الرئيسية / أضواء على / حوار نادر لزكي ناصيف عن الفولكلور ومهرجانات بعلبك: لم اصبح ملحناً الا بعد اطلاعي على الموسيقى في مصر

حوار نادر لزكي ناصيف عن الفولكلور ومهرجانات بعلبك: لم اصبح ملحناً الا بعد اطلاعي على الموسيقى في مصر

أجرى هاشم قاسم حواراً كتب في “النهار” بتاريخ 24 أيار 1997 حمل عنوان: “حوار زكي ناصيف عن الفولكلور ومهرجانات بعلبك والموسيقى العربية: لم اصبح ملحناً الا بعد اطلاعي على الموسيقى والغناء في مصر”. تستحضر المقابلة زكي ناصيف المجدد والمطور في الموسيقى والفولكلور تجربة صاغت نفسها اعمالاً موسيقية رائدة، ربطت بين العلم والثقافة والموهبة، واخذت من التراث الجميل والجيد، اقصد من كل التراث. لذلك شكل في اعماله ونماذجه عصباً رئيسياً في التجديد والمعالجة صادقاً ودقيقاً وشفافاً. حول تجربته وعلاماتها ومحطاتها.. حول الموسيقى في لبنان والبلدان العربية، والاغنية الجديدة. نستعيد هذا الحوار النادر مع زكي نصيف في #نهار_من_الأرشيف .

  • 12 حزيران 2017
    أرشيف النهار 1997

 هل تروي كيف كانت اول علاقة لك بالموسيقى؟ – كان والدي تاجراً. وكان يقوم بعمله بين مشغرة ودمشق. وذات مرة، احضر معه من الشام من عند محمد اللحام (والد الممثل المسرحي دريد لحام) فونوغرافاً ذا بوق مع 35 اسطوانة من الغناء المصري. واذكر انها كانت للشيخ سلامة حجازي، ويوسف المنيالاوي. الشيخ سلامة حجازي هو معلمي الاول ولاسيما في قصائده القرآنية الشكل.

 بماذا تميز هذا المعلم؟ – بشيئين مهمين: الصوت الجميل والتمكن من الالحان الشرقية. وكل مجوّد للقرآن عليه ان يتعلم الالحان والانغام الشرقية حسب الاصول والقواعد. والتجويد القرآني في مصر مدرسة قائمة بذاتها رغم ان اصولها دمشقية. اتذكر ايضاً ان محمد عبد الوهاب في اول فيلم له “الوردة البيضاء” يدخل والى جانبه العازفون وفي مقدمهم رياض السنباطي، كما تطالعك في الفيلم صورة ثبتها عبد الوهاب في بيته وهي لاربعة من الكبار سلامة حجازي وسيد درويش والشيخ محمد رأفت. اما الرابع فقد نسيته.

 وبعد سلامة حجازي؟ – طبعاً، الشيخ سيد درويش. فعندما كبرت واشتد عودي كنت اشتري ادوار “انا هويت” و”انا عشقت” واغاني لعبد الوهاب وام كلثوم.  ماذا قدم سيد درويش اليك؟ – انه خلاق كبير. انه شيء لا يصدّق “زوروني كل سنة مرة” و”طلعت يا محلى نورها” لا تزالان في اذني.

 هل تحدد اضافات سيد درويش؟ – الاشياء الشعبية والادوار. لقد اجتهد بتطويل الفكرة الموسيقية وتطويرها. انه البحر الموسيقي العربي. لكني اود التأكيد انني استعنت بفولكلورنا وليس بالاشياء الشعبية المصرية.

 كيف؟ – اغنية “طلوا حبابنا” ذات اصول لحنية تراثية (حداء)، “لا لا لا عيني يا لا لا لا”. احد ايقاعات فولكلورنا.  ما هو اول لحن لك؟ – في مدرسة “المخلص” في الناصرة (بيروت) وضعت نشيداً للمدرسة وهو لحن من تأثّرات متري المر بالحان سيد درويش والتي تأثرت بدوري بها.

 متري المر اسم مغمور؟ – انه مرتل عظيم وصوت جميل. اتقن الموسيقى البيزنطية اتقاناً تاماً، وهو علم مجموعة من المطارنة قواعد الموسيقى البيزنطية واصولها. الالحان البيزنطية

 هل هناك تأثير للالحان البيزنطية في الموسيقى العربية؟ – اثرت كثيراً. فتجويد القرآن تأثر بالترتيل البيزنطي في البدايات، وكذلك بالرسائل ذات المنحى الديني. في الشام ومصر تفننوا في تجويد القرآن. وهذا مصدره القول: “وحسّنوا القرآن بالترتيل”.

