اخبار عاجلة
الرئيسية / أبحاث / «حياة هنري الثامن الخاصة» لكوردا: بداية الغزو الإنكليزي لهوليوود

«حياة هنري الثامن الخاصة» لكوردا: بداية الغزو الإنكليزي لهوليوود

الحياة
09032017

إذا كان قد كثر الحديث لمناسبة أوسكارات هذا العام عن وجود الكثير من غير الأميركيين في الترشيحات والانتصارات، فإن ما يبدو جديراً بالذكر هو أن أول جائزة أوسكار في تاريخ السينما أُعطيت لغير أميركي، كانت تلك التي فاز بها الفنان البريطاني تشارلز لوتون عن دوره في فيلم «حياة هنري الثامن الخاصة» الذي كان سُمّي أيضاً لجائزة أفضل فيلم. من يومها لم يعد ثمة تفريق بين الأميركيين والإنكليز في هذا المجال. كما أن لوتون بات يعتبر منذ ذلك الحين واحداً من كبار فناني «هوليوود» أيضاً هو الذي كان أحد مفاخر الفن البريطاني. كان الفضل في ذلك، إذاً، للفيلم الذي حقق نجاحاً هائلاً لدى النقاد والجمهور العريض، في عام 1933 عن حياة الملك الإنكليزي المزواج الذي لم يكن سعيداً في الحب، كما يبدو، بقدر ما كان سعيداً في السلطة. من هنا، يتخذ دلالته ذلك المشهد الأخير في الفيلم، حين تخرج الزوجة السادسة والأخيرة من غرفة نوم زوجها وقد ضعف وشاخ، فيخبط جدار الغرفة بيده صارخاً: «ست زوجات، وأفضلهن هي الأسوأ!».

> «طبعاً، لم يكن في حكاية الفيلم ما من شأنه أن يكون مفاجئاً وجديداً على صعيد موضوعه التاريخي، فهو يبدأ بعد سنوات من بداية حكم الملك الذي كان أمر بتنفيذ حكم الإعدام بزوجته الثانية المحبوبة آن بولين ليتزوج من بعدها جين سايمور التي ستموت بعد 18 شهراً خلال ولادة طفلهما الأول. وعندذاك يتزوج الملك الأميرة الألمانية آن دي كليف التي سرعان ما تهمل نفسها حتى يسأم منها الملك ويطلقها فتتمكن من الرجوع إلى حبيبها. أما الملك، فإنه بعد طلاقه يتزوج من الحسناء الطموح كاثرين هوارد التي تضحّي بحبيبها للاقتران بالملك طمعاً بالسلطة، لكنها سرعان ما تغرم بأحد رجال حاشيته وحين ينكشف أمرهما يأمر هنري بقطع رأسيهما معاً في برج لندن. وفي نهاية الأمر يقترن الملك بالسادسة التي تتكشف عن شخصية قوية ومسيطرة لا تمكّن أحداً من التلاعب بها…

> كما أشرنا، لم يكن في رواية الفيلم لهذه الحكايات الزوجية عن هنري الثامن أيّ جديد. لكن الجديد كان اللغة السينمائية القوية والواقعية التي صُوّر بها السيناريو. ولكن كذلك، وهذه خاصية بريطانية لا بأس من الإشارة إليها دائماً، كان هناك إدارة التمثيل التي مكّنت الشاشة من أن تنقل شخصيات من لحم ودم وعواطف، وسط مناخ من المؤامرات والخيانات ومشاهد الإعدامات الدموية…. وكل هذا جاء «إنكليزياً» خالصاً، ومع هذا لا بد من التأكيد على أن الرجل الذي كان وراء المشروع لم يكن إنكليزي الأصل بل مجريّه: كان ألكسندر كوردا مخرج الفيلم ومنتجه.

> لعل شخصاً في تاريخ الفن السابع، لم يتمكن من أن يعكس في حياته وعمله «بداوة» السينما وعالميتها وفاعليتها، بقدر ما فعل المجري ألكسندر كوردا، الذي سيتحول إلى ذاك المنتج والمخرج البريطاني، الذي تحمل اسمه أفلام هي اليوم من كلاسيكيات السينما، وبرز في ظله بعض أشهر نجوم ومخرجي الفن السينمائي. ومع هذا، فلربما كان أهم ما يمكننا أن نتوقف عنده، في استعراضنا حياةَ كوردا ومسيرته، ليس إبداعه السينمائي، بل الدور الذي يتكشف للسينما من خلال واحدة من حكايات حياته. فخلال الحرب العالمية الثانية، يروى أن تشرشل الذي كان قد ارتبط معه بصداقة، طلب منه أن ينتج في أميركا أفلاماً تكون قادرة على أن تحض «الأميركيين» ضمنياً على دخول الحرب إلى جانب البريطانيين. وعلى هذا النحو أنتج كوردا فيلم «ليدي هاملتون». لكن الحضّّ فيه كان واضحاً وليس ضمنياً، ومن هنا لم يتوان الأميركيون عن اتهام كوردا بأنه يتدخل في ما لا يعنيه، ولم تتوان السلطات الأميركية عن تنبيهه من مغبة الاستمرار في تلك الطريق. صحيح أن كوردا لم يكرّر ذلك الأمر، أي أنه توقف عن إنتاج أفلام تحرض الأميركيين، لكنه في الوقت ذاته واصل عمله لحساب أجهزة الاستخبارات البريطانية التي يبدو أن علاقته بها كانت قد بدأت قبل ذلك بزمن بعيد. مهما يكن ما أمر، فإن ألكسندر كوردا، حُسب على الدوام، على ونستون تشرشل. وكان كوردا منذ أواسط سنوات الثلاثين قد ارتبط بتشرشل بصداقة توجها عقد بينهما يقوم كوردا بموجبه بتحويل كتاب ألفه تشرشل إلى فيلم سينمائي. لكن العقد لم ينفذ أبداً، وقال كوردا بعد سنوات طويلة أن العقد لم يوقع أصلاً لكي ينفذ، بل كان عبارة عن ربط علاقة بين الرجلين. ومهما كان الامر، فإن تشرشل ساعد كوردا طويلاً بوصفه مستشاراً تاريخياً له في الكثير من الأفلام. ولعل علاقة كوردا بتشرشل كانت ما عزز بريطانيته وجعله يكرس لاحقاً نبيلاً بريطانياً حقيقياً. وهو أمر من الواضح أنه لم يكن قد داعب مخيلة ذلك الطفل الهنغاري الذي كانه ألكسندر كوردا في مطلع حياته.

