موناليزا فريحة
النهار
18102017
وانسحبت القوات الكردية أيضاً من أراض سيطرت عليها منذ سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين عام 2003، مما أتاح للقوات العراقية التقدم في اتجاه مناطق كانت تمثل ورقة سياسية قوية في أية مفاوضات على دولة كردية مستقبلية.
وبعد أقل من 24 ساعة من انسحاب القوات الموالية للاتحاد الوطني الكردستاني في كركوك وتسلميها المدينة للقوات العراقية والميليشيات الشيعية الموالية لها، انسحبت قوات من البشمركة موالية للرئيس جلال طالباني من بعشيقة وخانقين وسنجار، وكلها مناطق استولى عليها الاكراد خلال السنوات الثلاث الاخيرة وكانوا يتطلعون الى ضمها الى دولتهم التي أجروا الاستفتاء على انشائها في 25 أيلول الماضي.
هكذا وفي غضون ثلاثة أيام، يكون الاكراد خسروا مساحة تقدر ب36 الف كيلومتر وابتعدوا مرة جديدة عن تحقيق حلمهم بالدولة التي اعتقدوا قبل ثلاثة اسابيع أنهم صاروا قاب قوسين من تحقيقه. والى خسارة الاراضي ، عمقت التطورات الاخيرة الانقسامات داخل المكونات الكردية مما يؤذن بمرحلة شاقة في الاقليم.
فمع مرور ثلاثة ايام على السقوط المفاجئ لكركوك، لا تزال الصدمة تسود القيادات الكردية. وفي رأي الصحافي الكردي المستقل الذي يعيش في اقليم كردستان أن الاكراد لم يصدقوا أن العراقيين سيهاجمونهم. ويقول لـ”النهار”: كانت قوات البشمركة متمركزة حول المدينة من الغرب والجنوب. وبدأ الهجوم في الساعات الاولى من فحر الاثنين. وبعدما حاربت قوات البشمركة خمس ساعات تقريباً، نفذت الذخائر أو تقلصت لدى بعض الوحدات”.
وقرابة الساعة الرابعة والنصف فجر الاثنين، اخترقت بعض الميليشيات الشيعية وقوات عراقية أخرى إحدى الخطوط الامامية. وعندها بدأت قوات البشمركة التراجع في اتجاه المدينة.
وكان التراجع سريعاَ وغير منسق، الامر الذي أثار فوضى بين البشمركة. وبحلول الثامنة صباحاً، بدأ المدنيون ومقاتلو البشمركة الفرار.
وليس واضحاً سبب تراجع تلك المجموعة من البشمركة في وقت حساس. وثمة رواية تقول إن بعض المسؤولين نسقوا مع القوات العراقية، بينما يقول آخرون إن المقاتلين الاكراد تراجعوا أمام جحافل من القوات العراقية لتجنب اراقة الدماء.
وبحلول منتصف يوم الاثنين، كان ما بين 50 و100 من المقاتلين البشمركة قد قتلوا. كذلك، اضطلعت الانقسامات العراقية بدور مهم في الطريقة التي تراجعت فيها البشمركة، نظراً الى أن القوة كانت تحت سيطرة الاتحاد الوطني الكردستاني التي تتضارب مصالحه مع الحزب الديمقراطي الكردستاتي.
وذهب كفاح محمود المستشار الاعلامي لمكتب رئيس كردستان العراق مسعود البارزاني، الى تسمية الامور بأسمائها، وخصوصاً بعدما “وضع الرئيس البارزاني النقاط على الحروف عندما قال إن ما حصل في كركوك كان نتيجة لقرار انفرادي اتخذه بعض الأفراد التابعين لجهة سياسية داخلية في كردستان، وأدى الى انسحاب قوات البشمركة بهذا الشكل والطريقة التي رآها الجميع”.، ونتيجة لهذا الانسحاب تحول خط التماس الذي تم الاتفاق عليه قبل عملية تحرير الموصل في 2016/10/17 بين بغداد وأربيل الى اساس للتفاهم حول كيفية نشر القوات العراقية والقوات في اقليم كردستان.