 اين موقع الثقل في الغناء التراثي التقليدي العربي؟ هل هو في المواويل؟ هل هو في الموشحات او القدود، او في الادوار…؟ – لكل لون قيمة مختلفة عن الاخرى. فالدور المصري هو اصعب الالوان في فن التلحين والغناء. فكلماته قليلة وتفرض نوعاً من التلحين يتمثل بدقة الابتداء والاستهلال، ثم بتناول العبارات الموسيقية عبارة عبارة. ومن الضروري لأي متذوق للموسيقى ان يسمع الادوار ولا سيما الادوار التي ألفها سيد درويش. فهذا الاخير مطور كبير وفذ للافكار الموسيقية. والتنفيذ المتقن والجيد للدور يقدم عملاً موسيقياً وغنائياً كبيراً للموسيقى العربية والعالمية.

 والآن، هل لا يزال الدور مادة موسيقية للمستقبل؟ – بالمعنى الذي تقصده ليس هناك متسع للدور.  اذا اردنا التطوير لتكون موسيقانا معاصرة ومستقبلية، هل نعتمد الدور؟ – نستطيع ان نستمد من طريقة بنائه، وان ننتج موسيقى تكون قريبة من المفاهيم العالمية. ولا بد من ان أشير الى ان فيروز في بعض اغانيها بلغت العالمية بامتياز، ولا سيما في اغنية “يا بني أمي”. والجمهور العالمي، في اي عاصمة، يتجاوب معها.

 اين مكانة مدرسة التلحين المصرية، والمدرسة اللبنانية، على سبيل المثال في الموال والانشاد والليالي والموشحات والقدود…؟ – التلحين اللبناني لا يظهر الا في ما له علاقة بالفولكلور. واذا اردت تسمية لبناني، فعليك ان تجد الايقاع الصادر والنابع من التراث الفولكلوري. وما ينطبق على الايقاع ينطبق على الكلمة واللحن. فالكلمة والايقاع واللحن مقومات.

 هل هناك تميز ما بالعمل على الموشحات بين الموسيقيين اللبنانيين وبين الموسيقيين العرب؟ – الموسيقيون اللبنانيون الذين اهتموا بالموشحات قليلون جداً. والمصريون غنوا الموشحات التي كانت تأتيهم من حلب. ويبقى سيد درويش هو المميز في تقديم الموشحات وتطويرها. ولكي يدلل ويشرح قام زكي ناصيف بتأدية حية لموشح “يا شادي الالحان” عارضاً للتميز وملامح الابداع والتطوير. ومن ثم انتقل متحدثاً بافاضة ملمة ودقيقة عن “البياتي” و”السيغا” و”الحجاز فسألته:

 هل التطوير يلغي هذه الابعاد الصوتية، قصدت البياتي والسيغا والحجاز” وغيرها؟ – لا. انه لا يغير الالحان، بل يلغي الاسماء. فهذه الاسماء لا طعم لها بوجود السلالم الموسيقية. وهناك سلّمان انتهت اليهما علوم الموسيقى: السلم الكبير، والسلم الصغير، ويمكن خلالهما التسجيل والكتابة والحفظ والتطوير. الافكار الموسيقية  اذاً، اين يقع التطوير؟ – التطوير ينصب على الافكار الموسيقية، ولا يرتبط بعلم الصوت فحسب. الافكار اللحنية هي مادة التطوير وهدفه.

 هل كتبت الموشحات؟ – طبعاً. لقد وضعت موشحين لفيروز هما: “سحرتنا البسمات”، و”فوق هاتيك الربى” وهما على الضرب المصمودي. واستطرد زكي ناصيف بشرح المصمودي، ضارباً بيديه على ركبتيه، محركاً رأسه وكل جسمه ليقول لي هذا هو المصمودي فهل تستطيع ان تكتب ذلك في المقابلة. قلت هذا صعب. ضحك وضحكت وقال: عليك ان تعود الى ما تركته مهرجانات بعلبك الدولية. انها التجربة الغنية والواسعة التي تحتضن كل التجديد الذي حصل معي ومع غيري من الفنانين والموسيقيين. فمهرجانات بعلبك الدولية فتحت باب الاجتهاد والابتكار امام الجميع.

