20-12-2020 | 16:46


تصوير حسن عسل.
الخلاف على تشكيل الحكومة لم يعد يقتصر على الأسماء والحقائب والثلث المعطل، بل بدأ يتخذ مساراً يتعلق بالنظام السياسي والطائفي. أزمة التشكيل تتمدد وتطرح أسئلة عن الحكم ومستقبل البلد واتفاق الطائف والصيغة في ظل الإنهيار الذي نشهده في مؤسسات الدولة والذي ينعكس على كل القطاعات وينذر بأخطار لا أحد يستطيع تحمل نتائجها إذا بقيت الأمور على حالها. أما التساؤل الأساسي في ظل هذا الصراع على السلطة والقرار، فهو أن اي حكومة ستتشكل في المرحلة المقبلة لن تتمكن من إنجاز برنامج الإصلاح لإنقاذ البلد وأستعادة التعافي، ذلك أن التمترس خلف الصلاحيات والتمسك بالمكاسب التي حققها التحالف الحاكم اليوم في السلطة للعهد الحالي برئاسة ميشال عون، لا يستعيد الثقة داخلياً، ولا يدفع العرب للعودة إلى الاهتمام بالوضع اللبناني ومساعدة البلد للخروج من الأزمة.الصراع على الحكومة أخذ أبعاداً طائفية، جرى التعبير عنها في شكل مباشر. وهذا يعني أن أي حكومة مقبلة إذا جرى الاتفاق على تسوية بين الاطراف والطوائف المختلفة، لن تكون حكومة اختصاصيين إصلاحية ولا حكومة قادرة على انتشال البلد من المأزق في ظل موازين القوى والحسابات الطائفية والمذهبية. الأزمة دفعت #البطريرك مار بشارة بطرس الراعي إلى التدخل لإيجاد نقاط تقاطع وإنتاج تسوية معقولة تعيد إنتاج السلطة وتتجاوز الفراغ الذي يدق الأبواب ليس في الحكومة فحسب، إنما في رئاسة الجمهورية أيضاً، لكن الراعي لا يمتلك عناصر الدفع اللازمة لإخراج هذه التسوية التي ستكون على حساب الإصلاح، وفق ما يقول سياسي لبناني متابع، إذ أن الاتصالات هي لتقريب المواقف وانتزاع تنازلات متبادلة تؤدي إلى تشكيل حكومة قائمة على التحاصص بالدرجة الأولى، وهذا كان واضحاً في تصريحات الراعي وما نقل عن لقاءاته مع الرئيس المكلف سعد الحريري ثم الرئيس ميشال عون ورئيس #التيار الوطني الحر جبران باسيل. لكن البطريرك يريد بالدرجة الأولى تشكيل الحكومة للخروج من المأزق، ومبادرته لا ترتكز على دعوته السابقة إلى حياد لبنان، لذا تظهر وكأنها تنحاز في بعض جوانبها إلى وجهة نظر رئيس الجمهورية بضرورة المشاركة السياسية المسيحية الفاعلة في الحكومة.جاء تحرك الراعي بعد سقوط #المبادرة الفرنسية أو ترنحها، ثم الغاء زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والتي لم تكن لتغير شيئاً في الواقع الراهن بعدما اقتنع الفرنسيون أن الوضع في البلد لا يمكن تغييره، حيث سقطت مبادرتهم على أبواب الاستعصاء اللبناني. ولا أحد يمكنه حتى الآن خرق الجدار، إذ أن التحالف الحاكم في لبنان والممسك بالسلطة، جعل من الواقع اللبناني عصياً على اي تغيير. لذا لن يتأخر البطريرك الراعي لإعلان فشلها، وفق السياسي المتابع، ليس لأنها لا تقوم على أسس واضحة، إنما بسبب الانسداد وغياب أي أفق للانفتاح على مخارج مقبولة لحكومة اصلاحية انقاذية.