30-12-2020 | 15:46 المصدر: “النهار”جورج عيسى

الحرس الثوري الإيراني – “أ ب”.
قد تكون 2020 أسوأ سنة مرّت على الجمهوريّة الإسلاميّة في #إيران منذ تأسيسها سنة 1979. لا تزاحمها على هذا المستوى إلّا سنة 1988. في تلك السنة، شنّت البحريّة الأميركيّة عمليّة “السرعوف المصلّي” ردّاً على اصطدام مدمّرة أميركيّة بلغم بحريّ إيرانيّ. انتهى الهجوم العسكريّ الأميركيّ بتدمير نصف البحريّة الإيرانيّة خلال أيّام.
وفي تمّوز من تلك السنة، أسقطت مدمّرة أميركيّة طائرة إيرانيّة من طراز “أيرباص-300” وعلى متنها 290 شخصاً. وقعت الحادثة في آخر أيّام الحرب العراقيّة-الإيرانيّة وقد ظنّتها مدمّرة “يو أس فينسنز” مقاتلة حربيّة إيرانيّة من طراز “أف-14 تومكات”. قالت السلطات الأميركيّة إنّ المدمّرة حاولت التواصل مراراً مع الطائرة على الموجتين المدنيّة والعسكريّة من دون جدوى. لكنّ إيران ردّت بأنّ الطائرة أرسلت موجات تؤكّد مدنيّتها. أبدت #واشنطن “أسفها الشديد” للحادث وتقدّمت باعتذار غير رسميّ، بالرغم من إصرارها على أنّها لا تتحمّل مسؤوليّة قانونيّة. لكن كنوع “من المعروف”، ومن ضمن التسوية التي توصّلت إليها واشنطن مع #طهران سنة 1996، قدّمت الأولى حوالي 62 مليون دولار كتعويض للعائلات الإيرانيّة التي فقدت ذويها في الحادث.
في السنة نفسها أيضاً، أعلن المرشد الأعلى للجمهوريّة روح الله الخميني “تجرّع كأس السمّ” عبر توقيعه على اتّفاقيّة الهدنة مع العراق. وكان قد وضع سابقاً نصب عينيه إسقاط نظام الرئيس السابق صدّام حسين قبل إنهاء الحرب.
تشابهثمّة نقاط تشابه بين 1988 و 2020 مع بعض الاختلافات. إذا كانت الولايات المتّحدة قد أسقطت حينها طائرة مدنيّة إيرانيّة عن طريق الخطأ، فإيران نفسها أسقطت طائرة أوكرانيّة من طراز “بوينغ 737” عن طريق الخطأ في 8 كانون الثاني الماضي. قضى في تلك الحادثة 176 راكباً كانوا على متنها من بينهم 82 إيرانياً و 63 كنديّاً و 11 أوكرانيّاً من بينهم أفراد الطاقم. لكنّ خطأ إيران كان أكبر. فطائرة “أيرباص-300” كانت منطلقة من إيران نحو الخليج العربيّ، حيث ظنّتها المدمّرة الأميركيّة مقاتلة حربيّة. غير أنّ السلطات الإيرانيّة تقول إنّها اعتقدت أنّ الـ “بوينغ 737” كانت صاروخاً أو مقاتلة أميركيّة آتية من الغرب علماً أنّها كانت منطلقة في خطّ تصاعديّ من مطار طهران، أي من الشرق إلى الغرب.
أسقطت إيران الطائرة الأوكرانيّة خلال شنّها هجمات صاروخيّة بالستيّة ضدّ قاعدتين عسكريّتين أميركيّتين في العراق، ردّاً على اغتيال واشنطن قائد “قوّة القدس” #قاسم سليماني. في حين برزت تساؤلات عن سبب ترك إيران مجالها الجوّيّ مفتوحاً خلال القصف، حصلت شبكة “بي بي سي” الكنديّة على تسجيل صوتيّ مدّته 91 دقيقة لمدير قسم التحقيق في منظّمة الملاحة الجوّيّة الإيرانيّة حسن رضا إيفار يشير فيه إلى أنّ إغلاق المجال الجوّيّ كان سيزيل السرّيّة عن قرار الانتقام من الولايات المتّحدة. ومن المتوقّع أن تُصدر إيران الخلاصة النهائيّة لتحقيقاتها في الثامن من الشهر المقبل. لكنّ تقرير الوزير الكنديّ السابق المكلّف في متابعة التحقيق رالف غودال الصادر في 15 كانون الأوّل الحاليّ ذكر أنّ إيران “لم تجرِ تحقيقاتها بطريقة مستقلّة وموضوعيّة وشفّافة، ولا توجد إجابات على أسئلة بالغة الأهمّيّة”.
