إبراهيم بيرم
النهار
23082018
سيارة تابعة لأحد مناصري “حزب الله” تجول خلال الانتخابات النيابية الأخيرة (أ ف ب).
الكلام على “تعثّر مالي” لدى “حزب الله” في الاشهر القليلة الماضية بدأ يكبر ويطفو على السطح الى درجة انه صار عصياً على التكتم وأضحى مطروحاً بالحاح في الاوساط القيادية المعنية بالأمر في الحزب، ويجري تداوله ومناقشته من منطلق كيف السبيل الى مواجهته واحتوائه وإيجاد الحلول الملائمة له قبل ان يرقى الى “مصاف الازمة”.
سيد الحزب السيد حسن نصرالله أقرّ بلسانه اخيراً بوجود هذا التعثر وبإمكان ان يطول زمنياً، لكنه آثر ان يطلق عليه مصطلح “الضيق المالي” ليخفف وطأة مسألة “التعثر” او “الازمة”.
ففي لقاء عقده السيد نصرالله قبل بضعة ايام مع “وحدة التثقيف الجهادي” في الحزب التي تضم بين صفوفها نخبة من الكوادر العليا المتقدمة والمولجة بتأدية دور بالغ التأثير والحساسية في الجسم التنظيمي للحزب وقواعده كونها تؤدي دور الموجّه والمعبىء والمثقف، أكد نصرالله صحة ما سبق لأوساط حزبية واخرى على صلة وثقى بالحزب ان تداولته، وإنْ على نطاق ضيق ومحدود، متحدثاً عن نذر تقشف مالي أخذ طريقه تدريجاً في قواعد الحزب ومؤسساته في الآونة الاخيرة، فقال: “في الوضع المالي، يبدو ان الضيق المالي باق الى سنوات مادام (الرئيس الاميركي) دونالد ترامب في السلطة، ويجب ألا نتاثر لأن عندنا بنية تحتية قوية”.
وعلى طريقته المعهودة في تبسيط الامور وتبديد الصعاب والعقبات والتهوين من تأثيراتها وتداعياتها، اضاف نصرالله مبتسماً: “في كل الاحوال، ولو لم يعد هناك مال، فان المشروع الأقل كلفة والاكثر تأثيرا هو ان تأخذوا الناس الى المساجد، فهناك الوسيلة التبليغية لا تنقطع وكذلك مجالس عاشوراء”.
ومع ان هذا الكلام ينطوي على معالم جليّة من طرافة السيد ومن تسليمه الامور في لحظة بروز العقد وانسداد الأفق الى الألطاف والعناية الالهية، فان الواضح ان مبادرته للافصاح عن وجود المشكلة والعقدة ومن ثم القاء الاضواء الساطعة عليها، تعني لمن يعرف بواطن عمل الحزب ونهجه في معالجة التعقيدات، ان السيد نصرالله قد وضع وفريقه المعني في الحزب سلفاً الخطة العملية لمواجهة “الضيق” واحتواء تداعياته، فيكون البوح بالازمة وإخراجها على رؤوس الاشهاد بهذه الطريقة ووفق هذا الاسلوب جزءاً لا يتجزأ من بنود هذه الخطة ومندرجاتها.
الثابت ان نذر المشكلة المالية بدأت تلوح في أفق الحزب منذ فترة، وتجلّت استهلالاً بمعالجات موضعية من قبيل وضع اجراءات من طبيعة تقشفية كاختزال المهمات التي تحتاج الى نفقات، والغاء غير الواجب والضروري منها وفتح باب التقاعد للراغبين في مقابل الحفاظ على الرواتب والمخصصات، خصوصاً للمتفرغين وذوي الشهداء وعوائلهم، فضلاً عن نفقات التطبيب والنشاطات التعبوية.
لكن ذلك، وفق معلومات، لم يكن كافياً لإبعاد شبح الازمة، لاسيما بعدما اتخذ المصدر الاساس المُقَرّ به علناً لضمان مالية الحزب، اي ايران، اجراءات تقشفية عصرت من خلالها نفقات دعم الحلفاء والاصدقاء الى أقصى الحدود كجزء مفترض من عملية المواجهة المبكرة لجبه العقوبات المالية الاميركية عليها والتي هي عقوبات متدرجة على مراحل وفق ما صار معروفاً.
