24-03-2021 | 00:22 المصدر: النهار


خصوم الحريري… ماذا ينتظرون منه بعد الصدام مع عون؟
روي احدهم انه سأل المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم مساء يوم امضاه في جولة حافلة من الاتصالات واللقاءات التي اجراها مع مرجعيات ومعنيين بعملية تأليف الحكومة الموعودة، عن الحصيلة التي عاد بها بعد كل هذا الجهد، فأجاب: ثمة جهة تبدد الجهود لانها لا تريد ايصال الامور الى خواتيمها المنطقية وتسهل تاليا استيلاد الحكومة التي ينتظر ولادتها السواد الاعظم من اللبنانيين. لم يشأ اللواء ابرهيم، الذي تنكّب تطوعاً منذ فترة مهمة يعي تماما مدى صعوبتها وتعقيداتها، وهي مهمة توليد المبادرات والعروض والافكار، ان يسهب في وضع النقاط على الحروف ويحدد هوية تلك الجهة التي تعرقل وتعطل من خلف الحُجب، لكن الاستنتاج التالي الذي لم يشأ الرجل العميق البوح به هو ان الظروف والمعطيات الداخلية باتت مهيأة اكثر من ذي قبل لاستيلاد الحكومة وتكريسها فعلا انقاذيا، لكن المشكلة تكمن في غياب الاشارة اللازمة التي ينتظرها من بيدهم الحل والعقد لكي يمضوا قدماً في انجاز ما سبق وتعهدوا به. يقدّم اللواء ابرهيم في مجلس خاص سرداً معززاً بالتفاصيل لحجم الجهد الذي بذله مدى ايام واسابيع متنقلا بين قصر بعبدا و”بيت الوسط” وعين التينة، الى صروح وامكنة اخرى، حاملاً العروض والافكار التي تشكل اساس الحل وتقريب الوجهات المتباينة، فضلاً عن الاتصالات التي لم تنقطع مع باريس المهتمة، لكن الامور لم تبلغ خواتيمها المرتجاة واتاحت له تاليا بلوغ الاستنتاج السابق. ولكن مع ذلك، يبعد ابرهيم من قاموسه مصطلح اليأس والركون الى الاستسلام، لذا كلما لاحت في الافق بارقة امل او ظهرت كوة ضوء تراه يعود الى ساح المبادرة، فهو ليس من النوع الذي يتأفف او يشتكي. وبفعل رحلة التجربة صارت لدى الرجل قائمة دروس وخلاصات دفعته الى اجراء اتصال بأحد المسؤولين الذي اعتاد التواصل والتشاور معه ليقول له بصريح العبارة: ان موقفكم الرمادي من الملف اللبناني، ولاسيما من موضوع تأليف الحكومة، هو احد ابرز العوامل التي تعوق عملية ملء الفراغ الحكومي في لبنان وتطيل امد الازمة والمعاناة. وفي ذروة انتعاش الآمال واتساع رقعة التفاؤل التي سرت صبيحة السبت بعد مشهد اللقاءات السابقة، رد اللواء ابرهيم على متصل به: ان الآمال مازالت ضئيلة. اكثر بقليل من 36 ساعة (ظهر الاثنين) وتكون مخاوف الرجل في محلها، لاسيما بعد مشهد الرئيس المكلف وهو يتلو بيانه من على منبر قصر بعبدا. وعليه فان السؤال الذي طرح نفسه بالحاح هو: ما هي السبل التي سيستند اليها بعض الذين ادمنوا خلال الاشهر الخمسة الماضية لعبة “انتاج الفراغ وتجميله وتسويغه؟”، واستطرادا ما هي الحجج التي سيشهرونها من الآن فصاعداً؟ عندما خرج الحريري من لقائه الاقصر مع رئيس الجمهورية ميشال #عون ليدلي ببيانه الغاضب، سرت موجة من المخاوف لدى الراصدين فحواها ان الامور سائرة بين الطرفين ولاريب نحو “قطيعة اكيدة”، واستتباعا نحو مزيد من جولات السجال والتصعيد السياسي، واستطرادا نحو عمليات ضغوط منظمة ومحتدمة في الشارع مع ما يمكن ان يواكب ذلك كله من ضغوط مالية واقتصادية ستتجسد اكثر ما يكون في ارتفاع قد يكون جنونيا لسعر صرف الدولار. وكان ثمة من اخذته الريبة اثر شيوع معلومات غامضة المصدر جوهرها ان ردة فعل الحريري ستصل الى حدود العزوف عن التكليف، ومن ثم تنظيم استقالات جماعية لنواب “المستقبل” بالتنسيق مع كتل اخرى من بينها “القوات اللبنانية” الجاهزة لخيار كهذا سيفضي الى ما تطالب به منذ زمن الى حل المجلس وفتح باب التوجه الى انتخابات جديدة تمهد لولادة سلطة جديدة. باختصار امضت البلاد ساعات من القلق والرهبة والارتياب. لكن مع صبيحة اليوم التالي استشعر الجميع انه يوم آخر اظهر ان الدنيا اهتزت لكنها لم تقع، وان الامور ما برحت تحت السيطرة وذلك من خلال الوقائع الآتية: – ان مفعول الضغوط في الشارع ما لبث ان انتهى بعد قليل من عمليات قطع لشوارع في مناطق بيروتية محسوبة على “تيار المستقبل”. – ان خصوم الحريري يزعمون انه ايقن اكثر من اي وقت مضى ان احتياط الدعم السياسي الذي لطالما كان يستمد منه جرعة الاسناد قد اهتز. فالتموضع السياسي الجديد لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والذي دفعه الى الظهور المفاجىء في قصر بعبدا اخيرا لم يكن امرا عابرا، في حين ان رئيس مجلس النواب نبيه بري صار مضطرا بعد “الكلام النوعي” الذي اطلقه السيد نصرالله في اطلالته الاخيرة، الى ان “يمتص” حال الاستياء والاعتراض التي تجلت اكثر ما يكون في البيان الاخير الذي صدر عن المكتب السياسي لحركة “أمل”، وان يعود الى دائرة “ضبط الموقف” خصوصا بعد اللقاء الذي جمع لجنة الارتباط العليا بين الطرفين والمتمثلة بحسين الخليل ووفيق صفا عن الحزب والنائب علي حسن خليل واحمد البعلبكي عن الحركة. – ان المواقف الاخيرة للسيد نصرالله انطوت على رسالة موجهة الى الحريري وتياره، فحواها الايحاء باننا قد لا نكون ملزمين من الآن فصاعدا بالخطوط العريضة لتفاهمنا غير المعلن والمبرم سابقا، وهو ما جعل “التيار الوطني الحر” يستشعر بان هذا الموقف الجديد يشكل عامل دعم مطلق. – ان تشكيلة الـ 18 وزيرا التي سارع الحريري الى كشفها اخيرا معروفة. في حين اكدت مصادر “حزب الله” مجددا انها لم تسلم بعد الرئيس المكلف ايا من الاسماء التي يزكّيها للتمثيل في الحكومة المقبلة، مما يعني ان الاسمين الواردين في التشكيلة اياها لا علاقة للحزب بهما مع تقديره لهما. – اذا كان الحريري قد ظهر بمظهر المعتدى على صلاحياته الدستورية من جانب الرئاسة الاولى، فان ذلك يظل مجرد اجتهاد له رد عليه، وهو في النتيجة سجال مفتوح غير محسوم. – ان الحريري لن يتراجع او يعزف او يعتذر، وهو ايضا قد بلغ اقصى حراكه الخارجي، وعليه فهو في حكم المضطر لان يتحمل هجمات الآخرين واغاراتهم عليه وان يدفع تاليا اثمانا لذلك الخيار. بناء على ما تقدم، فان الحريري، وفق خصومه، سيكون مضطرا لان يستوعب مفاعيل الضربة التي يعتبر انه تلقاها اخيرا، وان يخفض منسوب استيائه من كلام نصرالله، وان يتفهم ولو على مضض أبعاد الحركة الجنبلاطية، ويختار اللحظة المناسبة والطريقة المثلى ليعيد وصل ما انقطع مع قصر بعبدا، واولا واخيرا ان يعيد النظر بالتشكيلة التي قدمها قبل مئة يوم ولم تلقَ التجاوب والقبول.الكلمات الدالةسعد الحريريتشكيل الحكومةعون