الحريري (أب).
لم يكن متوقعاً أن يقدم الحريري على الاستقالة بهذه السرعة، وهي خطوة مفاجئة بالنسبة الى اللبنانيين. وقد كانت التوقعات تشير، وفق المصادر السياسية، الى أن الاستقالة ستعلن في بداية السنة المقبلة، إفساحاً في المجال كي تأخذ التسوية السياسية مداها في البلد. لكن التطورات الإقليمية والدولية المتسارعة والتغيرات التي تحصل على الأرض في غير منطقة مشتعلة، وضعت الحريري في موقف حرج. وجاءت زيارة مستشار المرشد السيد علي خامنئي، علي أكبر ولايتي، الى لبنان ولقائه الحريري، لتقلب كل الأمور، عندما سمع كلاماً من خارج التصريح الرسمي يؤكد حجم التدخل الإيراني في الشؤون اللبنانية، خصوصاً حديثه عن أن لبنان هو جزء من محور الممانعة الذي سينتصر في سوريا والعراق وفي كل مكان من المنطقة، على رغم أن ولايتي أكد دعم إيران للتسوية التي جمعت قوى 8 و14 أذار في الحكومة اللبنانية.
وبصرف النظر عن الوضع الأمني الخاص للحريري، فإن موقعه السياسي والطائفي لم يعد يسمح له بالاستمرار في رئاسة الحكومة، إذا كانت كل التطورات الاقليمية تشير الى اشتداد المواجهة بين المحورين المتصارعين في المنطقة، وتجعل الساحة اللبنانية جزءاً من هذا الصراع الذي قد يدمر البلد اذا اشتعلت المواجهة وفتحت على مداها. وفي المعلومات التي تنقلها المصادر أن اندفاع جيش النظام السوري بالتحالف مع الإيرانيين و”حزب الله” الى الحدود العراقية السورية بتغطية روسية، ووصل الخطوط السابقة على الحدود، يشكل خطراً على السعودية نفسها، في وقت تستمر فيه جبهة اليمن بالاشتعال، فيما يهيمن “حزب الله” على القرار اللبناني ويدرج البلد ضمن أجندته المحلية والاقليمية، وهو أمر لا يمكن بالنسبة الى الحريري التغطية عليه من موقع رئاسة الحكومة، ولا من موقع تمثيله السني، فاختار حسم قراره والانحياز في شكل كامل الى الموقع الذي أعلن من أرضه الاستقالة، ووجه رسائل ضد إيران و”حزب الله”، لتفتح الامور في البلد على مرحلة جديدة تحمل أخطاراً كبيرة على بنيته، وتضع العهد أمام مأزق العجز عن إدارة الأمور وتجنيب اللبنانيين الويلات التي قد يقحمون في نار حروبها.
لا تخفي المصادر وجود أخطار مصيرية تواجه اللبنانيين في المرحلة المقبلة، إذ ان الصراع الإقليمي فتح على مداه، وتقرر أن يكون لبنان جزءاً منه أو ساحة رئيسية له، بما يعاكس كل التوافق الاقليمي والدولي السابق على تحييد البلد والحفاظ على استقراره، بالرغم من أن طرفاً رئيسياً فيه هو “حزب الله” يقاتل في سوريا وعلى جبهاتها ويتورط في مختلف الملفات الاقليمية. لذا بات اللبنانيون اليوم منقسمون بين مشروعين، ومن خلالهما يتم التلاعب بمصير البلد، حتى إذا قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن يأخذالمنطقة كلها الى الحرب مثلاً، ومن بين قرارته تشديد العقوبات، فلن يكون لبنان بمنأى عن عدوان اسرائيلي أيضاً يستهدف بنية “حزب الله” ويطيح أيضاً ببنية لبنان. فالمرحلة الجديدة مغايرة لكل سابقاتها، حتى يمكن القول ان لبنان قد يتحول ساحة مواجهة داخلية واقليمية، وإن لم يشأ الحريري أن تأخذ استقالته الأمور الى هذا المنحى الذي سيؤدي الى الانفجار.
ينتظر اللبنانيون، ماذا سيكون عليه موقف العهد، وكيف سيتصرف أمام المأزق الذي دخلت فيه البلاد، خصوصاً وأن التأهب بلغ ذروته عند “حزب الله” الذي يرى، وفق المصادر، أن حروباً محتملة ستنشب وقد يقلب الطاولة كلها فوق الجميع، اذا كان القرار الإيراني مواجهة شاملة، لكن لبنان سيكون الضحية الأولى لاي حرب تشتعل، فيما هو عاجز عن تحمل نتائجها وتداعياتها. وتسأل المصادر عن موقع المسيحيين في هذه المواجهة، ومن يستطيع أن يجنب لبنان الكأس المرة؟