
الياس خوري
Apr 10, 2018
المنطقة تحترق، من غزة إلى الغوطة، ومن القدس إلى اليمن ومن الرياض إلى الهاوية.
أعلنت إسرائيل الليكودية التي يحكمها التيار القومي الديني انها اختارت الحل النهائي لفلسطين عبر شطبها عن الخريطة، كما قام النظام العربي السائد بالتعبير عن مواقفه على لسان ولي العهد السعودي الذي أعلن تفهمه للمشروع الصهيوني «الذي أقام دولة لليهود على أرض أجدادهم»!
في سورية يسيل الدم ويتم ترحيل السكان من مناطقهم، ويعلن ترامب قراره بالانسحاب من سورية بعدما تم الانتصار على «داعش»! تاركا حلفاءه الأكراد لمصيرهم البائس.
وبينما يوغل نظام الأسد وحليفاه الروسي والإيراني في توحشهم، تستمر مأساة اليمن على إيقاع حرب تدميرية شاملة.
في غزة وعلى الجدار الفاصل بين القطاع المنكوب والدولة العبرية تدور فصول المذبحة، وهي مذبحة لها اسم واحد هو العنصرية. فالنظام الاسرائيلي ينظر إلى اللاجئين الأفارقة في جنوبي تل أبيب بالعين نفسها التي ينظر فيها إلى اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة. فهؤلاء اللاجئون سواء كانوا أفارقة أو فلسطينيين ليسوا بشراً، ولا يجوز أن يتم التعامل معهم كبشر، إنهم عبيد و/أو إرهابيون، لذا يحق للجيش «الأكثر أخلاقية في العالم» أن يُسلّي قناصته باصطيادهم وقتلهم، أو أن يقوم النظام القضائي الاسرائيلي «العادل» برميهم في السجون وترحيلهم.
سؤال غزة ليس موجهاً إلى الضمير العالمي الذي أجهز عليه ترامب وحوّله إلى أضحوكة، كما انه ليس موجهاً إلى عالم عربي غارق في فتوق الاستبداد والطائفية، بل هو موجه أولاً إلى الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس. إلى متى أيها الناس، وماذا تنتظرون، هل تنتظرون الاحتفال بالذكرى السبعين للنكبة كي تخرجوا إلى الشوارع؟ ألا ترون ما بات واضحاً للعيان؟ فنحن لم نعد في حاجة لتذكر النكبة لأننا نعيشها كما عاشها آباؤنا وأجدادنا منذ سبعة عقود.
لقد فرغت جعبة الانتظارات كلها، والحقيقة انه يتوجب علينا أن نشكر المليك السعودي وبقية ملوك ومشايخ الكاز والغاز، شكراً لأنكم قلتم حقيقتكم، التي كنا نعرفها لكننا كنا مترددين في قولها إشفاقاً على ما تبقى من لغة عروبوية فقدت على أيديكم كل معانيها.
الآن نفهم لماذا كان أحد الشعارات الأولى للثورة الفلسطينية هو القرار الوطني المستقل، فكل الخطاب القومجي المعادي لهذا الشعار لم يكن سوى غطاء لوضع الشعب الفلسطيني تحت أحذية المستبدين العرب، كي يأتي يوم كهذا اليوم علينا فيه أن نصفق لأذلاء الاستسلام وهم يسوقون الناس إلى المذبحة.
الوحش الأمريكي يهدد عَرَبه بالانسحاب من سوريا، ويربحنا جميل حربه الهمجية التي دمرت العراق، لا يرى دماء ملايين العراقيين والسوريبن والفلسطينيين، لا يرى سوى المال الذي صرفه على قتلنا، ويريد من عَرَبه أن يدفعوا له الثمن. من قال له اننا نريده أن يكون هنا؟ من هم هؤلاء «الأرانب- الملوك»، بحسب المتنبي، الذين دفعوا له مئات المليارات وهو يبتزهم الآن كي يدفعوا المزيد. لم يعد الانبطاح أمام اسرئيل كافياً كي يحظوا بالحماية الأمريكية، الانبطاح هو الخطوة الأولى التي يجب أن يعقبها الدفع كي تتم الحماية.
