لم يكن من مبرر مقنع لكلام دونالد ترامب عن انسحاب مبكّر من سوريا، على خلفية أسفه لتبديد سبعة تريليونات دولار في حروب الشرق الأوسط. صحيح أنه كرجل أعمال ينام على سيكولوجيا الخسائر والأرباح المادية التي تحتل مرتبة متقدمة في حساباته، لكن التريليونات التي يتحدث عنها، لا تقاس في موازاة الحروب الأميركية على “القاعدة” وصدام حسين و”داعش” وفي مواجهة العربدة الايرانية في المنطقة.
هل كان بوتين يحسب كيف يمكن ان ينسحب من سوريا، مضحياً هناك بكل ما بذلته أميركا والتحالف الدولي في قتال “داعش” من كوباني الى الرقة، مروراً بمعارك الموصل والأنبار، تاركاً قواعده وحلفاءه الأكراد الأقوياء لقمة سائغة لطموحات رجب طيب اردوغان، أم أنه كان يحاول ان يصعد الى شرفة تسمح له ان يرى جيداً وبالتفصيل، كيف ستعمل ولو بعد حين، سكاكين بروتس ضرباً متبادلاً في ظهور الروس والأتراك والإيرانيين، في ذلك المسلخ السوري الذي لن يقفل أبوابه غداً!
لست أدري اذا كانت الحسابات في البيت الأبيض باتت تنسج على قاعدة هذا الخبث الضروري أحياناً، لكن ما هو واضح يبدو متناقضاً ومضحكاً ربما، ذلك أنك عندما تأتي بـ”رجل الأحابيل” مايك بومبيو الى الخارجية خلفاً لـ”رجل مجلس الإدارة” ريكس تيلرسون، وعندما تستجلب رجل “عواء الذئب” جون بولتون بديلاً من هربرت ماكماستر مستشاراً للأمن القومي، فذلك لا يوحي إطلاقاً أنك ذاهب الى الإنسحاب من منطقة الشرق الأوسط، التي تعكف على عصر ملياراتها مثل حامضة، بل انك ذاهب لتتفرج على ورطة الروس والإيرانيين والأتراك الذين يعلقون في المستنقع الدموي السوري، الذي لن تغيب عن سمائه “الألعاب النارية” الإسرائيلية المنسقة مع الروس، بما سيجعل المنظر كارثياً.
ها هو روحاني يطالب أردوغان بأن تعود عفرين الى السيادة السورية وقت يتحدث عن ذهابه الى منبج والمناطق شرق منبج، وعن قواعده الثماني التي أقامها في إدلب، ولهذا من سيحكم تلك المناطق في النهاية وسط صمت النظام المريب؟
الروس بدأوا إستثمار مناجم الفوسفات في تخوم دير الزور، والإيرانيون يعلنون صراحة أنهم لم يأتوا مجاناً وستكون لهم حصتهم الراجحة من سوريا، فهل هناك من يظنّ ان الرفيق بوتين هو بابا نويل سوريا؟
البورصة الدموية مفتوحة بحضور ترامب وغيابه!
rajeh.khoury@annahar.com.lb
Twitter:@khouryrajeh