الرئيسية / مقالات / حكومة الضعفاء

حكومة الضعفاء

غسان الحجار
النهار
03072018

لن يقوى الرئيس “القوي” على توليد حكومة قوية يقلع معها العهد الرئاسي الذي ربما أخطأ باعلانه انه سينطلق فعلياً بعد اجراء الانتخابات النيابية وتأليف اول حكومة ما بعد الاستحقاق، لانه بذلك انما أجّل العمل الفعلي سنتين من دون ان تشكل المدة الفاصلة فترة سماح، وانما فترة ضياع، وبالتالي فانها ايضا تضع العهد على المحك اذا فشل في قيام حكومة تلبي طموحات اللبنانيين، وتعيد الثقة بلبنان امام المجتمع الدولي. ولا يبدو مسار التأليف حتى تاريخه افضل من كل المراحل التي سبقت الحكومات السابقة، بل تكاد تكون اسوأ، بعدما تكتلت الطوائف والمذاهب، وتجمعت على بعضها، في مواجهة كل آخر. فالشيعة يرفضون التدخل في شؤونهم، وهم يسمون مَن يسمون للتوزير ويختارون حقائبهم. دفتر شروط مسبق لا بد من ان يلحق به سائر الاطراف. بعدهم وضع رئيس الاشتراكي دفتر شروطه. واجتمع اهل السنّة في “بيت الوسط”، معلنين ضمناً رفضهم التدخل في شؤون الطائفة. هذا الامر اقفل الابواب في الجانب المسلم، وحدّ من حركة رئيس الجمهورية في التعاون مع رئيس الحكومة للإتيان بوزراء أكفّاء يسعون الى تبديل الواقع المر تبديلا.

الهامش الوحيد للحركة يكمن في الجانب المسيحي، ما يعني ان الصراع الحقيقي بات بين اهل البيت الواحد، ولم يعد امام “التيار الوطني الحر” سوى التصارع والاستقواء على “القوات اللبنانية” اذا افترضنا ان المكونات المسيحية الاخرى هي إما خارج اللعبة بعد الانتخابات، وإما محمية بغطاء داخلي خارجي، في ما عدا “القوات” التي ربما تحظى بتأييد خليجي لم يرق الى مستوى الدعم الايراني السوري لاطراف مقابلة.

لكن الواضح ان “القوة” لا تنطبق على الحكومة المقبلة. فالرئيس عون في عز قوته، اعطى “القوات” نيابة رئاسة الحكومة وحقائب جيدة، لكن فريقه، الذي تراجع نسبياً في قراءة لما بين سطور الانتخابات، بات يتمسك بالحقائب اكثر من اي وقت مضى لتعويض ما فات.

والرئيس الحريري، كما والده من قبله، لم يكن يخشى السنّة المعارضين له، بل تعامل معهم، بواقعية سياسية تستوعب الجميع. لكن الرئيس الحريري، الذي بات لا يشعر بفائض قوة الامس، يتمسك اكثر بالحقائب تعويضاً.

والثنائي الشيعي، وتحديداً “حزب الله”، الذي رغم تهليله لانتصارات يحققها ميدانيا النظام السوري، يدرك جيدا ان هذا النظام لم يعد ما كانه بالامس، وهو يستمر بتدعيم من الحزب وراعيته ايران. ويدرك الحزب ان الضغوط على ايران في تزايد مستمر وآخذة في التصاعد. لذا يريد ان يوفر لنفسه غطاء داخليا شرعيا نيابيا ووزاريا، بعدما كان الى الامس القريب يوزع حصته الوزارية ارضاء لحلفاء، ويرضى بأقل مما يستحقه وفق التمثيل الشعبي الذي له. وايضا يشعر رئيس التقدمي النائب السابق وليد جنبلاط، ان ثمة نية لمحاصرته وتحجيمه، واستهدافه في المرحلة التي تنتقل فيها الزعامة الى نجله، وهو لا يملك اوراق القوة التي كان يمسك بها. لذا يتمسك بمكتسباته حتى الرمق الاخير.

هكذا يتظهّر المشهد. مجموعة من الضعفاء يحتاج بعضهم الى البعض الآخر، وسيؤمّنون الحماية لبعضهم البعض، وإن تأخر المخاض قليلا.

ghassan.hajjar@annahar.com.lb

Twitter: @ghassanhajjar

اضف رد