الرئيسية / مقالات / سمير فرنجية الساخر من “ميثاقية” الفيتوات المتبادلة

سمير فرنجية الساخر من “ميثاقية” الفيتوات المتبادلة

 

زياد الصَّائغ

  • 29 نيسان 2017

    في حمأة السجال حول الديموقراطية التمثيلية ارتحل سمير فرنجية. ليس مصادفة هو هذا الارتحال عشية الذكرى الـ42 لإندلاع حرب لبنان. ثمّة ما يتداول اليوم في الصيغة والميثاق ما يتحوّل تشوّهاً في المفاهيم المؤسِّسة للميثاقية، وانحرافاً عن المسارات المحصِّنة لصيغة العيش معاً.

منذ سنوات، استشعر سمير بيك أن العيش معاً في العالم والمنطقة ولبنان مقدمٌ على نكسة. كثيفةٌ كانت هي حواراتي معه حول “الأقلوية” و”الحمايات الوهمية” على أن فيهما معاً ذهنية مرضيّة. لكنه لم يشأ التسليم بانتصار هذه الفوبيوية. ذهب باتجاه الاستثمار في العقل المدني الشاب. كان يعنيه استمرار جَسر الهوّات ببلورةِ أنساقٍ فكرية في العيش معاً، تستند الى معطيي التاريخ والجغرافيا، وتتأصّل من حضارة التسليم بأولوية الاحتكام الى إدارة سليمة للتعددية، لكن مع الاعتراف أيضاً بالتحديات التي تفرضُها هذه التعدّدية. لم يَخَف ابداً إعلان أن مصيبة لبنان الكبرى اليوم قائمةٌ على مستويين، عدا ذلك المرتبط بالسياسوية.

المستوى الأول فَهِمَه انتفاضة على انكفاء المثقّفين والأكاديميين والخبراء عن الانخراط في سياقات محاولة تغيير البنية المهترئة، في ذهنية ممارسة السياسة على أنها نُبلُ الالتزام بالخير العام.

والمستوى الثاني أكد عليه في واجبِ استنهاضِ مجتمع رجال الأعمال المنتِج من انعزاله في حيّز أرباحه الخاص، لينتقل الى ضخِّ نَفَسٍ حيوي في ضرورة نقلِ السياسة الى مؤشّرات تحسين نوعية حياة الناس، بدءاً بالضغط لقيام حوكمة فاعلة في الدولة الناظمة لكافة القطاعات المعنية بخدمتهم.

الباحث في عمق هذين المستويين، اي ربط المثقفين والأكاديميين والخبراء بصناعة السياسات العامة، وتحفيز مجتمع رجال الأعمال لخوض مجالات تطوير بُنية الدولة، يجد في سمير فرنجية ديناميّة الوصل بين يساريّة الفكر القيَميّ، وليبرالية الإنتاجية العملانية من ناحية، ويجد فيه ايضاً ذاك الرؤيوي الذي يبني علاقته بأرض الواقع على قناعةٍ بالقدرة التغييرية من خلال المراكمة من ناحية أخرى. ولو انه عايش، وكان على يقينٍ، بأن في لبنان انتصرت مُراكمة الخيبات على إمكانيّة بناء مساحات أمل.

قد يكون هنا بيت القصيد في اعتبار سمير بيك لبنان مختبراً في إحداث تجربةٍ للعيش معاً يُسهِم الجميع، ولو بجراحٍ مستدامة، في صوغها يومياً، وعلى فالق زلازلٍ جيوبوليتيكي كان يعي ارتجاجاته المدمِّرة.

وهنا قرأ سمير بيك بحكمة نادرة وباستشرافٍ استثنائي كيف أن أوروبا، وفي أزمتها المأزقية المستجدّة حول هويّاتها المؤسِّسة أو الوافدة، معنيّةٌ بالاستنجاد بالنموذج اللبناني على علاته. ونادى علناً أيضاً أن العالم العربي يسير باتجاه تبنّي ديموقراطية ميثاقية، ليس على غرار تلك المعطوبة لبنانياً، بل على غرار ما يفترض أن تكونَه حقيقةً هذه الديموقراطية الميثاقية اللبنانية.

إرتحل سمير فرنجية ساخراً، في تقديري، من صَخَب إعادة تصوير الميثاقية على أنها قبول بفيتواتٍ متبادلة، والدستور على أنه منصة تقنيّة لابتداع انتصاراتٍ هنا وثمة.

ارتحل سمير فرنجية ثائراً، في تقديري، على تقزيم النموذج اللبناني في وجدانيّات اللا نكهة واللا لون، وحشرِه في تسويات اللا ثوابت، على اهميّة هذه الأخيرة أحياناً في ذهنه، إنما مرحلياً.

ارتحل سمير فرنجية، ووسامه الكياني أنه عقلُ لبنان الذي لم يولد حتى الساعة، وينبغي علينا، وفاءً لنضاله أن نسعى لاستيلاده في حقبةِ الانزلاق نحو تشويه الصيغة ونحر الميثاق.

اضف رد