
مع انتهاء معرض بيروت “العربي الدولي” للكتاب 62، لا بدّ من قراءة وداعية بسيطة، والتأمل في بعض حيثياته ومشهده العام وجمهوره ونجومه ونشاطاته ومكانه.. ولعل أبرز نجوم المعرض كان مرآب السيارات، اذ احتلت عصابة “الفاليه الباركينغ” الملك العام، وحوّلته إلى مواقف مدفوعة للسيارات والباصات، وتقاضت إثماناً باهظة من دون حسيب أو رقيب، برغم حملات السوشال ميديا. وتقلبت تسعيرة دخول السيارة بمزاجية وإدارة مافيوزية معلومة مجهولة، بين ألفي ليرة وسبعة آلاف ليرة، لتظهّر في المشهد الطريقة الجشعة للربح السريع وسرقة المواطنين بشكل علني وبطريقة مدروسة، ويأتي ذلك مقارنة مع الكتاب وثمنه والتعب من أجله، بلا جدوى، لتكون الخاتمة مزيداً من النق عن أحوال المؤلف والناشر…
دار مثل “النهار” المعبّرة عن “ثقافة الجمهورية اللبنانية”، أصبحت علامة انهيار، وتحضر كتبها على هامش دار “سائر المشرق”. ثمة تطور في بعض الدور السورية، “التكوين” تتبنى أدونيس وفراس السواح وعلي حرب، “سرد” لديها طموحات في عالم الرواية، والدور العراقية مثل “الرافدين” اختارت مع “تكوين” الكويتية طباعة الأعمال الكاملة لبسام حجار.
ثمة دور لبنانية إيديولوجية تحولت إلى طَبَّاعة كتب، لا تراعي أدنى معايير النشر، لا تهتم بالنوعية، الغاية الأساس تقاضي الأموال من الكاتب أو المؤلف أو الشاعر وإرسال المخطوطة إلى المطبعة. في مقابل هؤلاء، تغرق بعض الدور في الإدعاء وزعم “العراقة”، والاهتمام بكل التفاصيل، لكن من دون إنتاج الكتب أو توزيعها، مع النفخ في صغائر الأمور وجعلها عظائم المنجزات…
كذلك لم يعد جديداً الحديث عن حضور الشعراء وغياب القصيدة. إذ لم تثمر السنوات القليلة الماضية نصاً شعرياً خاصاً يمكن التوقف عنده. لم يعد غريباً القول أن الكتاب النجم، في مرات كثيرة يكون حظاً، فليس مفهوماً لماذا يختار القراء أحلام مستغانمي أو دان براون أو باولو كويلو. الأرجح أنه فيروس الاستهلاك والدعاية.
الجانب الأكثر إثارة للانتباه في المعرض، هو حضور الكتب الدينية والمذهبية بشكل عام، وإيرانية الهوى بشكل خاص. وهذا انعكاس للتحولات في المنطقة، وله دلالاته في عالم “القراءة”، والتوجه السياسي. فكل عام، يتسم المعرض بموجة ما، تتضمن نوعاً من إفراز سياسي وحزبي، سرعان ما يتداعى ويتفكك. شهدنا موجة ميديا رافقت مرحلة ما بعد اغتيال رفيق الحريري و14 آذار 2005، كانت هناك أجنحة لبعض الرموز الحزبية والثقافية سرعان اختفت أو توقفت عن المشاركة. وبعد 2011، برزت موجة الثورة السورية وكتبها، ثم موجة كتب “داعش”، والآن موجة ما بعد دخول “حزب الله” إلى سوريا، إذ زادت الميديا والثقافة التابعتان لحزب الله وإيران. حتى في الدور السورية واللبنانية “الليبرالية” والعلمانية، يلاحظ وجود عناوين بارزة كثيرة تهتم بالتراث الشيعي والكربلائي. وهذا لا يعني أن الأصوليات والمذهبيات الأخرى (السنّية) غير حاضرة.