الرقيم
بعد الإنجيل المقدس، تلي الرقيم البطريركي بإسم الراعي وجاء فيه: “في مثل هذا اليوم المقدس قدم يسوع في ليلة آلامه وموته للآب السماوي قربان جسده ودمه تحت شكلي الخبز والخمر ذبيحة فداء ووهبهما غذاء روحيا للمؤمنين، بهذه الذبيحة شارك عزيزكم وعزيزنا المرحوم سمير بآلامه الجسدية والمعنوية واغتذى من القوت الإلهي غذاء الأرواح وتقوى في مسيرة الدنيا، وعبر من عالمنا إلى بيت الآب في زمن فصح المسيح وهو العبور من الموت إلى القيامة.
مع كل اللبنانيين وسواهم تلقينا بالاسى الشديد حلول الساعة المرة التي حاربها مع أسرته ومحبيه الأطباء بين لبنان وفرنسا منذ 33 سنة لكنها حانت في أقدس وقت من نور الرجاء والسلام المنبثق من قيامة المسيح المنتصر على الخطيئة والشر والموت، فانعسكت فيها أضواء شخصيته، إنه إبن إهدن زغرتا المدينة المارونية العريقة التي أعطت الكنيسة ولبنان عددا من الوجوه المشرقة، وهو سليل بيت سياسي نذر نفسه لخدمة الشأن العام. والده المرحوم حميد بك فرنجية النائب في البرلمان اللبناني لأكثر من دورة، والوزير المؤتمن على حقيبة الخارجية والمغتربين في أكثر من حكومة، والزعيم الماروني اللبناني ذو البعد العربي الذي ترأس الوفد اللبناني السوري سنة 1946 لمفاوضة جلاء جيش الإنتداب الفرنسي عن لبنان وسوريا معا.
في هذا البيت الكبير تربى على القيم الإنسانية والوطنية وعلى العلم مع الشقيقين والشقيقتين الذين نسج معهم روابط الأخوة الصادقة، على هذا الإرث الوطني الغني تفتحت عينا المرحوم سمير وعقله وقلبه وهو على مقاعد الدراسة لدى الآباء اليسوعيين في كلية السيدة الجمهور، ثم في جامعة القديس يوسف متخرجا من كلية الحقوق. وجاءت أحداث زغرتا الدامية سنة 1957 و 1958 والفالج الذي أصاب والده من جرائها لتخلق في داخله ثورة يسارية ثقافية أطلقت عليه لقب البيك الأحمر، وهي ثورة أرادها في نضاله مدرسة للتغيير السياسي في المسار اللبناني نحو ما يضمن العيش المشترك ولغة الحوار والوحدة الوطنية والسيادة والمواطنة وحرية القرار، فإذا به ينتقل من الأحمر ليستقر في الأبيض بياض القلب وصفاء الضمير وهدوء الكلمة الصائبة والإبتسامة المعبرة، فأصدر كتابه باللغة الفرنسية تحت عنوان رحلة إلى أقاصي العنف بحثا عن ينابيعه السحيقة في النفس البشرية عامة وفي المجتمع اللبناني خاصة، فإذا بهذا الكتاب يعلمنا كيف نعيش معا بسلام مختلفين ومتساوين معتمدين الوصل والتسوية والمصالحة، فسمي الكتاب رحلة إلى أقاصي السلام فذهب سنة 1990 إلى تأسيس المؤتمر الدائم للحوار اللبناني بمباركة المرجعيات الدينية.
وفي سنة 2000 تنفيذا لما دعي إليه نداء المطارنة الموارنة في شهر أيلول سنة 2000، ساهم مع زملاء له من رجال فكر وسياسة في إنشاء لقاء قرنة شهوان وفي 16 شباط 2005 أطلق بداية إنتفاضة الإستقلال حتى سمي ضميرها وصولا إلى ثورة الأرز وحركة 14 آذار وهو فيها كلها واحد من رموزها الأساسيين والقلب والروح والضمير، وكونه صاحب فكر ثاقب وثقافة سياسية مبنية على التجرد والمبادىء الرفيعة حاول أن يجسد هذه المبادىء خلال وجوده كنائب في الندوة البرلمانبة من سنة 2005 إلى سنة 2009. وبفضل إتزانه الفكري والسياسي راح يقدر الأمور بميزان الصائغ: فدافع عن اليسار وكان من أشد منتقديه في لبنان، ودافع بقوة عن القضية الفلسطينية وكان من أشد منتقدي تجربة الفلسطينيين في لبنان، دافع عن الموارنة من خلال المساهمة في لقاء قرنة شهوان وكان من أشد المنتقدين للمارونية السياسية، دافع عن مجموعة 14 آذار وهو أحد رموزها وكان من أشد منتقدي تجربتها السياسية. رحب بإتفاق الطائف لكنه انتقد بشدة عدم تطبيقه نصا وروحا، وتنمى مثيله لكل بلد من بلداننا العربية.
المرحوم النائب سمير رجل مرهف العاطفة والمودة والإخلاص عاشها تجاه زوجته السيدة آن أنطون موراني وإبنه وإبنته وشمل بها كل أهل البيت وأنسباءه، عمه رئيس الجمهورية الأسبق المرحوم سليمان فرنجية، وأسرته وخاله وخالته وحميه وعائلاتهم. وأحب كنيسته المارونية وكان قريبا للغاية من سلفنا صاحب الغبطة والنيافة البطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير ورجل الثقة عنده في الفكر الوطني، وهو يشاطركم الأسى والصلاة فشارك في أعمال المجمع البطريركي الماروني وفي صياغة نصه الخاص بالكنيسة المارونية والسياسة. وشارك في مشروع مختصر تاريخ الكنسية المارونية فكان خير معاون ومشير للأمين العام لهذا المجمع ورئيس لجنة المتابعة المطران يوسف بشارة.
بعد هذه الرحلة السلامية من العطاء من أجل عائلته ولبنان يسلم الروح بسلام مع الله والذات والناس، منقى بمسحة الميرون ومزودا بالقربان عربون الحياة الأبدية، راجيا من جودة رحمة الله أن ينعم بالمشاهدة السعيدة في السماء”.