
كان لورنس العرب يدفع الرشاوى للبدو من أجل تدمير القطار
“كان إنشاء الخط الحديدي الحجازي إحدى أمنياتي منذ زمن بعيد، وقد بدأت هذه الأمنية بالتحقق”.. كلمات قالها السلطان عبد الحميد الثاني في مذكراته بعد ست سنوات من البدء في المشروع، لكن في ذلك التاريخ (الأول من سبتمبر/أيلول 1906) كان القطار قد بدأ فعليًا في نقل الركاب وشحن البضائع، عندما وصل إلى محطة “معان” انطلاقًا من دمشق ومرورًا بعمّان، ثم واصل المشروع تقدمه في السنوات التالية إلى محطات مدائن صالح والمدينة المنورة. بدأ المشروع العام 1900، عندما أعلن السّلطان عبد الحميد للعالم الإسلامي اطلاق المشروع، على أن يؤخذ أولاً بآراء رجال الدولة البارزين. قوبل القرار بفرح في العالم الإسلامي، ومن ناحية أخرى نظر إليه الأوروبيون على أنه مشروع يستحيل تحقيقه. لم تكن فكرة إنشاء سكة الحجاز- فكرة وليدة عهد السلطان عبد الحميد، لكنها كانت فكرة سابقة؛ إذ تعددت آراء المؤرخين في أسبقيتها. وربما يكون أقدم من تقدم بمخطط للمشروع هو المهندس الأميركي زيمبل، للربط بين إسطنبول والمدينة المنورة، العام 1864، لكنه كان عرضًا استثماريًا من جانب ذلك المهندس الأميركي، وبالتالي لم تتمكن الدولة من قبوله بسبب كلفته الباهظة. ثم تعددت بعد ذلك خطط المشروعات المماثلة. ففي العام 1880، كما يذكر محمد كرد علي في “خطط الشام”، تقدم وزير الأشغال العثماني بالمشروع، وقد كانت الأحوال المالية أيضًا عائقًا دون التنفيذ. وكانت المعوقات نفسها التي طرحت سابقاً: طبيعة الارض الصحراوية ونقص المياه والتكاليف المادية، خصوصاً أن الدولة العثمانية كانت على حافة الإفلاس، كذلك الفساد الاداري وانعدام الأيدي المدبرة وانعدام الأمن في بلاد العرب. ومن يقرأ تعليقات الرحالة الأجانب في ذلك العصر لا يخفى عليه تمنيهم الباطني بألا ينجح المشروع.

وكانت صحيفة “ثمرة الفنون” البيروتية واحدة من أهم الصحف المرّوجة للمشروع والتعريف بأهميته، كما قامت بالتنويه بالتبرعات للمشروع المقدمة من اللبنانيين. قام شخصيات إسلامية كثيرة بدعاية قوية لصالح المشروع في انحاء العالم الاسلامي، ومن أهمها “محمد ان شاء الله” الهندي صاحب صحيفة “الوكيل”، وفي مصر تشكلت لجنة للدعاية للمشروع برئاسة أحمد باشا المنشاوي، وساهمت صحف مصرية في الدعاية للمشروع مثل جريدتي “المؤيد” و”اللواء”؛ واقترح الشيخ محمد رشيد رضا فرض ضريبة سنوية على كل مسلم في الدولة العثمانية كإعانة للمشروع.
وتأسست لجنة من قبل السلطان لبناء خط السكك الحديد، واستوردت بعض مواد التشييد من أوروبا والولايات المتحدة، وشارك آلاف الجنود وعمال البناء المحليون والمهندسون والفنيون العثمانيون في تصميم المشروع. قام مختار بيه المهندس التركي بمسح الطريق فوجد ان الأنسب هو تتبع خط قوافل الابل القديمة. وأشرف صادق باشا المؤيد العظم على مد خط تلغراف بين دمشق والمدينة بنجاح مما زاد في حماس المؤيدين… وقد تم بناء محطات للقطار على مسافة 30 كم وتزويدها بخزانات للمياه وفرق للحراسة، وقد غطى المشروع أكثر من 1300 كم… بنيت آلاف الجسور والقنوات

انطلقت الرحلة الأولى على خط سكك حديد الحجاز يوم 27 أغسطس/آب، وتوجه القطار الذي استقله بعض الضيوف من إسطنبول إلى دمشق ومنها إلى المدنية المنورة. وإلى جانب مندوب الدولة العثمانية، استقل القطار صحافيون محليون وأجانب. كان القطار عبارة عن عربة كبيرة تمثل ردهة للقطار، وثلاث عربات للركاب، وعربة رابعة مخصصة للصلاة. كان القطار يسير بسرعة تتراوح بين 40-60 كم في الساعة، وهو ما يعد معدلاً جيداً للغاية في ذلك الوقت.
عندما انتهى تشييد سكة حديد الحجاز، عُيّن البدو لحمايتها، وأدرجوا في جدول الرواتب. طلب مسلمو الهند تمديد سكك حديد الحجاز إلى الهند عبر بغداد، وأعلنوا استعدادهم للقيام بدورهم في بناء الخط الجديد. فنتيجة لنقل البضائع تطورت المناطق التي يمر بها خط السكك الحديدية اقتصاديا، وفي الوقت نفسه بلغ طول السكك الحديدية 1900 كيلومتراً بعد تشييد الطرق الفرعية. أخفقت خطة تمديد الخط إلى مكة واليمن وبغداد أيضاً. شعر البريطانيون والفرنسيون بالقلق الشديد مع تشييد هذا الخط، حيث بدأت تهب رياح الحرب.

من دون شك، بات قطار الحجاز عنواناً للنوستالجياً، والقراءة في مساره تبيّن التحولات والأزمات التي مرت بالمنطقة، بدءا من وصول الانتداب الفرنسي والانكليزي، مروراً بالاحتلال الاسرائيلي لفلسطين، وصولاً الى الحروب الأخيرة. ثم زادت الجدران بين الجماعات والدولة، بعدما كان القطار يوحد المسافات.
(*) يستمر المعرض من 2 أيّار/مايو إلى 2 حزيران/يونيو 2018.