23-05-2021 | 17:48 المصدر: “النهار”


رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري (تصوير نبيل إسماعيل).
أخطر الانقسامات يشهدها البلد اليوم في زمن الانهيار. الصراع على أشده في موضوع الحكومة والصلاحيات بين طرفين اساسيين وامتداداً نحو قوى تريد ضمان مصالحها وتكريس مكتسبات حققتها في مرحلة سابقة. في جلسة مجلس النواب الأخيرة تكرست وجهة أخرجها رئيس مجلس النواب #نبيه بري ونجح في تجنيب المجلس تحويله إلى حلبة صراع بين تيارين سياسيين وطائفتين او ما اصطلح على تسميته الصراع السني الماروني، لكن ما حدث أعاد الامور الى المربع الأول وإلى اصل المشكلة بانفجار الأزمة بين رئيس الجمهورية #ميشال عون وتياره برئاسة #جبران باسيل ورئيس الحكومة المكلف #سعد الحريري وتياره ايضاً، وإن كان عون أخذ المعركة إلى بعد آخر يهدف إلى إخراج الحريري من معادلة التأليف، وهو لن يكتفي بهذا القدرمن التصعيد بل قد يذهب إلى خيارات أخرى طالما بقي الحريري في موقعه، وهو ما لم يحصل في تاريخ تشكيل الحكومات ولا في العلاقة بين رئيسي الجمهورية والحكومة، فيكرس العهد سابقات لم يسبقه عليها أحد.
كل الدلائل تشير الى أن لا حكومة في المدى المنظور، ولا يبدو أن أحداً من المجتمع الدولي يكترث أو مهتماً بالضغط لإعادة ترتيب الوضع اللبناني انطلاقاً من الحكومة، باستثناء بيانات وتهديد بالعقوبات قدمها الفرنسيون ولم تظهر ملامحها بعد، إلى بيانات أميركية ورسائل أبرزها أعضاء من الكونغرس الاميركي دعا إلى عدم تسليم البلد إلى “#حزب الله“، وكذلك موقف لديفيد شينكر يدعو إلى تشكيل حكومة اختصاصيين لنزع هيمنة “حزب الله” عن الحكومة، فإذا بالأزمة تشتعل داخلياً ولا قدرة لأحد على اشتقاق اجتهاد دستوري لحل المشكلة، لا باعتذار الحريري ولا بتراجع ميشال عون عن مطلبه إزاحة الرئيس المكلف من دون أن يقدم مبادرة واضحة لتجنب ما يمكن أن تؤول اليه الامور في حال خروج الحريري من المعادلة.
الاستعصاء الاول في المعادلة القائمة اليوم هو في قصر بعبدا، إذ أن الرئيس قالها بوضوح وبلا مواربة، إنه لا يريد سعد الحريري، وبموقفه هذا المتشنج والحاد فتح معركة ستكون تداعياتها خطيرة على عملية تشكيل الحكومات، مع المكوّن السني. الهدف الرئيسي لعون وان كان استعادة الصلاحيات وتكريس مصالح في الحكم، الا أنه لا يمكن أن يسير بهذا الطريق الى النهاية لو لم يكن مرتاحاً لموقف حليفه “حزب الله” الذي لا يزال أيضاً يريد الحريري إنما لا يقدم على تحديد موقف واضح لاعتبارات وحسابات خاصة به، وان كان دعا عبر رئيس كتلة نوابه محمد رعد الى تقديم تنازلات متبادلة لتشكيل الحكومة، ما يعني أنه يعطي رئيس الجمهورية وتياره بيد ويحافظ على خط التوازن مع البيئة السنية بيد أخرى، واعتباراته في مسالة التكليف لها بعد إقليمي مرتبط بالتطورات في المنطقة، فيحيّد نفسه عن جدل التكليف والخلاف القائم بين تيارين وموقعين وطائفتين.