> والواقع أن ألكسندر كوردا ولد في هنغاريا في 1893، ثم توجه إلى باريس أوائل القرن حيث درس فن السينما اعتباراً من 1912، وبعد ذلك طفق يحقق أفلامه الأولى كمخرج ومنتج في بودابست ثم فيينا وبرلين، قبل أن يصل إلى هوليوود التي أقام فيها بدءاً من 1927 لكنه لم يعرف كيف يجعل لنفسه مكاناً دائماً فيها. ومن هنا، عاد إلى أوروبا في 1930 حيث عاش في برلين ثم في باريس قبل أن يستقر به المقام في لندن. وهذه المرة، في العاصمة البريطانية، كانت بدايته الحقيقية وتمكن من تأسيس إمبراطوريته السينمائية التي ستعيش طويلاً بعد ذلك. ومنذ 1936، نال كوردا الجنسية البريطانية، ويبدو أن تلك المرحلة كانت المرحلة التي فيها تعززت صداقته مع تشرشل كما تعززت علاقاته مع أجهزة الاستخبارات البريطانية، ما مكنه من استقدام الكثير من الفنانين الهنغاريين الهاربين، ومن بينهم أخواه زفلتان وفنسنت اللذان سيعملان تحت ظله في إنتاجاته المقبلة كافة.

> وإنتاجات ألكسندر كوردا كانت الثلاثينات عصرها الذهبي، وكان نجمها الأول والأكبر تشارلز لوتون، وإن لم يخل الأمر من أفلام شهدت بداية تألق فيفيان لي ولورانس أوليفييه. ولقد كان من حظ كوردا الحسن أن النجاح كان حليفه منذ أفلامه الفرنسية والإنكليزية الأولى، حيث نراه، في فرنسا، يخرج فيلم «ماريوس» عن رواية مارسيل بانيول الشهيرة، ثم نراه في لندن يحقق «حياة هنري الثامن الخاصة» وهو الفيلم الذي أطلق مكانة تشارلز لوتون وشهرته، ولعبت فيه دور آن بولين الممثلة الناشئة – حينذاك – ميرل أوبرون التي أضحت الزوجة الثانية لكوردا. وفي مرحلة تالية، حقق كوردا فيلم «رامبرانت» الذي رغم فشله التجاري يومذاك، اعتبر ولا يزال يعتبر واحداً من أجمل الأفلام التي حُققت في تاريخ السينما عن حياة فنان تشكيلي.

> وبعد «رامبرانت» لم يعد كوردا مهتماً بأن يخرج أفلامه بنفسه، بل كان يكتفي بأن يشرف على كل كبيرة وصغـــيرة في الفيلم تاركاً تقنيات الإخراج لمســـاعديه ومن بينهم أخوه فنسنت، الذي شارك روبرت فلاهرتي، عام 1937، في تحقيق بعض أفلامه ومنــــها «الريشات البيضاء الأربع» (1939) الذي يعتبر أبرز كلاسيكيات سينما المغامرات التي صورت في البلاد المستعمَرة. كما أنتج كوردا في الوقت ذاته فيلم «كتاب الأدغال» عن رواية روديارد كيبلنغ الشهيرة.

> خلال الحرب العالمية الثانية، عاش كوردا وعمل في هوليوود، التي عاد منها بعد انقضاء الحرب ليصبح سيد السينما البريطانية من دون منازع، وكان فيلم «حلاق بغداد» الذي حققه في هوليوود قد عزز سمعته وثروته، ومن هنا كان في وسعه، في بريطانيا، أن يستخدم دون تردد مواهب كتّاب وسينمائيين من أمثال غراهام غرين وكارول ريد ودايفيد لين وجان آنوي وجوليان دوفيفييه من طريق شركته «ليون فيلم كوربورايشن». صحيح أن الإفلاس كان يهدده دائماً، لكن الدولة البريطانية كانت سرعان ما تنقذه. واستمرت حاله هكذا في وقت راحت السينما البريطانية كلها تتدهور، واستمر ينتج أفلاماً كبيرة (لعل أبرزها «الرجل الثالث» عن رواية لغراهام غرين، و «حذاء على قياس قدمه» الذي لعب فيه تشارلز لوتون واحداً من أجمل أدواره)، حتى قضت عليه أزمة قلبية عام 1956.

اضف رد