تمر الاوضاع الاقتصادية والمالية في لبنان بظروف دقيقة وخطيرة، لا يختلف اثنان حولها. بالفعل، تعاني البلاد من أزمة اقتصادية ومالية طاولت كل القطاعات الانتاجية والخدماتية مع استمرار تآكل المالية العامة.
يعاني لبنان من أزمة مالية طاحنة مع إستمرار إرتفاع الدين العام الى ما يقارب 84 مليار دولار وخدمة دين تخطت 8400 مليار ليرة سنوياً، الى عجز وصل الى 10.5% أي ما قيمته أكثر من 4 مليارات دولار. وقد إرتفع هذا العجز في اول 4 اشهر من هذه السنة بما قيمته 1.9 مليار دولار مقارنة بزيادة بقيمة 844 مليون دولار خلال الفترة ذاتها من العام 2017. ويضاف الى هذه المؤشرات مواجهة لبنان لإستحقاقات في سنة 2019 تصل قيمتها الى 2.916 ملياري دولار على صعيد إستحقاقات الاوروبوند وما قيمته 11 الف مليار ليرة تقريباً على صعيد السندات بالليرة اللبنانية، منها ما هو على صعيد رأس المال والجزء الآخر على صعيد الفوائد المستحقة.
الحالة الاجتماعية في خطر
على الصعيد الاجتماعي، وصلت البطالة بين الشباب الى نحو 36% لتصل الى 30% بين اللبنانيين عموما. ولا يستطيع الاقتصاد اللبناني حالياً ان يخلق سنوياً سوى 4000 فرصة عمل في افضل الظروف، فيما الحاجة هي لأكثر من 20 الف وظيفة سنوياً. أما آخر إحصاء لوزارة الشؤون الاجتماعية، فأظهر ان 30% من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر، ومليون ونصف مليون لبناني يعيشون بما قيمته 4 دولارات يومياً، مع ما يعانيه اللبنانيون من غياب للخطط السكنية ولضمان الشيخوخة والمخاوف المستمرة حول الخدمات الطبية ومستقبل الضمان الاجتماعي وغيرها.
قطاعات إقتصادية في ركود
تعاني القطاعات الاقتصادية والانتاجية أزمة ركود دفعت بالعديد من المؤسسات والمصانع والمحالات لإغلاق أبوابها او الى شطب العديد من الوظائف لوضع حد لخسائرها.
القطاع التجاري
صرخات متتالية يرفعها القيمون على القطاع التجاري نتيجة تراجع الحركة بشكل كبير خلال الاعوام الاخيرة ووصلت الاوضاع السيئة بالعديد من المؤسسات التجارية الى الانهيار والافلاس. فالوضع الاقتصادي بات، أكثر من أي وقت مضى، على حافة الإنهيار والمعضلات الهيكلية المشنجة لا تزال قائمة. ودفعت الاسواق التجارية ايضاً ثمن سلة الضرائب والرسوم الموجعة التي أثقلت كاهل الأسر وقوّضت قدرتها الشرائية، بالتزامن مع غياب السياح والزوار من الخارج والذين يرفدون الدورة الإستهلاكية بنفس إضافي في المحطات الرئيسية.
تشير أرقام جمعية تجارة بيروت الى تراجع النشاط في الأسواق التجارية وبحسب المناطق والقطاعات، بنسبة تتراوح بين 20% و30% مع ذروة لامست 50% خلال النصف الأول من السنة الجارية مقارنة بالفترة نفسها من العام المنصرم، والذي كان هو الآخر نتائجه رديئة. وتتوقع الجمعية أن تشهد السنتين القادمتان إقفال ما لا يقل عن 20 إلى 25% من المؤسسات التجارية التي لا تزال قائمة شرعياً في لبنان، إذا ظلت الظروف الإقتصادية على هذه الحال من دون معالجة. من هنا دور أي حكومة يكمن في مساندة كل القطاعات الإقتصادية من دون تمييز بينها، بالاضافة الى إتخاذ إجراءات في حق المؤسسات والبضائع والعمالة غير الشرعية، حفاظاً على سلامة الإقتصاد في مختلف قطاعاته.