الحريري في كلمته في جلسة مجلس النواب، وهي الأكثر حدة وتصعيداً ووضوحاً، سيكون لها ارتدادات كبرى في إعادة رسم خطوط المرحلة المقبلة، فإذا كان ليس في وارد التراجع، ولا الاعتذار أو التنازل، إضافة إلى استعداده للمواجهة السياسية مع رئيس الجمهورية، الذي يريد دفعه إلى الاعتذار، وتحميله مسؤولية التعطيل، يعني أن لا حكومة مع الرئيس عون أقله إلى حين، وكذلك لا حكومة من دون الحريري الذي حدد سقوفاً لا يمكن لأي شخصية سنية أخرى أن تتنازل عنها حتى لو كانت حيادية، فالتنازل له شروط تدرج في إطار التسويات، وهي لا تتناسب مع السقوف العالية والشروط المستحيلة التي يرفعها رئيس الجمهورية، إلى حد يستحيل معه التعايش بين الرئاستين الأولى والثالثة، فإذا لم يقدم رئيس الجمهورية على إعادة صياغة موقفه والمبادرة إلى التسوية من مدخل مختلف عما يطرحه، لن تكون هناك حكومة مع الحريري أو غيره.
المشكلة الرئيسية تكمن حتى الآن في قصر بعبدا، ذلك أن رئيس الجمهورية هو الرمز والموقع الأول في البلد، وهو راس الحكم، فإذا تصرف على قاعدة مختلفة انطلاقاً من موقع الحكَم وليس طرفاً يصبح التواصل أسهل وإمكان التلاقي متاح أكثر لإخراج صيغ تسووية وانتاج حلول، علماً أن لبنان واجه أزمات من هذا النوع خصوصاً بين التيارين الأزرق والبرتقالي، من حملات “الإبراء المستحيل” في 2013 ثم “الافتراء في كتاب الإبراء” وأزمة تشكيل حكومة تمام سلام التي استمرت لـ11 شهراً، إلى أن حصلت التسوية في 2016 بانتخاب عون رئيساً للجمهورية والحريري رئيساً للحكومة، حكمتها تطورات إقليمية ودولية وتسويات نووية، لكنها تسوية لم تدم، وانفجرت على وقع الخلاف الداخلي والاقليمي، إلا أن الأزمة هذه المرة تختلف عن سابقاتها، مع اقتراب نهاية الولاية، وإصرار عون وفريقه على تحقيق مكاسب في الحكومة الاخيرة للعهد والتي ستصرف الاعمال إذا تعطلت انتخابات الرئاسة بعد انتهاء ولاية عون أو دخل لبنان في حالة فراغ رئاسي وأيضاً الانتخابات النيابية.
تستمر المعركة السياسية والطائفية في البلد خلال المرحلة المقبلة، فيما الحريري ليس بوارد الاعتذار، وفق مصادر سياسية متابعة، على الرغم من رفعه السقف وتحميله رئيس الجمهورية مسؤولية تعطيل الدستور وتجاوزه، وهو لا يأبه بالكلام الذي يُسرّب عن عدم رضى السعودية عنه، متسلحاً بعدم تصويت مجلس النواب على رسالة عون، وعدم الرد عليها بطريقة قانونية وإقراره استمرار مساعي الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة بالتشاور مع رئيس الجمهورية، ومستنداً أيضاً على التفاف البيئة السنية حوله، حتى لو أقدم عون على خطوات سياسية وإجرائية في الخطة “ب” هدفها إخراجه. وفي كل الحالات لن يسير الحريري وفق خطة عون وباسيل بالمحاصصة الطوائفية والأسماء والحقائب، التي تؤدي الى تكريس الثلث المعطل، وكذلك لن يتجرأ أحد من الأسماء التي يمكن أن تخلف الحريري للتشكيل على السير بهذه الخريطة، فإذا تقدم عون بخطوات جديدة لسحب التكليف بقوة الأمر الواقع، يعني أنه يفتح المعركة أيضاً مع مجلس النواب ورئيسه، وقد تؤدي الى توتر طائفي وسياسي أوسع بكثير مما نشهده اليوم على وقع الانهيار الذي يطيح بالبلد نهائياً.
ibrahim.haidar@annahar.com.lbTwitter: @ihaidar62