وعليه كانت الخطوة التالية وتجسدت في اطلاق النفير الى جمهور الحزب وقواعده المحتضنة والداعمة لرفع مستوى التبرعات واموال الدعم والعون التقليدية الاخرى التي تصب منذ زمن في خزينة الحزب ورصيده المالي العام، وهي التي تأتي بشكل رئيسي عبر التبرعات النقدية الصغيرة المعروفة تقليديا بـ”فلس الارملة” وتصب في صناديق حديد مختلفة الاحجام وزعت منذ زمن على المنازل والمؤسسات والمحال التجارية، ونصبت في الشوارع والمساجد والحسينيات ويتعدى عددها المئتين وخمسين الف صندوق، وهي صناديق ما يعرف بـ”هيئة دعم المقاومة الاسلامية” و”مؤسسة الامداد الخيرية”. وليس جديدا القول ان صناديق الهيئة تعود حواصلها مباشرة الى الجسم المقاوم في الحزب وتسد، وفق احصاءات غير رسمية، ما يقارب الـ40 في المئة من الحاجات المالية لهذا الجسم الذي تضاعف عديده ونفقاته بعد العدوان الاسرائيلي على لبنان في صيف عام 2006، وتمدد أضعافاً مضاعفة ساعة قررت قيادة الحزب ارسال مقاتليه المحترفين الى الميدان السوري المشتعل في ذلك الحين، ومن ثم قررت ارسال ضباط وقادة ومستشارين الى الساحة العراقية بعد الهجوم الواسع للمجموعات المتشددة عام 2015 على العديد من المناطق العراقية في مواجهة مفتوحة مع النظام العراقي بهدف اسقاطه.
وفي المقابل، تعود حواصل صناديق الامداد الى المؤسسة الرعائية الاجتماعية الاكثر اهمية ونشاطا والاوسع مسؤولية، والتي تثبت وجود الحزب في حقل اجتماعي – انساني واسع والاكثر التصاقاً بحياة اكثر من خمسة عشر الف عائلة تتولى هذه المؤسسة جزءاً من عملية رعايتها وتقديم يد العون والاغاثة لها في كثير من المجالات الحياتية.
عمل المؤسستين منتظم ودقيق وذو عوائد عالية نظراً الى الثقة العالية التي يمحضها جمهور الحزب وقاعدته العريضة لمؤسساته، ونظراً الى وجود قيادة موثوق بها على رأس هرميهما، خصوصا ان السيد نصرالله نفسه يشرف على اختيار افرادها ويعطي شهادة بجدارتهم وحرصهم على كل قرش يصل الى خزينتهما وعلى انفاقه وفق القواعد والموازين الشرعية. ولكن على ما يبدو فان “امر عمليات” قد أتى في الآونة الاخيرة الى من يعنيهم الامر عنوانه العريض تفعيل الجباية في هاتين المؤسستين كخطوة من خطوات مواجهة الضيق المالي. وقد تجلى ذلك في حملة اعلامية واسعة عبر إعلام الحزب وعبر لوحات الاعلان الكبيرة في الشوارع وتتضمن دعوة صريحة لزيادة منسوب التبرعات النقدية في صناديق هاتين المؤسستين، وهو امر يعرف جمهور الحزب معانيه وأبعاده.
وهكذا، فالواضح ان السيد نصرالله ما اطلق حبل الكلام على غاربه عما سمّاه “الضيق المالي” إلا ليكون ذلك اشارة البداية نحو حراك يتخذ شكل الحملة مؤداه وعنوانه تحفيز المعنيين على المشاركة في دفع غائلة الازمة المحتمل ان تكون وشيكة عن الحزب. ويبدو انه مطمئن تماماً الى ان الجمهور المعني بالنداء لن يخذله تماماً كما فعل في مناسبات ومحطات احتاجت الى اكثر من المال.
وشاهد نصرالله على هذا التوجه ما قاله في متن اللقاء اياه وهو: “ما جرى خلال سنوات الحرب (منذ اندلاع الحرب في سوريا) كان (الحزب) في قلب معركة الوجود. واميركا انفقت 7 تريليون دولار غير ما انفقته دول الخليج ولم يحصلوا على شيء…”.
IBRAHIM.BAYRAM@ANNAHAR.COM.LB