وعن هذا الامر، يوضح محمود ل”النهار” أن كركوك تابعة منذ 2003 للاتحاد الوطني الكردستاني الذي كان يتولى حماية المدينة والمنظومة الامنية، مضيفاً أن ثمة جناحاً نافذاً في الحزب بقيادة بافل طالباني نجل الرئيس الراحل جلال طالباني هو الذي عقد الصفقة مع بغداد.
ما حصل في كركوك انعكس على المناطق الاخرى. ويقول محمد إن “عملية التسليم تكررت في مناطق أخرى خاضعة لنفس النفوذ، مثل طوزخرماتو في صلاح الدين وخانقين في ديالا”. أما ما حصل في مخمور حيث انسحبت القوات الموالية للرئيس البارزاني من مواقعها وسلمتها للقوات العراقية، فكان بموجب تفاهم بين اقليم كردستان والعراق “لانه أمر متفق عليه قبل 17 تشرين الاول 2016. لذا ما حصل في مخمور هو تبادل مواقع”. عن المواجهات في سد الموصل بين القوات العراقية والبشمركة والتي سقط فيها ضحايا من الحشد الشعبي، فيقول: إنه “حادث غير مخطط له ولم يتفاعل”.
صدمة للجميع
ما حصل في كركوك تحديداً شكل صدمة للجميع. والحديث عن خيانة داخلية لم يعد سرا، وسينعكس بالتأكيد على الوضع الداخلي في الاقليم بين القوتين الكبريين الذي تتزعمان المشهد السياسي.
ويلفت محمود الى أن اجتماعات عقدت قبل ايام من عملية الموصل بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني واتفق فيها المجتمعون على عدم التفرد في التواصل مع بغداد “الا أن ما حصل أظهر العكس”.
دور ايران
والى الخيانة الداخلية، لا ينكر أحد في الاقليم الدور الذي اضطلعت به ايران في العملية، وخصوصاً بعد التقارير عن زيارة قائد “فيلق القدس” الجنرال قاسم سليماني السليمانية عشية العملية ولقائه ابن طالباني وأرملته هيرو.
وفي تقرير له في موقع “مونيتور” يقول حمراوي إنه قرابة الساعة الثامنة يوم الاحد، التقى جنرال بارز من الحرس الثوري يعرف باسم اقبال بور وضابطان من ميليشيات الحشد الشعبي هما مهدي المهندس وهادي العامري مع قادة أكراد في كركوك. ونقل عن مصادر مطلعة على الاجتماع أن الضابط الايراني المقرب من سليماني أبلغ الى الاكراد وجوب التخلي عن المدسنة سلمياً، محذراً اياهم من أنكم “إذا رفضتم سنقضي عليكم وستخسرون كل شيء”. وبعد استشار ة القيادة الكردية العليا، قال قادة البشمركة للاقبال بور أنهم لن يتخلوا عن كركوك.
وبحسب رواية حمراوي أيضاً، تناول الضابط الايراني خريطة للمنطقة وفتحها أمام الضباط الاكراد، قائلاً: “هذه خطتنا العسكرية. سنضربكم الليلة من ثلاث نقاط…” ثم غادر الاجتماع.
الانقسام الكردي
وسط هذه الاجواء، يبدو الانقسام الكردي-الكردي في أوضح تجلياته منذ الحرب الاهلية قبل عشرين سنة. لذلك، يقول مستشار البارزاني إن التحدي الاكبر أمام الاقليم هو وحدة الصف الكردي. فالخيار الآخر في رأيه “بشع جداً وسيحقق هدف احتلال كركوك، وهو تدمير اقليم كردستان وتحطيم الحلم الكردي”.
وعنده أن الحلم الكردي بالدولة لم ينته وسبق له أن مر بصدمات أبشع:”صحيح أن الصدمة الاخيرة ستؤخره. ولكن الحلم التركي تعرض مراراً لانتكاسات وفي نهاية ثمانينات القرن الماضي قتل مئات الاف الاكراد ودمرت مناطث واسعة ولكن الحلم لم ينته”. ومع أنه برفض القول إن أميركا خذلت الاكراد مجدداً، يمكن الشعور بخيبته، ولو على الهاتف، عندما يقول: “لن أستخدم هذا المصطلح (خذلان)”.