 نعود لنسألك عن تطوير الفولكلور؟ – انا لم اقم بعملية تطوير الفولكلور. قسم من الفنانين اخذ الدلعونا و”الغزيّل”، وغيرهما. اما انا ففتشت في الخفايا عن ايقاع شعبي وطريقة بالاداء. كذلك كان تفتيشي عن طريقة استمد منها نكهة تحاكي هذه الطريقة. مهرجانات بعلبك الدولية قادته الى الحديث عن “الدبكة” التي هي تراث الفلاحين في قسم من “بلاد الشام”. وذكر ان بعض المناطق اللبنانية لم تكن تتقن الدبكة، ولاسيما زحلة وبعض البقاع والشوف.

 وكيف استفدت من التراث في سوريا والمنطقة؟ – اعتقد ان التراث الحقيقي موجود في القرى. ففيها الاشياء نفسها الموجودة في قسم كبير من القرى والبلدات اللبنانية. “الدبكة” موجودة في صيدنايا ومعلولا كما هي موجودة في شمال لبنان وجنوبه. دبكة “الدلعونا” هي هي في سوريا ولبنان.  ما هو تأثير الموسيقى البيزنطية في تأليفك وتلحينك؟ – الموسيقى البيزنطية اثرت في معظم ملحني الكلمة العربية. ويقول ان سيد درويش كان يحضر كل نهار احد قداس كنيسة الارثوذكس في الاسكندرية. وكان يستمع باهتمام الى المرتلين. الانغام البيزنطية هي اساس مهم. اللحن الاول، اي “البياتي” هو لحن بيزنطي، واللحن الثامن (الرست) بيزنطي ايضاً… وهذا أثر فيّ في توسعي في القواعد اللحنية.

 هل اعطاك البيزنطي نكهة خاصة؟ – نعم. لقد اعطاني الكثير كما اعطى غيري.  من غيرك؟ – كثيرون. عبد الوهاب استفاد كثيراً. لكن المستفيد الاول هو سيد درويش. وكان سباقاً وفاتحاً.  ماذا تقول عن الزخرف في الغناء البيزنطي وتأثيره في الغناء عندنا؟ – الاتراك هم الذين اخذوا بهذا الزخرف وزادوا عليه.

 والتسلسل النغمي؟ – يتدرج اللحن حسب اجتهاد الملحن، وحسب استيعابه لمضامين الكلمة والشعر. وعلى الموسيقى مراعاة مطابقة اللحن والكلمة.  هل انت ابو الفولكلور في لبنان؟ – نزار ميقاتي خلع علي هذا اللقب. ولا اعرف ان كان ذلك ينطبق علي ام لا. لكني اجتهدت واستخدمت من المادة الفولكلورية الشيء الكثير. الفولكلور كان محرضاً لي. وكان نبعاً استقيت منه الكثير وطورته. وكانت مهرجانات بعلبك الدولية هي الفرصة والمكان والتجربة، ومحطة التحول الكبيرة.

 ما هي الحدود الجغرافية للفولكلور الذي استفدت منه وجددت فيه؟ – لا احد يستطيع الاجابة. الا ان “بلاد الشام”، اي لبنان وسوريا والاردن وفلسطين وهي المدى الجغرافي الذي استفدت منه. الدلعونا سريانية

 ذكرت ان دبكة “الدلعونا” سريانية؟ – نعم. فالكلمة شيئان: دال: هي اداة التعريف بالسريانية وعونة هي العونة. السريانية والبيزنطية

 كيف تربط بين مقومات الموسيقى السريانية والموسيقى البيزنطية والفولكلورية؟ – هناك رابط مهم واساسي. فالذين يعيشون في هذه الارض يحتضنون جزءاً من التراث السرياني.

 هل تعطي امثلة؟ – الجنازات المعروفة هي باللغة السريانية.  اقصد من الالحان؟ – اغنية “هاله يا هاله” ذات ايقاع ونغم سرياني. والاشياء السريانية جميلة وشعبية.

 اين تعلمت السريانية؟ – في محيطي. كنت مرتلاً للقداس الماروني في كنيسة “سيدة لورد”، وكنيسة “مار عبدا”، وكنت مرتلاً بارعاً للقداس القديم. لكنهم بدأوا يغيّرون في القداس الماروني ويدخلون عليه اشياء جديدة. لا اجد هذا شيئاً مقبولاً. واريد ان اوضح شيئاً مهماً وهو ان تراثنا غني وواسع ففيه: التجويد والترتيل، والسرياني والبيزنطي والحداء، والعتابا البدوية والقدود…

 طبعاً هناك فرق بين البيزنطي والسرياني؟ – البيزنطي ذو تأثير في النغمات، اي في السلالم الموسيقية. اما الفولكلور فهو سرياني عموماً. البيزنطي حكاية دينية. والالحان الدينية فيها تأمل ومدح. وهي فقيرة بالايقاعات والحركات النابضة كما هو حال السرياني. وهذه الايقاعات لا تنشأ الا لدى الفلاحين والعاملين في الارض. لذلك نجدها مملوءة بالفرح والبهجة والغناء الذي يحرك ويفرح.

