
- راجح الخوري
- 3 نيسان 2020 | 00:07
النهار

العالم من أقصاه الى أقصاه بالكورونا منشغل، ولبنان قد يتحوّل قنبلة موقوتة بالمصابين والموتى كما قال السفير الأميركي آدم إيرل، لكن بعض الذين عليهم الإنتباه الى هذا في مكان آخر، أنهم دائماً في المحاصصة والتعيينات، التي تحاول هذه المرة تسديد ضربة جديدة الى القطاع المصرفي ومصرف لبنان، في اطار الحرب المعلنة زوراً وتجنياً، مذ قررت الولايات المتحدة ان على المصارف اللبنانية الإلتزام بالعقوبات الأميركية على ايران، على رياض سلامة حاكم المصرف المركزي لمحاولته تنفيذ الحدود الدنيا للإمتثال الى هذه العقوبات، كي لا تصل المصارف كلها الى ما وصل إليه جمال ترست بنك اخيراً.
منذ ذلك الحين أستعرّت الحرب على المصرف المركزي، ربما لأنه كان كما قال الصينيون لحسن روحاني “ان لا طاقة لنا عليه لأن العقوبات الأميركية ستخنقنا”، لكنها “الحرب العالمية” ستزداد عنفاً على المصرف المركزي وإستطراداً على القطاع المصرفي اللبناني، فاذا كان على سلامة ان يتحمل مسؤولية الصراع الأميركي الإيراني من خلال مواقف “حزب الله” تحديداً، فقد بات الآن على المصارف اللبنانية ان تتحمل مسؤولية الفساد الأسطوري الذي نخر هذه الدولة المسخرة وأوقعها تحت ديون قاربت مئة مليار دولار. كانت الحملة منذ بدايتها حتى الآن وهي لن تتوقف غداً، محاولة وقحة لتحميل المصارف مسؤولية افلاس الدولة، التي يعترف سياسيوها علناً ويتراشقون التهم بانهم لصوص سرقوا المال العام وسطوا على الدولة واكلوها محاصصة. وتصل الوقاحة ببعض السياسيين هذه الأيام الى درجة محاولة تحميل القطاع المصرفي، الذي كان قلادة الإزدهار اللبناني، مسؤولية افلاس الدولة. ولكن الأمر كما سبق ان قال الرئيس حسين الحسيني “هذه ليست دولة أنها مجموعة عصابات تسرق الدولة”.
ربما كان على رياض سلامة في وقت من الأوقات عندما راحت الدولة تنزلق في الإفلاس نتيجة النهب، ان يضرب يده على الطاولة ويقول للمسؤولين: إدفعوا انتم الديون التي راكمتموها بالسرقة والنصب والتهرب الضريبي، لكنه حمّل المصارف مسؤولية تسديد هذه الديون عبر الإصدارات، ولم يوقظ هذا احداً ممن جعلوا من القطاع العام وحشاً يلتهم عافية البلد، في دولة لا تعرف حتى عدد موظفيها ولا ما تدفعه مجالس النهب والنصب فيها، ولا كيف توضع ميزانياتها وكيف تصرفها وعلى من وأي جيوب تصل مثقوبة وتصبح مليارية.
تسديد ديون الدولة تطلب دائماً اللجوء الى المصارف، التي صحيح أنها حصلت على فوائد فاحشة، صادف ان النظام الاقتصادي الحر لا يمنعها، لكن هذا لا يعني ابداً أنها تسببت بإفلاس هذه الدولة المسخرة، التي تكلفت مثلاً حتى الآن أكثر من 50 مليار دولار على القطاع الكهربائي في شركة خردة ترفض حتى الآن ان تنفّذ ما طلبه مثلاً مؤتمر سيدر.
كل محاولة لتحميل المصارف مسؤولية تفليس البلد هي محاولة قذرة للتعمية السخيفة على سرقات السياسيين والمسؤولين، وبالمناسبة لقد إرتفعت الأصوات في قمة الدولة ومسؤوليها قبل شهرين لا أكثر، تعد بإستعادة المليارات المنهوبة، التي نهبها السياسيون طبعاً، فلماذا يسود الصمت وتتقاعس الدولة القوية التي تحرق خيام المطالبين بالإصلاح في ساحة الشهداء، من ان تجد سارقاً واحداً وناهباً واحداً من الحيتان تزجه في السجن!
ليست المصارف هي التي تدير إدارات الدولة والمرفأ والمعابر، وتعيش على التزوير والنهب باعتراف سياسييها، وليست المصارف والبنك المركزي ورياض سلامة هم الذين افلسوا البلد، العصابات السياسية التي وصفها الحسيني هي التي نهبت البلد وافلست لبنان، وآن الأوان لوقف مهزلة تحميل بيلاطس المصرفي مسؤولية صلب الليرة.