ابراهيم حيدر
19082018
النهار
الخلاف المستمر على تشكيل الحكومة، بات يهدد التسوية السياسية التي جاءت بتركيبة العهد. انكشفت أوراق القوى المقررة في البلد سياسياً وطائفياً والخلفيات التي تنطلق منها، ليس بالحصص التي تطالب بها، أنما في الأهداف المستقبلية.
كل الاجواء تشير الى أن التأليف معلق حتى اشعار آخر. فكلام أيلول لم يأت بعد، طالما أن سقف الشروط يرتفع على المقلبين، خصوصاً وأن التيار الوطني الحر مصر على 11 وزيراً مع حصة رئيس الجمهورية، فيما “القوات اللبنانية” تريد حصتها المعلنة بأربع وزراء مع حقيبة سيادية، وكذلك الاشتراكي بـ3 وزراء دروز. وقد ظهرت الأجواء التشاؤمية خلال الأيام الماضية، ليس بسبب عدم القدرة على إحداث أي خرق في مطالب القوى السياسية في شأن الحصص والاحجام الوزارية فحسب بل أيضا بسبب الضغوط التي يتعرض لها الرئيس المكلف لتشكيل يرضخ لمطلب اللون الأكثري وأجندته السياسية، وفق مصادر سياسية متابعة، وذلك على وقع مطالبة قوى الممانعة بالتطبيع مع النظام السوري.
تلفت المصادر إلى أن “حزب الله” بدأ يتصدر المطالبين بحكومة من لون أكثري، بعدما كان التيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل في الواجهة. وقد عاد الحزب ليضغط بقوة في الداخل، متسلحاً بموقعه ودوره في الحرب السورية وانحيازه للنظام، وليكشف أوراقه التي يريد من خلالها حكومة تعزز موقعه وتحمي أجندته بالعلاقة مع النظام السوري، فيما يسير العهد ومعه التيار الوطني على خطاه انطلاقاً من الأساس الذي جاء بالرئيس ميشال عون إلى السلطة. لذا سيكون الأسبوع المقبل أي بعد الأضحى مناسبة للتصعيد السياسي من الحزب، فتأتي ذكرى تحرير الجرود كنقطة تقاطع بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” والنظام السوري أيضاً، حيث يتوقع وفق المصادر أن يعلن الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله مواقف سياسية تصعيدية يحدد من خلالها شكل حكومة العهد، خصوصاً بالعلاقة مع النظام السوري التي يريدها طبيعية لعلاقته به ولارتباطها بمسألة اللاجئين، إلى ملف الإرهاب، ولتكون هذه الذكرى محطة هجوم جديد للضغط وفرض أمر واقع لحكومة بسياسات ممانعة.
الحكومة التي يريدها “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” وقوى حليفة لهما، تتماهى مع ما يحققه النظام السوري على الأرض. لكن ذلك لا يعني أن هذه القوى تريد تدخلاً سورياً يستعيد نسخة الوصاية السابقة، إذ أن ذلك غير ممكن. وللعلم أن التدخل السوري، وفق شخصية سياسية لبنانية، لم يكن خارجياً فقط، بل كانت له ممرات لبنانية داخلية شكلت دوما غطاء له، وأعطته شرعية كاملة. هذا الأمر فيه استعادة، عبر الممر الذي يريده “حزب الله” مع نتائج تدخله في سوريا والمواجهة التي يخوضها بقرار إيراني في المنطقة، لذا هو لن يقبل إلا حكومة تترجم ما يسميه انجازات في مواجهة الإرهاب والمسلحين في سوريا وداعميهم الإقليميين والدوليين أولاً، وفي الجرود اللبنانية، والداخل اللبناني أيضاً. وعلى هذا يبدو أن الطموح السوري في العودة والتأثير يستند إلى قوى سياسية واسعة. ويقول السياسي، أن العهد وتياره بنسخته الباسيلية يتماهى اليوم مع هذا الواقع، مشيراً إلى أنه يدين إلى النظام، في وصوله إلى موقع رئاسة الجمهورية، وهو يمهد علناً اليوم لرئيس التيار الوطني الحر إلى الوصول للرئاسة لاحقاً ويخوض معركته على هذا الأساس، وهذا الأمر يدفعه إلى تقديم أوراق اعتماده إلى النظام السوري وحلفائه الداخليين، خصوصاً “حزب الله”، طالما يعتقد أن النظام سيكون في المرحلة المقبلة أحد الناخبين المقررين في الرئاسة. ولا شك في أن القوى السياسية الشيعية توالي النظام السوري، وهي مقررة لبنانياً، وتمسك بأوراق أساسية في التركيبة، خصوصاً وأن “حزب الله” يملك قوة مسلحة قادرة على فرض أمر واقع، وتجيير الهيمنة. أما القوى المعارضة للتطبيع مع النظام السوري، فهي مشتتة ولا تستطيع راهناً تعديل ميزان القوى، حتى لو أعلن الحريري رفضه المطلق للعلاقة مع النظام السوري، وكذلك “القوات اللبنانية” والحزب التقدمي الإشتراكي.
انطلاقاً من ذلك، لا تزال العقد الحكومية على حالها، وهي مؤشر إلى أن التأليف قد يأخذ وقتاً. ومعها تأخذ العواصف السياسية البلد إلى التشنج والتوتر. وإذا سارت الأمور إيجاباً في النصف الثاني من ايلول، سنكون أمام بيان وزاري يتضمن عودة العلاقات مع النظام السوري، وفق المصادر وهو مطلب يريده العهد وتياره و”حزب الله”، علماً أن العلاقات مع سوريا كدولة وكامتداد جغرافي لا ترفضها القوى المعارضة. وتقول المصادر أن لا تشكيل في مرحلة قريبة ما لم يتحقق مطلب الحزب الاول بالتطبيع مع النظام السوري، فبالنسبة إليه هذا أمر مصيري في مشروعه المحلي والإقليمي.
المشكلة الأساس، وفق السياسي اللبناني، أن حلفاء النظام والموالين له في لبنان يتصرفون بما يوحي وكأن الوصاية السورية عائدة إلى البلد، وينطلقون في ذلك من محصلة سيطرة النظام على معظم الأراضي السورية، ويضيفون إلى ذلك ما حققوه في الانتخابات النيابية الأخيرة. والهدف هو تكريس هيمنة جديدة على الساحة اللبنانية، وفرض واقع يمكن من خلاله مواجهة التحديات المقبلة، إن كان على صعيد المحكمة الدولية الخاصة، أو بالعقوبات الدولية أو بمواجهات إقليمية محتملة.
وللمفارقة أن البعض الذي يريد علاقة مع النظام السوري ويفرض أجندته السياسية والأمنية، وفق السياسي اللبناني، لا يكترث لما أحدثته في السابق الوصاية على البلد، ولا يهمه الدعوات إلى عودة العلاقة بين البلدين كمصلحة مشتركة، على قاعدة الاستقلالية ومنع السيطرة، علماً أن النظام يملك ورقة اللاجئين ويضغط من خلالها لإعادة العلاقات على قاعدة مصالحه. وهو إلى الآن يرفض إعادتهم إلا بطلب رسمي لبناني وتنسيق طبيعي مع الحكومة اللبنانية. وهو يستفيد من كل التناقضات اللبنانية ومن حاجة لبنان إلى المعابر البرية ليفرض أجندته الخاصة في المستقبل.
ibrahim.haidar@annahar.com.lb
twitter: @ihaidar62