“تجرّع كأس السم”اللافت للنظر أيضاً أنّه في أيلول الماضي، وبمناسبة الذكرى الأربعين لانطلاق الحرب العراقيّة-الإيرانيّة، دافع المرشد الأعلى علي خامنئي عن قرار الخميني “تجرّع كأس السمّ” حين قرّر التوقيع على اتّفاقيّة الهدنة مع العراق. رأى البعض في ذلك إشارة ضمنيّة إلى استعداد إيران التوجّه مرّة ثانية للتفاوض مع واشنطن على الرغم من كلّ التنديدات وتصريحات الرفض التي صدرت عن القيادات الإيرانيّة في الأشهر والسنوات القليلة الماضية. صعُبَ على إيران مواجهة أربع سنوات أخرى من سياسة “الضغط الأقصى” في حال فاز #ترامب مجدّداً. لذلك، يمكن أن تكون هزيمة ترامب في الانتخابات الرئاسيّة الأخيرة نهاية النفق المظلم الطويل الذي عاشته إيران في 2020. بيد أنّ هذا الاستنتاج قد يكون متسرّعاً.
لا يميّز خامنئي بين جمهوريّ وديموقراطيّ في البيت الأبيض. بالنسبة إليه، تملك واشنطن مشكلة عميقة مع طبيعة النظام نفسه. لذلك، لن يكون سهلاً عليه مباركة مفاوضات جديدة حتى مع الرئيس المنتخب جو #بايدن الذي تعهّد العودة إلى الاتّفاق النوويّ في حال فوزه. وباتت الإدارة الديموقراطيّة المقبلة، ومعها الأوروبّيّون (بدرجة أقلّ)، غير مكتفية بالنسخة الأساسيّة من الاتّفاق. فهي تريد تمديد فترته الزمنيّة وتوسيعه ليشمل برنامج إيران للصواريخ البالستيّة وسلوكها في المنطقة. يتمحور السؤال الأساسيّ اليوم عمّا إذا كان بايدن سيعود بداية إلى الاتّفاق قبل العمل لاحقاً على توسيعه مع الحلفاء، أم أنّه سيعمل مباشرة على التفاوض لتشديد قيوده والتوصّل إلى “اتّفاق نوويّ 2.0” من دون المرور بمراحل متدرّجة. والاحتمال الأخير سيعني أنّ إيران تتفاوض عمليّاً مع “نسخة منقّحة” من إدارة ترامب بما أنّ هذه المطالب هي إلى حدّ بعيد من وضع الإدارة المنتهية ولايتها.
هل تحمل 2020 لإيران 13 شهراً؟على الرغم من صعوبة سنة 1988 على الجمهوريّة الإسلاميّة، تبقى 2020 هي الأصعب. إذا كانت واشنطن قد دفعت تعويضات بعد إسقاطها طائرة “أيرباص-300” سنة 1988، فإنّ إيران ستكون هي المطالبة هذه المرّة بالتعويضات بعد إسقاطها طائرة “بوينغ 737” في ظلّ شحّ العملات الأجنبيّة الذي تعاني منه. وفي 1988، لم يواجه النظام استهدافاً مباشراً له كما كانت الحال مع سياسة الضغط الأقصى التي فرضها ترامب.
ويظلّ تدمير نصف البحريّة الإيرانيّة قابلاً للتعويض، على عكس خسارة إيران أبرز جنرالاتها قاسم سليماني أوائل 2020، وأبرز علمائها النوويّين #محسن فخري زاده أواخرها. علاوة على ذلك، يؤكّد هذان الاغتيالان وجود خرق كبير أمنيّ في الأجهزة الأمنيّة الإيرانيّة، وهو واقع تكشّف مع استهدافات أخرى طالت المنشآت النوويّة والكهربائيّة والعسكريّة في إيران خلال الأشهر الماضية. ومع أنّ 2020 لم تشهد تظاهرات كبيرة كما حصل في السنوات الثلاث الماضية، تبقى احتمالاتها واردة السنة المقبلة مع تدهور الوضع الاقتصاديّ بفعل العقوبات. وربّما عرقلت جائحة “#كورونا” قيام مثل تلك الاحتجاجات الواسعة.
بالرغم من كلّ الصعوبات التي واجهتها إيران في 2020، يمكن أن يبقى كانون الثاني 2021 الشهر الأكثر خطورة عليها، وكأنّه الشهر الثالث عشر من السنة الصعبة نفسها. فلدى ترامب “حوافز” عدّة تدفعه إلى شنّ ضربة قويّة ضدّها قبل مغادرته البيت الأبيض، كالانتقام من طهران لرفضها التفاوض معه، أو الانتقام من بايدن لفوزه بالرئاسة “عن طريق التزوير” وفقاً لرأيه. الغوّاصات والقاذفات الأميركيّة الاستراتيجيّة في المنطقة ليست رسائل تطمين للإيرانيّين. في الواقع، قد لا تطمئنّ إيران إلّا بعد 20 كانون الثاني. لكن حتى بعد ذلك التاريخ، ستكون تلك الطمأنينة نسبيّة.