 ما هو تأثير المدرسة المصرية غناء وتلحيناً عليك؟ – فضل الملحنين المصريين كبير. لأنه في مصر نضجت القواعد، وهذا يعود الى اتقان التجويد القرآني. لقد مارس المصريون الفن بحرية ومزاج جميل. المصري ينصرف الى اشباع مزاجه وتلبيته. اما نحن فننصرف الى الضروريات المباشرة. واقول هنا اني لم اتمكن من ان اكون ملحناً كما انا عليه الا بعد اطلاعي على الموسيقى والغناء في مصر.

 هل هناك خصوصية لبنانية استفادت من التجربة المصرية؟ – نعم. خصوصيتنا هي في الفولكلور وايقاعاته والحانه. وهي تختلف عن الايقاعات المصرية. واود التوضيح ان الكلمة العربية لا تعالج موسيقياً من دون اتقان كلاسيكية تلحينها. وهذه الكلاسيكية التلحينية كانت ثابتة في مصر. الاغنية الحالية

 نقطة اخيرة: كيف تقوّم الاغنية الحالية، او الجديدة، او الهابطة؟ – الاغنية الحالية تساير الاوضاع الحاضرة. والناس في المطعم او الكباريه تأكل وتشرب وتغني. انهم يخلقون اغنية تناسب هذا الجو. ويغنون ما تيسر. شاب جميل المظهر وصوته حلو، والخدام “رايحين جايين” صحون رايحة صحون جاية. الا ان اصواتاً مهمة وكفاءات غنائية تخلت وابتعدت عن هذه الاماكن لأنها ارادت ان تنتج فناً مهماً. والبعض كان في حاجة الى تأمين رزقه من دون الالتفات الى القواعد العلمية والثقافة.

 والخامات الصوتية الجديدة؟ – هناك خامات جيدة. وهناك اندفاع من الشبان لتعلم الموسيقى. وها هو المعهد العالي للموسيقى (الكونسرفاتوار) يحتضن الآلاف ويقوم بدور مهم هو تعليم هؤلاء وتزويدهم القواعد والاصول. هناك فروع للمعهد في كل المحافظات. وهذا الامر يبشر بالخير.

 ما رأيك في النصوص الشعرية للاغنية الجديدة؟ – ما يقدم في الكباريه من نصوص هو على مستوى الكباريه. وقصائد الاخطل واحمد شوقي وميشال طراد وغيرهم لم تؤد في الكباريه. وانت لا تستطيع اعتبار الكباريه وجه البلد. انه هامش بسيط ولا يؤثر في حركة الفن الكبير والجاد. الفن الراقي والجيد مستمر. بدأ في مهرجانات بعلبك الدولية ولا يزال يتطور.

 والواقع الحالي؟ – انها فترة ركود. الفنون لا تزدهر في الحرب. الفن ينطلق من مجتمع السلام والاستقرار. اننا في مرحلة قلقة جداً، ونجتاز اصعب المراحل في حياتنا كشعب ووطن.  هل تراجع دور لبنان في هذا الاطار؟ – فلنؤمن الاستقرار والسلام للبنان، ولبنان كفيل احداث النهضة. الفن في حاجة الى فرح ونحن لا نستطيع ان نفرح في هذه الظروف.

 هل تسمي مغنين ومغنيات من الجيل الحالي؟ – اني لا اتابعهم.

 وهل تملك حق عدم متابعتهم؟ – (صمت) وقال: هناك كثيرون لكني لا اريد الدخول في الاسماء.

 الا تحب ان تذكر احداً؟ – على سبيل المثال اذكر غسان صليبا. فهو جاد ورصين وحلو وهو من الذين يسيرون في الخط الصحيح. غسان صليبا يحترم فنه وعمله وذاته.

 هل تربط ظهور الاغنية الجديدة، او بعضها باسباب سياسية معينة؟ – الوضع غير مرتاح والانسان غير مستقر. لكني اسأل اين هي المسارح التي تحتضن الاصوات الجيدة والموسيقى الجيدة وتقدمها.

 والتراجع في الاغنية العربية عموماً؟ – لا استطيع الحكم. لكن بديل القديم لم يظهر بعد. والمجال مفتوح وعلينا الانتظار…

اضف رد