الرئيسية / home slide / حول مسح الملكية الزراعيّة  1862 – 1868

حول مسح الملكية الزراعيّة  1862 – 1868

بلدة  المتين المتنيّة نموذجًا.

قرية المتين في نهاية القرن التاسع عشر

 شربل النجار
هنا لبنان
21022023


مع انطلاقة المتصرّفية عام  1862  مرّ على المتين إحصاءان فرضهما النظام الأساسي للمتصرفية بمادته السادسة
عشرة وكان ذلك بهدف جمع الضرائب بحسب عدد الذكور  المنتجين من جهة  وإنتاجية العقارات التي يملكها ذكور البيت الواحد من جهة أخرى.

وكانت تفرض ضريبة الجزية أو الأعناق أو الإعانة العسكريّة في ما بعد، على كل ذكر بلغ الخامسة عشرة من عمره وكانت قيمتها عشرة غروش. أما حاصل ما كان يدفعه ذكور المتين مجتمعين  من هذه الضريبة، وبحسب إحصاء 1862 فكان قدره حوالي  2850 غرشًا على أساس أن عدد المكلفين  (والذكر يكلّف بين الخامسة عشرة والستين من العمر) قد بلغ بحسب الإحصاء 285 مكلّفًا ما عدا السهو والخطأ. (1) .
 

وخلال السنة التي أجري فيها إحصاء الذكور عام 1862، شرعت دوائر المتصرّفيّة  بمسح الملكية العقارية على  كامل مساحات  قرى ومدن متصرّفية جبل لبنان. استمرّ تكوين هذا المسح الإحصائي حتى عام 1868 حين انتهى المسّاحون من أعمال المساحة إنطلقت الدوائر المالية في المتصرفية  تحدّد قيمة الضريبة المتوجبة  على سكان جبل لبنان.

محتوى دفتر مساحة الملكيّة الزراعية في المتين.

سُجّل على صفحات دفتر المسح المنفّذ ابتداء من سنة 1862 عملا بالمادة 16 من نظام المتصرفيّة ما يلي :  إسم القرية ، إسم الطائفة، رقم الصفحة ، نوع الأرض (– توت – مختلف – سليخ) . تقديرات إنتاج الأرض بِ(الحبة والقيراط والدرهم) ، نمرة الأرض ، إسم المالك،  اسم المحلّة التي يقع عليها العقار.

فنقرأ مثلا  أنه :  في قرية المتين، طايفة مارونيّة، صفحة نمرة 330 ، الخوري أنطون النجار، (كان يملك) 18 حبّة و 4 قيراط  أرض توت،  نمرة الأرض 1 ، المحلّة : حارة أبو حسن. (2)

 وقد أخذنا هذا التدوين  كنموذج عمّا ورد في دفتر مسح  1862-1868 لقرية المتين ولا بد أن نضع بين يدي القارئ نماذج أخرى عن ذلك المسح الإنتاجي التقديري لاحقًا.

ومما هو مدوّن أيضًا على دفتر المساحة، اسم المحلّة  التي توجد فيها العقارات وسوف نورد عيّنة من الأماكن الواقعة عليها العقارات. والجدير ذكره أن لكنائس المتين أوقافا ملكًا في تلك الأماكن وكذلك بالنسبة الى مدرسة المتين ودير ما مخايل بنابيل ودير مار موسى الدوار ودير طاميش. كما لطائفة الموحّدين الدروز أوقاف في محلات عديدة من المتين العقارية.

