رجل الأقدار” يدعم مرة أخرى العلاقات بين كوبا وأميركا، والقائمون على مركز تراث همنغواي يأملون في أن يساهم المشروع في الإجابة عن سبب انتحاره.الاثنين
https://alarab.co.uk
2019/04/01
“
هل انتحر الكاتب بسبب حب امرأة تركته تعيسا
أغلب الكتاب الذين أبهرت نصوصهم العالم، لم تكن حياتهم أقل إبهارا، في تفاصيلها غير العادية وخفاياها التي تبدو في حد ذاتها حكاية أدبية. من هؤلاء لا يمكننا أن نغفل حياة الكاتب الأميركي إرنست همنغواي، الذي عاش محاربا ومات منتحرا، عاش وحيدا رغم تعدد علاقاته ورحل والحب ينخر قلبه. إرث أدبي كبير تركه الكاتب، وهو ما حدا إلى تأسيس مركز لحفظ هذا التراث، اجتمع في إنشائه طرفا الحرب الباردة.
هافانا (كوبا) – دشنت منظمة غير حكومية أميركية ومؤسسات كوبية محترفا لترميم تراث الروائي الأميركي إرنست همنغواي، لتنهي جدلا واتهامات استمرت ستة عقود بين خصمي الحرب الباردة.
وشيد المجلس الوطني الكوبي للتراث الثقافي، ومؤسسة فينكا فيخيا الأميركية، المركز الذي يقع داخل مزرعة مساحتها 15 فدانا، حيث عاش هيمنغواي في منزل على الطراز الإسباني تظلله الأشجار.
وقد أنشأت جيني فيليبس حفيدة ماكسويل بركينز ناشر أعمال همنغواي (1899-1961) مؤسسة “فينكا فيخيا”، للحفاظ على تراث أحد أكبر كتاب القرن العشرين والترويج له.
عاشق كوبا
بدأت المؤسسة التي تحمل اسم “دارة همنغواي” جنوب شرق هافانا، التعاون مع مؤسسات كوبية منذ العام 2002.
وقال النائب الأميركي الديمقراطي جيمس ماكغوفرن الذي حضر افتتاح المركز، وكان أحد المروجين له “مرة جديدة يدعم همنغواي العلاقات بين كوبا والولايات المتحدة”.
وشددت غلاديس كوياسو مديرة المجلس الوطني للتراث الثقافي على أن المحترف أتى نتيجة تعاون بين “أفراد ذوي نوايا حسنة مستعدين لمقاومة أي ضغوط”.
علاقة حميمة ربطت إرنست همنغواي بكوبا التي أقام فيها ما بين عامي 1939 و1960، حيث كتب روايته {العجوز والبحر}
علاقة حميمة ربطت إرنست همنغواي بكوبا التي أقام فيها ما بين عامي 1939 و1960، حيث كتب روايته “العجوز والبحر” عام 1952، ونال جائزة “بوليتزر” الأميركية في العام نفسه، قبل أن يحصل على نوبل في عام 1954، واعتبرها النقاد “رواية كوبية بامتياز”.
غادر همنغواي كوبا عام 1960، بعد أكثر من عام من الثورة هناك، وقبل أقل من عام من انتحاره في ولاية إيداهو، وهو في الحادية والستين من العمر، بسبب معاناته من الاكتئاب، تاركا الآلاف من الوثائق والمخطوطات والرسائل والصور.
“عاش همنغواي وأحب وكتب في كوبا”، كما تؤكد روسا ألفونسو روسالس المديرة والمسؤولة عن البيت والمزرعة اللذين عاش فيهما. وقد ذكر همنغواي نفسه في إحدى المقابلات أنها “مكان جيد للكتابة، لأنها خارج المدينة وتقع على تل”. احتلت كوبا مكانة هامة في قلب وعقل همنغواي، ومع هذا فقد اتهمه بعض النقاد بالخروج منها بعد الثورة الكوبية (1959) خوفا من “شبح الشيوعية”، لكن روسالس ترد مرة أخرى على ذلك الجدل القديم الذي يقلل من مكانة كوبا في حياة وأعمال همنغواي بقولها “أحب همنغواي كوبا قبل وبعد الثورة”. ويؤكد ذلك كلام همنغواي نفسه الذي كتب في رسالة إلى أحد أصدقائه يقول “كنت محظوظا بالكتابة في كوبا حيث يشعر الإنسان أنه في بيته بعيدا عن المكان الذي ولد فيه. هذا هو المكان الذي قدر لي”.
وصل همنغواي كوبا للمرة الأولى عام 1928 مع زوجته الأولى بولين بفيفر، لكن الفضل يعود إلى زوجته الثالثة مارتا التي عثرت على المزرعة التي كتب فيها همنغواي كثيرا من أعماله، واشتراها من العوائد المالية لحقوق روايته “لمن تقرع الأجراس”.