كان واضحاً التصلب في موقف رئيس الجمهورية ميشال عون. فإذا كان يرفض إتهامه بالإصرار على الثلث المعطل، إلا أن موقفه من الأسماء والحديث عن صلاحيات الرئاسة في تشكيل الحكومة ومطالبته بحصة من الأسماء المسيحيين يؤكد موضوع الثلث المعطل. وما لا يقوله عون مباشرة يتولى جبران باسيل التعبير عنه بوضوح تحت عنوان الميثاقية في عملية التأليف واختيار الأسماء والتوازن الطائفي. أما العنوان الذي يتسلح به باسيل، فهو حماية حقوق المسيحيين وصلاحيات الرئاسة الأولى، والمشاركة في الحكومة من خلال التوازنات السياسية والطائفية وما يسميه بالميثاقية لمنع استفراد المسيحيين إذا تطورت الامور نحو اتخاذ قرارات كبرى في البلد، وصولاً إلى استحقاق الرئاسة المقبل. لكن الخلفية لهذا الطرح تنطلق من محاولات تثبيت الصلاحيات المنتزعة بالامر الواقع في موقع الرئاسة الأولى وبدعم من “حزب الله” وانطلاقاً من التسوية التي جاءت بعون رئيساً للجمهورية، وهو الذي يتصرف اليوم كما عند تسلمه مقاليد الرئاسة وفي الحكومات السابقة كطرف سياسي في الحكم، ينحاز إلى تياره السياسي “الوطني الحر” ويتمسك بما يسميه صلاحيات دستورية تتعارض مع اتفاق الطائف. ويصر عون وفق السياسي المتابع على أن تكون له اليد الطولى في تشكيل الحكومة، وفرض أسماء للتوزير، لا بل التمسك بالثلث المعطل من خلال إصراره على عدد من الوزراء المسيحيين في التشكيلة، يفوق الثلث المعطل. الإشكالية الأخرى، هي المعركة من الجهة الخلفية التي يخوضها عون وباسيل لفرض تقاليد وأعراف وممارسات جديدة وكأنها تكريس لصلاحيات تبدو خطيرة في التوازنات الطائفية في الحكم، لانها تسحب من المكوّن السني والرئاسة الثالثة بعض صلاحياتها، وهذا يؤدي في مكان ما إلى تفجير البلد.الطرف الثالث المرتاح على وضعه اليوم هو “حزب الله”. وهو يُمسك وفق السياسي المتابع، باللعبة من الجهة الخلفية. هو الطرف الذي يمتلك فائض القوة والسلاح. يُصر على مشاركته في الحكومة وتسمية الوزراء الشيعة ويطالب بحقائب محددة. ينظّم مناطقه التي يسيطر عليها وينطلق منها ببناه العسكرية والأمنية. وقد نجح خلال الفترة الاخيرة في تحييد بنيته وسلاحه عن أصل المشكلة، فقدم نفسه على قاعدة النأي، ليتولى القيام بدور محدد لحل المعضلة القائمة وهو جزء منها لا بل قوة اساسية مقررة وممسكة بالأرض. النقطة التي يتوقف عندها السياسي المتابع، هي أن “حزب الله” فرض ما يريده في الملف الحكومي، على رغم كل العقوبات التي فرضت عليه، وصوّر المشكلة أنها خلاف مسيحي سنّي، وقدم سلاحه وممارساته وهيمنته وكأن لا علاقة لها بالمعضلة القائمة في لبنان.
الرئيس سعد الحريري الذي لا يزال مصراً على حكومة اختصاصيين، اضطر إلى الدفاع عن موقع رئاسة الحكومة. جرى سحبه إلى هذا الميدان، بعدما أُضعفت الرئاسة الثالثة الى أقصى الحدود. هذا يعني أن عون وباسيل جرّا الحريري إلى الملعب الذي يؤدي إما الى تعطيل التشكيل وانسحاب الحريري أو إلى تأليف بتوازنات القوة والامر الواقع. فتعطيل تشكيل الحكومة، وتصلّب عون في موقفه، يدفع أيضاً إلى تصلب الحريري والهجوم على قاعدة طائفية أيضاً، لكنها تحمل في طياتها بناء خط دفاع عن الصيغة الذي حددها الطائف، فضلاً عن محاولة تعويض الخسائر التي تكبدها خلال مشاركته في الحكم وترؤسه لحكومتين خلال عهد عون ثم تكليفه مرة ثالثة. كل ذلك يعني أن أزمة الحكومة والنظام ايضاً تتمدد وتستفحل إلى ما لا نهاية، والخوف يتضاعف من الإنفجار.ibrahim.haidar@annahar.com.lbTwitter: @ihaidar62