكردية، ودرزية، وغيرها الى الاستقلال الذاتي عبر إقامة فيديراليات مذهبية، وهو ما يهدّد #سوريا وحكمها ودورها. والامر عينه في العراق، وتركيا، وصولا الى ايران.
لذا سيسعى النظام السوري، بكل ما أوتي من قوة وسلطة، مباشرة، أو عبر الحلفاء في الداخل اللبناني، الى تعطيل هذا الخيار، واتهامه بالانقياد الى الرغبة الاسرائيلية بإقامة دويلات مذهبية عنصرية على غرار الدولة العبرية.