القطاع السياحي
صمد القطاع السياحي الى حد ما في وجه الازمات التي تعصف بلبنان، ورغم ان الارقام المحققة لا تصل الى 50% مما سُجل في العام 2010، ورغم ذلك، دخل الى لبنان خلال اول 8 اشهر من السنة الجارية مليون و339 الف شخص، ولكن نوعية الصرف هي اقل، مما يعني أن انفاق السياح لا يكفي القطاع، ما يدفع للبحث عن إستثمارات إضافية في القطاع السياحي وإيجاد اسواق جديدة يُستقطب منها السياح الى لبنان. وتشير أرقام وزارة السياحة الى ان نسبة نمو القطاع السياحي في لبنان سنة 2018 في القطاع السياحي بلغت 3% مقارنة بالعام 2017 رغم عدم قدوم السياح الخليجيين الى لبنان. وقد عوّض خسارة السائح الخليجي، قدوم السياح الأجانب إلى لبنان بأعداد كبيرة من الدول الأوروبية، وبالدرجة الأولى من فرنسا وألمانيا وبريطانيا حيث لوحظ نمو في أعدادهم والتي تراوحت بين 18 و20%، وقدوم عدد لا يستهان به من البرازيل وكندا وأميركا وجميعهم من جنسيات أجنبية. وفي ما يتعلق بنسب إشغال الفنادق في لبنان، تشير التقديرات الى ان هذه النسبة تراوحت في المعدل بين المناطق هذا الصيف بين 50% الى 60%، فيما المعدل لهذه السنة يقارب 47%.
وتسعى وزارة السياحة الى استعادة مرتبة لبنان كوجهة سياحية أولى في الشرق الأوسط لكون القطاع السياحي الذي يؤمن الجزء الاكبر من الوظائف المباشرة وغير المباشرة في لبنان، يشكل الحافز الاساسي لتنشيط الحياة الاقتصادية. ويسعى القيّمون على هذا القطاع الذي عانى بدوره من إقفال الحدود البرية بين لبنان وسوريا، والازمة السياسية الداخلية، الى تشجيع سياحة المؤتمرات والسياحة الدينية والثقافية والبيئية، بالاضافة الى إيجاد الاسواق الجديدة، مع إستمرار المساعي لاستضافة العدد الاكبر من شركات السياحة والسفر وتنظيم المؤتمرات والعمل على مواقع التواصل الاجتماعي للتسويق عن الاماكن السياحية الدينية والترفيهية والتاريخية على كل الأراضي اللبنانية. وضمن الخطط التي يجب على الحكومة السير بها أيضاً، العمل على تنويع السياحة في لبنان من خلال التركيز على اصناف معينة يمكن ان تساهم في استقطاب عدد اضافي ليكون مقصداً، ليس فقط للسياحة الترفيهية المهمة والاساسية، لكنها تشغل البلد في موسم محدد لتكون السياحة في لبنان على مدار السنة.
القطاع الزراعي
غاب الملف الزراعي عن البحث الجدي داخل الحكومات المتعاقبة منذ 40 عاماً. ويرى القيمون على هذا القطاع ان الزراعة في لبنان تمر في وضع “دراماتيكي”، على كل الصعد، من زارعة البطاطا التي تواجه منافسة غير مشروعة وملف الموز الممنوع حتى اللحظة من دخول سوريا والحمضيات والتفاح الذي لا تنتهي ازماته مع غياب الدعم وتصريف الانتاج واستمرار تداعيات إقفال الحدود، والاهم إستمرار إقفال معبر نصيب السوري – الاردني مما يمنع المنتجات الزراعية اللبنانية من دخول الاسواق الخليجية. هذا ويواجه القطاع الزراعي مشاكل في كلفة الإنتاج المرتفعة، في ظل غياب الدعم اللازم من الدولة، في حين أن معظم الدول المجاورة تقدم الدعم الى مزارعيها، مما يعزز قدرة منتجاتها التنافسية، ويضعف في المقابل قدرة محاصيلنا المحلية، مع استمرار التهريب على الحدود، وإستيراد المنتجات الزراعين التي تنافس المنتج المحلي.
