
- إبراهيم بيرم
- المصدر: “النهار”
- 25 شباط 2020 | 13:22

من التحركات امام قصر العدل.
ينقل عن بعض من هم موجودون في الدائرة الضيقة المحيطة برئيس الحكومة حسان دياب أن الرجل ماض قدماً بعزيمة كبرى في المهمة الشاقة التي نذر نفسه لها، وهي وضع خريطة طريق موضوعية لإعادة التوازن إلى الوضعين المالي والاقتصادي في البلاد قبل ولوج باب مهمات أخرى مطلوبة بإلحاح. وهو (دياب)، وانسجاماً مع هذه المهمة، ليس في وارد الكشف عن التفاصيل الواردة فيها قبل الرابع من آذار المقبل وهو موعد الاستحقاق المالي الأول لدفع سندات “الأوروبوندز”، وتالياً ليس في وارد فتح أي سجال كلامي مع أي كان يريد أن يجره الى ساحة هذه المماحكة فـ “الحكومة هي حكومة أفعال وليس أقوال”.
ومع أن “حزب الله”، وهو واحد من القوى السياسية التي ساهمت كما هو معلوم في تشكيل الرافعة للحكومة الحالية وواحد ممن بكّروا في رفع الصوت عالياً منذ البداية داعياً الى إعطاء هذه الحكومة فرصتها كاملة قبل إخضاعها لأي مساءلة أو محاكمة، فإنه لم يعفِ نفسه من مهمة الرصد والمراقبة لكي يقول كلمته ويفرج عن رأيه ساعة تكون الحاجة الى ذلك؛ فالتعاون والمساندة لا يعنيان إطلاقاً محو الذات.
وعليه، فإن الذين قدّر لهم الوقوف في الساعات الماضية على رأي مسؤولين في الحزب مولجين برصد المسار الحكومي، يخرجون باستنتاج جوهره أن الحزب ما زال منسجماً تماماً مع دعوته الى إعطاء حكومة الرئيس دياب فرصتها، ولكن يرى أنه قد بات لزاماً عليها أن تدفع الى الرأي العام المنتظر على أحرّ من الجمر بخريطة طريق الغنقاذ الموعودة وذلك خلال عشرة أيام كحد اقصى.
وحتى الآن لا يداخل هؤلاء ريبة في أن الحكومة ورئيسها يعملان بصمت محمود وبجدية لا تنكر لإنجاز هذه المهمة الشاقة.
ومع أهمية هذا التوجه، فإن لدى الدوائر المعنية في الحزب بطبيعة الحال مخاوفها الكامنة، فهي ترى ان ثمة محاذير حقيقية من أن تنطلق هذه الحكومة من مسلمة أن صندوق النقد الدولي يقف وراء ظهرها ويوفر لها الدعم والرفد، وأن عليها تالياً ان تسلس له قيادها وتراعي خاطره واستطراداً تقيد نفسها بوصفات عنده، فلم يعد خافياً انه بفعل تجارب عدة لم يمر عليها الزمن أن وصفات هذا الصندوق لم تفض بالضرورة إلى نتائج ايجابية عند طالبيها وعند الذين أخذوها كما هي تماماً من دون اي مراجعة او فرصة للتمعن فيها، فضلاً عن أن الالتزام بهذه الوصفات المعروفة يسدّ الأبواب والآفاق أمام خيارات بديلة متاحة والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى وتعدّ.
ليس لدى الحزب أي أوهام حول أن الحكومة ليست في وارد اللجوء إلى أداء جذري اقتصادي ومالي راديكالي على نحو تمضي فيه قدماً نحو خيار فتح أبواب التعاون مع دول ذات اقتصادات ناهضة مثل الصين وروسيا ودول أوروبية بمعزل عن ضوء أخضر أميركي أو خلافاً للارادة الاميركية، ولكن ليس المطلوب في المقابل نهج غلق الأبواب وقفل الآفاق أمام فرص أخرى متاحة وعواصم اخرى تعرب دوماً عن استعدادها للتعاون والتواصل.
أمر آخر بات الحزب لا يكتم ريبته منه ولم يعد يؤثر الصمت عنه خصوصاً في الآونة الاخيرة، وهو النهج المكتنف بالغموض الذي يؤديه حاكم مصرف لبنان وقبضه بيد من حديد على الأرقام والوقائع والمعطيات المالية التي هي بحوزته، علماً انه من المفترض أن يفرج عنها ويقدمها للجهات الحكومية المختصة على نحو بالغ الشفافية لكي تكون (الارقام والمعطيات) مادة أساسية تستند إليها هذه الجهات لتبني خطة طريق الإنقاذ المالي المطلوبة منها على جناح السرعة وعلى أساس علمي دقيق.
ويلحظ الحزب في هذا الإطار أن حاكمية مصرف لبنان تمارس نوعاً من التضليل وضخ الارقام المتناقضة حيال هذه المسألة على نحو ضيّع المعنيين وصعّب من مهمة الإنقاذ المنشودة. فعلى سبيل المثال، فإن الأرقام المعطاة حول قيمة الموجودات المالية لدى خزينة مصرف لبنان ترواح بين 30 مليار دولار كما يزعم البعض و20 ملياراً كما يقول البعض الآخر، في حين أن هناك من ينزل الرقم إلى 17 ملياراً والبعض الآخر يخبر عن 13 مليار دولار فقط. وليس خافياً أن الأوضاع المالية تختلف تماماً بين هذا الرقم أو ذاك، وكذلك المعالجات وتعاملات الآخرين جهات وعواصم.
وفي خانة المعطيات الايجابية التي يتوقف الحزب عندها ويعتبرها من العوامل المشجعة والمعطيات الواعدة التي يمكن البناء عليها في قابل الأيام، كان الموقف اللافت لوزير المال الفرنسي والذي أبدى استعداد بلاده لدعم لبنان وإسناد اقتصاده. فهو عنده موقف يبدّد ما قيل سابقاً من لبنان قد ترك لقدره ولن يجد من يقدم له الدعم والإسناد بفعل توجهات. فضلاً عن أن هذا الموقف يظهر تمايزاً فرنسياً واوروبياً من شأنه أن يشجع الآخرين ويسقط مقولة أن لبنان صار تحت سيف حصار مصلت. وأيضاً، فإن هذا الموقف قد أتى مصداقاً لما قيل سابقاً عن أن لبنان سيجد من يقف الى جانبه إذا ما استشعر المعنيون أن في هذا البلد أناساً ومسؤولين جادين في وضع خرائط طريق حقيقية للإنقاذ وتدارك ما فات.