23 شباط 2017
النهار
اعد الخبير الدكتور نقولا سركيس رسالة مفتوحة الى وزير الطاقة سيزار ابي خليل حول الانشطة البترولية، ووقعها عدد من المهتمين هم الوزراء والنواب السابقون صلاح حنين والبر منصور وعصام نعمان، وأساتذة الجامعات كريم بيطار،غيا حيدر،علي دندش، حسن غزيري، توفيق كسبار، والمهندسون عصام بكداش، جوزف حبشي، محمد حمود، احمد شمس الدين، محمود فقيه، دانيال ملحم، والكتّاب عبد الحميد فاخوري، طلال سلمان، نقولا سركيس، ماجد نعمة، والسادة الهام بكداش، الياس البراج، نهى الحسن، خضر الحلبي، وجيه فانوس، محمد ياسين، حسان يقظان، وماهر يعقوب.
وفي الرسالة:
تحياتنا واحترامنا وبعد،
في تصاريح أدليتم بها بعد موافقة الحكومة على مرسومين نفطيين كانت الحكومة السابقة امتنعت طوال ما يقارب الثلاثة أعوام عن إقرارهما، أكدتم عزمكم على المضي بسرعة نحو ابرام اتفاقات استكشاف وانتاج مع الشركات المتخصصة. هذا بالاضافة الى تطمين المواطنين على ان لبنان يقارب هذا التحدي الكبير بثقة لا يضاهيها سوى ما يمتاز به من الشفافية و”أفضل نظام حوكمة في العالم في قطاع البترول والغاز”، علاوة على “منظومة تشريعية هي أفضل ما يوجد في العالم”.
وان كان من أعزّ امنياتنا ان نشاطر معاليكم هذه الثقة وهذا التفاؤل، فهذا لا يمنع من ان نكون في عداد الكثيرين الذين تقلقهم شتى علامات الإستفهام التي تطرحها مسيرة البترول والغاز عندنا حول نقاط جوهرية عدة، وفي طليعتها:
1 – الشفافية والحوكمة: حبذا لو تفضلتم وفسّرتم كيف ترون التوفيق بين ما أكدتموه في هذا الصدد، والسرية المحكمة التي امتازت بها مسيرة البترول والغاز حتى الآن، بما في ذلك المرسومان اللذان تم إقرارهما اخيراً على عجل بعد تعتيم دام نحو اربع سنوات، وبخاصة المرسوم الذي يتضمن نموذج اتفاقات الاستكشاف والانتاج المزمع عقدها – Exploration and Production Agreement, EPA-، والذي ينص اصلاً في المادة الرقم 35، بعنوان “الإلتزام بالسرية”، على منع كل من يطلع على شروط الاتفاق من “الإفشاء” به، جملة وتفصيلاً. مما يعني ان اللبنانيين سيحرمون من معرفة شروط استثمار ثروتهم طوال فترتي الاستكشاف والانتاج، اي ما يقارب الاربعين عاماً!.
2 – “المنظومة التشريعية”: من المعلوم ان النص الوحيد من التشريع البترولي الذي وضعته السلطة التشريعية المختصة، أي مجلس النواب، هو القانون البترولي 132/2010 الذي لا يتضمن سوى مبادئ عامة، من دون اي رقم أو توضيح أي من الشروط العملية اللازمة لاستثمار هذه الثروة. اما القسم الأعظم من نصوص “المنظومة التشريعية” فقد تمّت صياغته بالانكليزية من قبل جهات أجنبية او وطنية، قبل ان يرسل الى هيئة البترول لترجمته الى العربية. الا ان هذه النصوص، وفي طليعتها نموذج الاتفاقات (EPA)، الذي يشكل القسم الأهم في التشريع البترولي، فلم تتح لمجلس النواب ولو امكان الاطلاع عليه، كما اشار الى ذلك اخيراً رئيس لجنة الطاقة في مجلس النواب، كما لم تترك لمعظم الوزراء الجدد سوى 48 ساعة لدرس وتمحيص واعطاء الموافقة على احكام مرسومين يمتدان على 472 صفحة. هذا الوضع يطرح السؤال: من المسؤول عن التشريع في هذا القطاع الحيوي في بلادنا؟ هل هم النواب الذين انتخبهم المواطنون، أم بضعة موظفين في الدولة بالتعاون مع مستشارين مجهولي الهوية؟
3 – ازاحة الدولة عن صناعة البترول والغاز: أكدتم في 19 كانون الثاني الماضي ان ” الدولة تدخل في كل مفصل من مفاصل الأنشطة البترولية ولها حق الاستنسابية، وعند اول فرصة نحصل على اموال نبني الشركة الوطنية”. هذا التأكيد يستدعي الملاحظات التالية:
– الملاحظة الاولى هي انه من الصعب فهم هذا الوضع في ضوء المادة 5 من مرسوم الـEPA الذي تم إقراره اخيراً والتي تقضي، خلافاً للقانون 132/2010 بأنه “لن يكون للدولة نسبة مشاركة في دورة التراخيص الاولى”. وتليها المادة 16 لتحصر دور الدولة وهيئة البترول في الانشطة البترولية بحق طلب تعيين مجرد “مراقبين” في لجان ادارة الشركات العاملة.
