الرئيسية / home slide / خطأٌ وخطيئةٌ وكلُّ المعاصي

خطأٌ وخطيئةٌ وكلُّ المعاصي

24-03-2023 | 00:00 المصدر: “النهار”

سمير قسطنطين

سمير قسطنطين

مصرف لبنان (أرشيفية - نبيل إسماعيل).

مصرف لبنان (أرشيفية – نبيل إسماعيل).

ثلاثةُ أطرافٍ أوصلت لبنان إلى الحضيض. ارتكاباتها غير مسبوقة في عِلم الاقتصاد. المصارِف كانت الطرف الأوّل وقد ارتكبت “الخطأ” المُتَمَثِّل في طمَعِها في عائدٍ عالٍ جدّاً على استثماراتها Return on investment. معظم المصرفيّين في لبنان ليسوا مصرفيّين بالمعنى التّقني. هُم تُجّار هدفُهم رفعُ نسبة العائدِ على استثماراتهم وليس توفير خدماتٍ ماليّة للمواطنين. طمِعَ هؤلاء المصرفيّون/ رجال الأعمال بما أغراهم به #مصرف لبنان حيث بلغ ثمن استدانته من احتياط المصارِف في الفترة الأخيرة 17%. رأوا في هذه الفرصة رِبحاً هائلاً. في مادّةِ الـ Microeconomics الأساسيّة في علم الاقتصاد، مبدأٌ يقول إنَّه كلّما كان الاستثمار أكثر خطورةً، كان العائدُ على الاستثمار أعلى. رجال الأعمال كانوا يُدرِكون أنّ الفوائد الّتي يُغريهم بها مصرف لبنان، كانت مؤشِّرَ خطورةِ الاستثمار. لكنّ الأرباح أغرَتهم. لم يُفكّروا بسلامة المُودِع والودائع.

هؤلاء ارتكبوا “الخطأ”، لكنَّ مصرف لبنان ارتكب “الخطيئة”، وكانت عظيمة. كان يعلَم خطورة الوضعَين الاقتصادي والنّقدي. وكان يعرفُ أنَّ المَسار الّذي مشى فيه منذ أن أصدر البنك الدّولي في الـ2012 المؤشِّرات السّلبيّة حول نموِّ الاقتصاد اللّبناني، سيؤدّي إلى الكارثة. لكنَّ حاكِم المركزي ليس وحدَه مَن ارتكب الخطيئة. أعضاء المجلس المركزي من نواب الحاكم إلى لجنة الرقابة على #المصارف ومفوض الحكومة ومديرَي عام وزارتَي المال والاقتصاد كانوا على علمٍ بما يدور. كُلّهم مضوا في طريقهم ولم يستقيلوا. إذا سألْتَ حاكميّة مصرف لبنان، “لماذا أنفقتُم المال بطريقة غير مسؤولة”، يأتيك الجواب أنَّهُم كانوا يُنفِّذون قرارات الحكومة الموثَّقة بمحاضِر جلساتٍ رسمية. لكنَّ السّؤال الّذي لا يستطيعُ الحاكِم ولا المجلس المركزي الإجابة عنه هو: “ما دُمتم كنتم تعلمون أنَّكم تذهبون إلى الهاوية، وأنَّ الحكومة بطَلباتِها كانت تسيرُ إلى دمارٍ شامِل، لماذا لم تستقيلوا من مناصبكم؟”. واحدٌ من الأسباب في رأيي لعدم الاستقالة، هو الوعود الوهميّة الّتي كان يَهمسُ بها السّياسيّون سرّاً في أذن رياض سلامة. كانوا يُدغدغونَ عواطفه كلَّ ستِّ سنوات باحتمال انتخابِه رئيساً للجمهوريّة. كم كان كبيراً إدمون نعيم عندما كان حاكماً لمصرف لبنان ورفضَ تمويلَ الدّولة من ودائعِ النّاس. أرسلَ إليه وزير الدّاخليّة آنذاك رجال الشّرطة ليعتقلوه! في ذلك الزّمن، كان للبنان أبطال!

ذلكَ كان “الخطأ”، وتلكَ كانت “الخطيئة”. أمّا عن “كلِّ المعاصي”، فقد ارتكبتها طبقةٌ سياسيّةٌ لم تفقَه شيئاً في عِلم الاقتصاد وفي عِلم الاستثمار. كانوا خبراء في عِلم الفساد والاحتيال، وبلا إحساسٍ تجاه اللّبنانيّين جميعاً. هؤلاء أدركوا منذُ الزّمن البعيد أنَّ لبنانَ ذاهبٌ إلى جهنَّم. كانوا يعرفون أنَّ احتياط مصرف لبنان يتناقص يوميّاً، ومع ذلك أصرّوا على تمويلِ الموبقات من خزينةِ الدّولة، من الأوتوسترادات التنفيعيّة إلى المؤسّسات “الخيريّة” الّتي تخصُّ السّياسييّن، إلى معامل إنتاج الطّاقة، إلى التّوظيفات الزبائنيّة. هؤلاء لا غُفران لمعاصيهم. هؤلاء “لِعْبوا قْمار” ظانّين أنَّ عائدات النّفط الموعودة ستُغلق العجز المالي.

أتذكرون كلاماً قاله رئيس جمعيّة المصارف وحاكم المركزي ووزير المال طَمْأنونا فيه بأنَّ اللّيرة بخير؟ كانوا يعلمون الحقيقة. لم يفعلوا شيئاً! بالتّضامُن والتّكافُل معاً مضوا بنا نحو الانهيار.

“خطاٌ” و”خطيئةٌ” و”كلُّ المعاصي” تسِمُ جبين كلِّ هؤلاء، وإني أعتقد أنَّ لا قيامة للبنان من دونِ محاكمةٍ عادلةٍ لكلِّ مَن تَوَرَّط في تدميرِ اقتصادِ وطنٍ وأمالِ ومعنويّات شعبٍ بكامله.