بعد دراسة دفتر المسح  تبيّن أن المتين كانت تحوي عام 1868 على 4146 رقم أو نمرة  عقار. توزّعت الملكيات على “محلّات أو “حيارات”  ولم يكن في الغالب من محلّة محسوبة على طائفة دون أخرى بل إن “الحيارة”  الواحدة أو المنطقة الواحدة كانت تضم ملاكين من طوائف مختلفة . وهذه بعض الأمثلة :
حفة المرقد : يملك فيها : قاسم حسين علوان، محمد قاسم بلوط، عبدالله بوحسين، عازر مسعد، داود بو صرّوف، سمعان نادر، شيبان عبيد، الخوريأنطون النجّار…….
عين القطن : يملك فيها : حيدر بلوط، مخول غنطوس الحداد، نعمة زغلول الحداد، طانيوس الحداد،
قلعة الصعبة
: يملك فيها : “نايلة” إبنة سلوم القنطار، شاهين هاني، سلمان هاني، حمزة علوان وولاد أخيه، الياس اندراوس الحدّاد، يوسف ابراهيم الحداد، ….
الدبشة
: يملك فيها : محمّد فارس مرداس، ورثة قايدبيه بلّوط، كما يملك فيها من الموارنة : ابراهيم جبّور النجار، الأمير مسعود سعد الدين، ….

وإننا لا ندّعي أن كافة المناطق الزراعية كانت تتشارك في ملكيتها جميع الطوائف وذلك  أن أعداد العقارات كانت متفاوتة بين طائفة وأخرى. فبينما كان يملك الموارنة 3144 عقارًا كان الروم الكاثوليك يملكون 68 عقارًا فقط.


واستنادَا الى دفاتر مسح الأراضي في المتين ، توزّعت الملكيات بحسب الطوائف على الشكل التالي : 3144 نمرة عقار للطائفة المارونيّة و827 نمرة عقار للطائفة الدرزية و107 نمرة عقار لطائفة الروم الأورثوذكس و 68 نمرة عقار لطائفة الروم الكاثوليك. ومن الملاحظ أن أكثر من 23% من  العقارات المسجلة للطائفة المارونية ، كانت تعود ملكيتها لعائلة “بو اللمع الأمراء” وهم من الملاكين الكبار الذين كانوا على مذهب الموحدين الدروز حتى عام 1835.  

أما من حيث الإنتاجيّة فلقد قدّر المسح إنتاجية أراضي موارنة  المتين ب24 قيراطًا و439 درهمًا. وأراضي الدروز فيها ب 24 حبة و5 قيراطا و85 درهما وأراضي الروم قُدّرت إنتاجيتها ب 10 حبات و16 قيراطا و11 درهما، وأراضي الكاثوليك ب 18 حبّة و24 قيراطا و4 دراهم.وقد قدرت إنتاجية مشاع قرية المتين ب 10 دراهم. فيكون مجموع الإنتاج الزراعي المقدّر لقرية المتين بتاريخ 1868 والذي على اساسه تجبى الضرائب بحبّتين  و19 قيراطا و551 درهما على أراض تنتج زيتونا وورق توت وأرض “سليخ” أو عشبيّة للرعي  وأرض “مختلف” تُزرع خضارًا وفاكهة على أنواعها.(3)
 
والجدير ذكره أن كامل المساحة الإنتاجيّة لجبل لبنان كانت تقدّر ب 128500 درهما.
وذلك علما ، وبما ركّزنا عليه أعلاه، أن الدرهم كان يساوي 2400 غرشًأ  كسعر رسمي. أما القيمة السوقيّة للدرهم فكانت بين 4500 و 4800 غرشًا. (4)

 أي أن المتين نظريا  وبحسب المسح الإنتاجي وعلى السعر الرسمي للدرهم،  كانت تنتج بقيمة تقريبية تبلغ مليونًا وثلاثماية وإثنين وعشرين الف واربعماية غرشًا سنويًا أو 13000 ليرة ذهبًا .وكانت ليرة الذهب السلطانية تقسّم الى مئة قرش تركي، وتساوي عشرين فرنكًا فرنسيًا وقليلة كانت القرى في جبل لبنان التي  تصل الى هذه المستويات من الإنتاج التقديري.

أما الضريبة التي كانت تدفعها مبدئيّا المتين على كامل مساحتها الإنتاجية  الممسوحة فهي بحدود 6612 قرشا إذا اعتبرنا أن الضريبة على الدرهم الواحد كانت تساوي 12 غرشًا والمتين تنتج 551 درهمًا. وكانت هذه الضريبة تختلف بين قرية وأخرى وبين موسم وآخر وكان يطلق عليها اسم “ويركو الأملاك”.