– الملاحظة الثانية هي ان المرسوم نفسه يتجاهل نظام “تقاسم الانتاج” المعروف في عشرات البلدان والذي يشير اليه القانون، ليستعيض عنه بمفهوم “تقاسم الارباح”، الذي لا وجود له في صناعة البترول والذي يشكل عملياً عودة مقنعة الى نظام الامتيازات القديمة التي انتهت كل الدول المصدرة من تأميمها في مطلع السبعينيات من القرن الماضي. أهم وأبرز ما في الموضوع هو ان نظام تقاسم الانتاج يحصّن السيادة الوطنية ويحصر حق ملكية كل ما يتم اكتشافه من البترول / الغاز بالدولة، ويقوم على مشاركة الدولة الفعلية بالانشطة البترولية، عبر شركة نفط وطنية، مما يفسح في المجال لاكتساب الخبرة وتدريب الكوادر الوطنية والمراقبة، من الداخل، على عمليات وحسابات الشركات العاملة، الخ…
على عكس ذلك فان دفتر شروط الحصول على حقوق استكشاف وانتاج لا يأتي في مادته الرقم 5 على أي ذكر للدولة، اذ يحصر حق طلب التراخيص بـ “شراكة تجارية غير مندمجة” مؤلفة من ثلاث شركات على الأقل حصلت على تأهيل مسبق، منها طبعاً شركة كبرى تقوم بدور المشغل (Operator) بحصة لا تقل عن 35%، وشركتان أو أكثر غير مشغلتين (Non-operators) بحصة 10% على الأقل لكل واحدة. هذا ما يفتح باب المشاركة مع المشغّل، اي احدى الشركات العالمية التي لا بد منها، للشركات الوهمية التي اعلن المرسوم 9882//2013 تأهيلها بضعة اسابيع بعد تسجيلها، احياناً تحت اسماء مستعارة، وبرساميل رمزية، من نوع Petroleb التي سجلت في بيروت وApex Gas التي سجلت في هونغ كونغ برأسمال يعادل 1,300 دولار اميركي، الى جانب شركات صغيرة مارقة اخرى يكفي الرجوع الى Google او غيره لمعرفة تاريخها الحافل بعمليات الاحتيال والملاحقات القضائية. فما هو يا ترى مبرر تأهيل مثل هذه الشركات؟
– الملاحظة الثالثة تتعلق بالحاجة الى الرساميل اللازمة للمشاركة في الأنشطة البترولية عبر شركة نفط وطنية. الا ان هذه الحاجة بالذات كانت اصلاً، ولا تزال، في طليعة الأسباب التي أدت لتبني وانتشار نظام تقاسم الانتاج. والسبب هو ان هذا النظام يقوم على منح شركات كبرى حق التنقيب على نفقتها، فان كانت النتيجة سلبية ينتهي الاتفاق. وفي حال حصول اكتشاف تجاري، تدخل الدولة كشريك وتسدد تدريجياً حصتها من النفقات السابقة للشريك الأجنبي عن طريق الـ Carried interest. مع العلم ان قيمة نصيبها من البترول / الغاز المكتشف قد ترتفع الى مليارات الدولارات، وان المصارف وغيرها ستتسابق حينذاك لتقدم لها ما تحتاجه من تسهيلات مالية.
اضافة الى ذلك، يبدو من المستحسن ان تكون شركة النفط الوطنية شركة مختلطة بين القطاعين العام والخاص، مما يتيح لكل اللبنانيين، وليس فقط لبعض “رجال الأعمال” المحظوظين من اصحاب الشركات الصورية، امكان المساهمة فيها بشروط معينة، كما هي الحال بالنسبة الى شركات وطنية اخرى كالايني الايطالية او الستاتويل النروجية على سبيل المثال. ومهما كانت الشروط، يبدو من المقلق ان يفكر لبنان بدخول عصر البترول والغاز من دون شركة وطنية، وان يظل البلد العربي الوحيد، بما في ذلك اقليم كردستان العراقي، وشبه الوحيد في العالم الذي لا يملك شركة، او شركات نفط وطنية تمثل الدولة والمواطنين، في كل مراحل الصناعة.
اخيراً لا آخراً، تجدر الاشارة الى ان معدل حصة الدولة من استثمار الغاز على اساس الشروط الحالية لنموذج EPA (إتاوة 4% تضاف الى النفقات و30% من الارباح وضريبة دخل 15%) لن تتجاوز خلال سنوات طويلة، وفي احسن الحالات، الا بقليل الـ 50% من ارباح الشركات العاملة، أي ما دون الحد الادنى الذي تحصل عليه الدول الاخرى حيث يتراوح بين 60% و80% او أكثر، في النروج مثلاً ( هذا اذا افترضنا انه من الممكن التحقق من ارباح شركات عملاقة، على الرغم من اقصاء الدولة). لا بل انه يبقى ادنى مما كانت تؤمّنه الامتيازات في القرن الماضي، أي إتاوة 12,5% من قيمة الانتاج تحتسب من النفقات، تضاف اليها ضريبة 50% على الارباح.
نشكركم سلفاً، يا معالي الوزير، لكل التوضيحات التي ينتظرها اللبنانيون لازالة علامات الاستفهام حول هذه النقاط البالغة الخطورة في مسيرة ثروة موعودة يتوقف عليها الى حد كبير، ولعقود طويلة، مصيرهم ومصير وطنهم لبنان.