ويؤكد المزارعون ان الاولويات لإعادة إطلاق القطاع الزراعي، تبقى من خلال:
– مكافحة التهرب ووقف المنافسة غير المشروعة للمنتج المستورد.
– إنشاء السجل الزراعي.
– إنشاء غرف الزراعة لتحديد المزارعين ومزروعاتهم.
– انشاء معامل لتصنيع فائض الانتاج.
– تنظيم استعمال الاراضي.
– انشاء مصرف الانماء الزراعي لتأمين القروض للمزارعين بضمانة انتاجهم.
– انشاء المؤسسة العامة للضمان الزراعي من الكوارث.
– إيجاد حلول جدية لخلق خط بحري بديل عن الخط البري.
ولا بد من التذكير، بأن القطاع الزراعي في لبنان يشكَّلَ نحو 5% من إجمالي الناتج المحلي، فيما يصلُ حجم الإنفاق العام على الزراعة الى نحو 0.5% من إجمالي الإنفاق الوطني حالياً. وقد قُدّرَت قيمة الإنتاج الزراعي بنحو 2.5 ملياري دولار فيما يقارب العجز السنوي في الميزان التجاري بين الصادرات والواردات من المنتجات الزراعية والغذائية الـ 20% كمعدل في الاعوام الماضية. هذا ويؤمن القطاع الزراعي في لبنان دخلاً مباشراً وغير مباشر لنحو 200 ألف عائلة، وبتعبير آخر، يوفّرُ هذا القطاع الدخل الأساسي لنحو 15% من اللبنانيين.
القطاع الصناعي
لا يخفى على احد ان القطاع الصناعي مر خلال الاعوام الماضية بأزمة تلو الأخرى، فعانى تراجع نسبة الصادرات التي تخطت المليار دولار والمنافسة غير الشرعية في الداخل والإغراق. كل هذه العوامل أدت الى إقفال ما يقارب 400 مؤسسة صناعية لبنانية من أصل 2365، مما أدى إلى خلق بطالة إضافية، ما انعكس أزمات اجتماعيّة تجلّت في ارتفاع معدّلات البطالة لنسب غير مسبوقة، ناهيك بالظروف الصعبة التي تعيشها المؤسّسات والشركات على مستوى إنتاجيّتها وأكلافها المرتفعة والصعوبات التسويقيّة في الداخل والخارج. وهبطت الصادرات الصناعية من 4.5 مليارات دولار إلى 2.5 ملياري دولار مطلع سنة 2018، من هنا ضرورة اتخاذ إجراءات سريعة لتحفيز الصادرات واستعادة الخسائر. هذا ويشدد الصناعيون على ضرورة:
– مكافحة الإغراق والتقليد واتباع مبدأ المعاملة بالمثل مع الدول التي تربطنا بها معاهدات تبادل تجاري.
– معالجة ومكافحة المؤسسات غير الشرعية المنتشرة على كل الاراضي اللبنانية والتي تهدد استمرارية مصانعنا.
– فرض رسوم وقائية على السلع المنافسة للمنتجات اللبنانية.
– تحفيز الصادرات الصناعية اللبنانية عبر إقرار برنامج دعم التصدير.
– معالجة أكلاف الطاقة المكثفة عبر إنشاء صندوق لدعم الصناعات التي تستخدم الطاقة المكثفة.
– التفاوض مع شركاء لبنان التجاريين الاساسيين لإعطاء المنتجات اللبنانية الأفضلية لزيادة الصادرات.
– مطالبة المنظمات الدولية وكل الجهات التي توفر الإمدادات للاجئين السوريين بأن تعطي الاولوية في مشترياتها للمنتجات اللبنانية.
بإختصار الارقام غير مطمئنة، والمطلوب الاسراع في تشكيل حكومة تأخذ على عاتقها إعادة تحفيز الاقتصاد ووضع حد للتدهور الذي تعيشه كل القطاعات.
maurice.matta@annahar.com.lb
Twitter: @mauricematta