ولم تكن المزرعة المكان الوحيد الذي كتب فيه، بل أيضا الغرفة رقم 511 في فندق “أمبوس موندوس” حيث كان يعزل نفسه متفرغا للكتابة، أو “النزيف” كما كان يصفها. وكان مكانه المفضل في بار فلوريدا الأسطوري، حيث يجلس على مقعد مطل على شاطئ كوخيمار. وقد صبغ كوبا بصفات إنسانية في رواية “تلال أفريقيا الخضراء” واصفا إياها بـ”الجزيرة الطويلة والجميلة والتعيسة”.
بسبب امرأة
كان إرنست يعشق أجواء الحرب، لذلك أراد أن يشارك مع جيش بلده في الحرب العالمية الأولى، إلا أن الأقدار جعلته يشارك في الحرب كمتطوع في الصليب الأحمر، ينقذ حياة الآخرين عوض إنهائها، وهناك في إيطاليا تعرّف على الممرضة آجي التي كانت تداويه، نشأت بينهما علاقة حب، لم تنته كما اشتهى إرنست، غير أن مقامه في المستشفى الذي امتد لأكثر من شهر، كان له أثر كبير في مسيرته الأدبية، وظهر جليا في روايته “وداعا للسلاح”.
بدأ همنغواي مساره الصحافي مبكرا (عام 1918)، ثم انتقل إلى باريس (عام 1922) حيث أجرى مقابلات مع كبار الشخصيات، وتعرف على أدباء فرنسا في أوج الحركة الثقافية الفرنسية وعقد صداقات ساعدته كثيرا مع بيكاسو وخوان ميرو وإزرا باوند وجيمس جويس الذي ساعده في نشر كتاباته.
أثرت تجربته الصحافية في أعماله الروائية في ما بعد، خاصة اعتماده على بساطة الأسلوب والجمل القصيرة، وهذا ما أوضحه في قوله “كان علينا الكتابة بأسلوب سهل واضح، وهذا شيء مفيد، العمل في الصحافة لن يضر بكاتب شاب، بل على العكس سيفيده إن هو عرف الوقت المناسب كي يستقيل”.
وفي ظرف قصير، تحول إلى واحد من أهم الروائيين الأميركيين، إن لم يكن أهمهم على الإطلاق.
همنغواي المعروف بعشقه للنساء وتعدد العلاقات، فشل في جميع علاقاته العاطفية، الأمر الذي يفسر شعوره الدفين بالوحدة
عاش همنغواي حياة تشبه حياة النجوم، مطاردا من الصحافة التي أكثرت من الشائعات بعد وفاته، ووصفته بـ“رجل الأقدار”، ففي عام 1954 تعرض لحادثتين، لينجو في كل مرة من موت محقق، فقد تحطمت طائرة كانت تقلّه وزوجته في الكونغو، في طريقهما لتصوير مورشيسون فولز من الجو، ضربت الطائرة عمودا كهربائيا، وتحطَّمت أثناء هبوطها، وأصيب همنغواي بجرح في رأسه، بينما كسر ضلعا زوجته. وفي اليوم التالي، وفي محاولة للوصول إلى الرعاية الطبية، استقلا طائرة انفجرت عند الإقلاع، وعانى همنغواي من حروق.
همنغواي الذي نجا من الرصاص، وهو ينقذ صديقه بالحرب العالمية الأولى، ونجا من حادثتي الطائرة، ونجا من سرطان الجلد والملاريا والجمرة الخبيثة، وتعايش مع هشاشة العظام ومتاعب الشيخوخة التي داهمته باكرا، أنهى حياته منتحرا برصاص بندقية فجرت دماغه.
ويقول وليام والتون، وهو طبيب نفسي، إن همنغواي كان مكتئبا، ومازوشيا يستمتع بتعذيب نفسه، ويعاني من حالة تسمى اضطراب ثنائي القطب، تلك الحالة التي لم تكتب العمر لصداقاته أو زيجاته، فهمنغواي المعروف بعشقه للنساء وتعدد العلاقات، فشل في جميع علاقاته العاطفية، الأمر الذي يفسر شعوره الدفين بالوحدة.
كان الانتحار أسلوبا متوارثا في أفراد عائلة همنغواي، يختمون به حياتهم، فقد انتحر والده وانتحر عمه وانتحرت أختاه وانتحرت من بعده حفيدته. وظل الموت يطارده لينتحر دون سابق إنذار في غرفة قصية ببندقية صيد، أهداها إليه والده وهو صغير ورافقته طيلة حياته.
توفي إرنست مخلفا مذكرات، عثر على جزء منها خلال السنوات الأخيرة، كشفت عن حبه الكبير للممرضة الإيطالية آجي ووفائه لها رغم مرور عقود طويلة، تاركا وراءه سؤالا كبيرا مطروحا: هل انتحر بسبب حب امرأة تركته تعيسا حتى وهو يحقق أكبر أمجاده؟
القائمون على مركز تراث همنغواي يأملون في أن يساهم هذا المشروع في العثور على جواب للسؤال.