نجح “حزب الله” في منع تحوّل الخلاف السياسي – الدستوري – القانوني بين رئيس الجمهوريّة ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه برّي فتنة وربّما “حرباً” مسيحيّة – شيعيّة، ولا سيّما بعدما أجّجه صهر الأوّل ووزير خارجيّته جبران باسيل بـ”الاهانة المصوّرة” التي وجّهها إلى الثاني المُعلنة شراكته الشاملة مع “الحزب” المُتفاهم مع “التيّار” الذي أورثه عون لباسيل بـ”ورقة تفاهم” يخشى الكثيرون افتقادها مناعة التمزّق. لكنّه لم يلغِ السبب المباشر للخلاف وهو “مرسوم الأقدميّة”، كما لم يلغِ الأسباب الكثيرة لعدم قُدرة عون – باسيل وبرّي على التفاهم والتعاون ومن زمان، فهل أحجم عن إلغاء السبب لأنّه كان يُدرك استحالة النجاح إمّا بسبب استمرار حاجته إلى الحلف مع “التيّار المسيحي” الأقوى، وإمّا بسبب معرفته استحالة الفصل بين عون وباسيل الذي بينه وبين برّي ما صنع الحداد، وإّما بسبب ازدياد حاجته إلى الحلف المذكور جرّاء استحالة إنهاء تدخّله في الشأن السوري مباشرة وعسكريّاً وانتشار خبرائه الأمنيّين والعسكريّين على جزء مُهم وواسع من مساحة العالمين العربي والإسلامي، كما جرّاء التأكّد ربّما من أن موعد الانتصار في الحرب السوريّة وفي المنطقة انطلاقاً منها ليس قريباً ولا تزال تُظلّله شكوك مُهمّة رغم انتصاراته و”محور الممانعة” في أكثر من معركة، وإمّا بسبب معرفته أن خصمه الإقليمي بل عدوّه الذي تقود محوره المملكة العربيّة السعوديّة لا يزال موجوداً في لبنان رغم خسائره وإن غير نهائيّة فيه وفي سوريا وفي العراق وعدم تمكّنه من تحقيق انتصار في اليمن. وهو يتحرّك في أوساط مسيحيّة “مؤيّدة له” أساساً، وبدأ يتحرّك في الأوساط المحليّة الحليفة لـ”الحزب” التي عبّرت أكثر من مرّة عن عدائها له في الاجتماعات العربيّة والدوليّة وفي المواقف وبالصوت والصورة. كما أنه لا يزال تاركاً الباب مفتوحاً أمّام السُنّة الذين خذلوه في رأيه، وزعيمهم الذي لا يزال الأوّل شعبيّة رغم انخفاض نسبتها أي الرئيس سعد الحريري، كي يعود إلى رعايته ويستفيد من دعمه المالي والسياسي ولا سيّما في ظلّ عدم استحسان “الشعب السُنّي” عموماً في لبنان الخلاف مع مرجعيّته السُنيّة الأولى في لبنان والعالم العربي. واختيار الحريري الاصطفاف مع عون ضدّ برّي (وضمناً “حزب الله”) قد يكون ردّ جميل فقط له بعد مساعدته له إبّان محنته السعوديّة، بل ربّما تشجيعاً له على السير في خطّة تؤدّي تدريجاً إلى افتراقه وتيّاره عن “الحزب”. ودافعه إلى هذا الموقف ليس فقط التمنيّات بل ملاحظته أموراً عدّة تجري على الساحة اللبنانيّة. أوّلها تجرّؤ باسيل و”تيّاره” على “حزب الله” أكثر من مرّة في الأشهر الماضية على نحو مُخالف للأصول والأعراف أحياناً، كان آخرها الاعلان بواسطة الإعلام الاختلاف معه حول أمور عدّة واتّهامه إيّاه بعرقلة قيام الدولة رغم تأكيده استمرار التحالف معه على “الاستراتيجيا” الأوسع. لكن هذا التأكيد خرقه حديث صحافيّ له تناول إسرائيل، وكأنّه مواطن أميركي أو أوروبي واسكندنافي تحديداً، واعترف فيه بحقّها في الأمن والأمان مُتجاهلاً أن لبنان مع تسوية سلميّة وحل الدولتين لكنّها هي التي ترفض ذلك. فضلاً عن أنها تُهدّد لبنان كما كان يقول دائماً. وثاني الأمور الإشارة المُتكرّرة عند عون وباسيل وإن بتقطّع حتى الآن إلى “المشرقيّة” التي قد تتناقض مع العروبة في رأي “الحزب” وربّما الإسلام، والتي يبدو أن هناك من يُحضّر لها مؤتمراً واسعاً جدّاً وقريباً في أميركا. فهل يحضره لبنان ودول عربيّة أخرى؟
إلى ذلك كلّه يعتقد مُتابعون كثيرون أن دافع عون وتحديداً “ابنه” باسيل لكل المواقف الإشكاليّة الأخيرة قد يكون أنّهما “يشِمّان رائحة بارود” في المنطقة. ويعني ذلك شنّ إسرائيل حرباً على لبنان والاستعداد ربّما للإفادة منها في صورة أو أخرى. والرائحة موجودة، والمعلومات تُشير إلى أن قرار الحرب له صلة بسعي ليبرمان وزير الدفاع إلى أن يخلِف نتنياهو، وبالإفادة من دعم أميركا ترامب للإنتهاء من خطر “حزب الله” الصاروخي على بلدها من لبنان وسوريا. كما له صلة بالتطوّرات الأميركيّة الداخليّة ومعرفة إسرائيل أن حربها ستُفيد ترامب إذا واجه “اتّهامات” صعبة من المُحقّق الخاص مولر. وستُفيد حزبه الجمهوري في الانتخابات النصفيّة خريف العام الجاري. وترجمة ذلك تأييدها في حربها.
في أي حال فصل الشتاء يقترب من نهايته. فهل يُغري فصلا الربيع والصيف حكومة إسرائيل بالحرب؟