شعبان مصلوبان على خشبة هذا الانحطاط العربي، الشعب الفلسطيني والشعب السوري، ومعهما شعوب العراق وليبيا واليمن ومصر، صلبان مصنوعة من خشب الاستبداد والعهر والضمائر الميتة.
لم يعد يحق لنا أن نلوم أحداً، فالضمائر لا توقظها الكلمات إلا حين تكون الكلمات إشارات إلى طريق الفعل التاريخي، وهذا ما تعلمه الفلسطينيون من زمان، لكن عليهم أن يتعلموه من جديد كل يوم، لأن آلة القمع والابتزاز الاسرائيلية لا تشبع من الدم. فالأسطورة عندما تتلبس دولة، فإنها تقوم بتحويل هذه الدولة إلى مطحنة للأرض والناس، والاسرائيليون صنعوا المطحنة، ولا يوجد أمام الفلسطينيين من خيار سوى كسرها فوق رؤوس أصحابها.
لا تنتظروا ضميراً روسياً أو أمريكياً أو أوروبياً يفعل شيئاً لحماية الشعب السوري من الكارثة التي يصنعها الديكتاتور وحلفاؤه وأسياده. كل الدول الاستعمارية السابقة واللاحقة تحسد الأسد لأنه قام بما لم يستطع الجنرال الفرنسي سِراي القيام به حين قصف دمشق بالمدفعية.
وفي المقابل كم يبدو الجنرال الانكليزي اللنبي رومانسياً عندما قال عقب احتلاله للقدس: «الآن انتهت الحروب الصليبية»، كان الجنرال الانكليزي يرى في نفسه صورة جديدة لريتشارد قلب الأسد وقد بعث من قبره ليحتل القدس ويطرد صلاح الدين منها، لكنه يبدو الآن ساذجاً أمام الصهاينة الذين هم ورَثة الإفرنج الذين نجحوا في تحويل المنطقة بأسرها إلى ركام.
حين أتكلم عن الحرائق المشتعلة في المنطقة، والتي تنذر بالمزيد من الموت والخوف، أجد نفسي عاجزاً عن الكلام عن لبنان. فلبنان الذي ينعم بسلام اللصوص الذين حكموه وسيواصلون حكمه طويلاً، يعيش اليوم ملهاة الانتخابات النيابية التي ستجرى في السادس من أيار/مايو المقبل.
صحيح أن الوضع يختلف عن الانتخابات الرئاسية المصرية، إذ نجد هنا لوائح ومتنافسين، لكن في النهاية فإن الأمور تتشابه. هناك أي في مصر كانت انتخابات صورية بلا معركة، وهنا في لبنان معركة ولكن بلا انتخابات، لأن غالبية النتائج معروفة سلفاً من جهة، ولأن نتائج الانتخابات لن تكون لها سلطة القرار السياسي مهما كانت هذه النتائج، من جهة أخرى.
هنا أيضاً لا نستطيع سوى أن نلوم أنفسنا، إذ لم تكن «هركلة» قوى الاعتراض حتمية، لو لم تختر هذه القوى أن تلعب مع النظام وتتحاشى المسائل الساخنة، وتركز على فساد لم يعد تهمة في لبنان، بل صار للأسف عنصر فخر للمرشحين على لوائح السلطات المتصارعة-المتحالفة.
الحرائق من حولنا وكلنا وحدنا، الشعب الفلسطيني وحده، والشعب السوري وحده والشعب المصري وحده،… كلنا وحدنا أيها العرب، وحدنا وليس أمامنا سوى أن نبقى وحدنا، ربما تجعلنا هذه الوحدنا نكتشف يوماً ما ضرورة أن نكون معاً.