منذ عام 1880 فقدت الليرة الذهبية السلطانيّة من قيمتها وصارت تساوي خمس فرنكات فرنسية مما أثر على قيمة صادرات الجبل بالإجمال وبخاصة صادرات الحرير الى فرنسا وأحدث ذلك ضائقة مالية جبلية كبرى بين عامي 1880 و 1915  وقد شكل ذلك  جزءًا من الأسباب التي دفعت بالجبليين اللبنانيين الى الهجرة. (5)

 ومن المعلوم  ووفق جداول الإحصاء التي بين أيدينا،  أن الهجرة إنطلقت في المتين عام 1877 مع أفراد قلائل ما لبثت أعدادهم أن تزايدت.
وباختصار إن باب الهجرة كباب جهنّم كان ولا يزال مفتوحا أمام  أهل الجبل منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر. ومن الخطأ الإعتقاد بما تقوله السردية اللبنانية من أن اللبنانيين بما فيهم الجبليين قد ركبوا البحار وبنوا المستوطنات التي مكثوا فيها وحكموها.
 إن تلك السردية بعيدة عن الواقع المعاش والواقع كان، أن اللبناني الجبلي  اشتدّت عليه أزمات الدم والقِلّة التي بلغت ذروتها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ولا تزال تلك الذروة مستعصية وتتسبّب بنزيف غير منقطع .

شربل سمعان النجار


(1) بالإستناد الى إحصاء 1862 ذكور المتين عام  1862
(2) ظهّرَت  السلطة العثمانية إنتاجيّة  الأراضي بالحبّة والقيراط والدرهم فكان يجري تخمين الأملاك باعتبار محاصيلها لتبيان أهمية العقار بهدف  فرض الضريبة المناسبة على مالك العقار. وكان الدرهم المساحي الواحد بقيمة 2400 غرش. وقسّم الدرهم الى 24 قيراطا والقيراط الى 24 حبة. وقد إستعمل  القيراط دستورًا في الحساب. أما  الرقم  أربعة وعشرين فاحتسب على أساسه الدرهم والقيراط والحبّة لأنه أول عدد له نصف وثلث وربع وسدس وثمن صِحاح من غير كسر ، فيسهل التقدير به.  (نقلًا عن مقالة لعبد اللطيف فاخوري في جريدة اللواء  في 22 آذار 2021 بعنوان : أوراق بيروتية 10: السلطان سليمان القانوني يمسح أراضي السلطنة بما فيها بيروت)
(3) نقلا عن دفتر المساحة الإنتاجيّة لأراضي جبل لبنان لسنة 1862-1868.
أما “المغالق”  ونعني بها  كراخين الحرير  والدكاكين والمعاصر والطواحين وسائر المحترفات، أي كل ما يُفتح ويُغلق، فكانت تخضع لنظام ضريبي آخرهو نظام العِشر وجدول المغالق في المتين لا يشكل جزءًا من دفتر المسح الإنتاجي الزراعي . أي أنه كان على منتج الحرير مثلا وبحسب النظام الضريبي للمغالق أن ينقل  منتوجه الى أقرب ميزان للحرير أقامته الدولة وعلى أساس الوزن يدفع العشر الموزون نقدًا أو عينًا بالإضافة الى ضرائب أخرى كضريبة الجمرك وضريبة زيدت زمن فرنكو باشا قيمتها عشرة قروش تدفع على كل دولاب منتج في معمل واحد للحرير.
(4) عبدالله سعيد، تطور الملكية العقارية في جبل لبنان في عهد المتصرفيّة، دار المدى،بيروت 1986، ط1، ص 192.
(5) البر داغر، نخبة المتصرفيّة واقتصادها ، جريد الأخبار، 15 أيلول 2015 ، المعلومة نقلا عن المؤرّخ التركي إنغن أكرلي.