
مجد بو مجاهد المصدر: “النهار” 19 آب 2020 | 21:49

14 آذار (أرشيفية).
ما يُتناقل في كواليس المجالس السياسيّة بُعيد النطق بالحكم في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، يُعبّر بوضوح عن استنتاجات واضحة من شأنها تلخيص ما يفضّل سياسيون الإدلاء به خلف الأضواء. وتكمن الخلاصة الأولى في أنّ قياديّاً في “حزب الله” شارك في تنفيذ عمليّة الاغتيال. وتفيد الخلاصة الثانية في أنّ الحكم أثار نوعاً من الإرباك والمشاعر المتناقضة لدى الفريقين الداخليين المؤيّد للمحكمة والمعارض لها على حدٍّ سواء. وصبّت ردود الفعل على اختلافها في خانة اعتراف الجميع بحكم المحكمة، حتى أولئك الذين لا يريدون الاعتراف بها، اعترفوا بالحكم من دون أن يعلموا.
ما حصل مساء الثلثاء في مناطق لبنان كان أشبه بحفلة جنون. مثير للاهتمام المعطيات المتناقلة في الصالونات السياسية عن أنّ مناطق مؤيّدة لـ”حزب الله” احتفلت فعلاً بقرار المحكمة في وقتٍ ساد الغضب والتوتّر مناطق أخرى تابعة لنفوذ “الحزب” أيضاً، والتي عمدت الى رفع صور للمدان في عملية الاغتيال سليم عيّاش. مناصرون لـ”الحزب”، بعضهم فرحوا بالحكم، وبعضهم شجبوه وتملّكهم القهر. وتحكّمت المشاعر المزدوجة بردود فعل الشارع المؤيّد للمحكمة الدولية أيضاً. ثمّة من فرح بالحكم الذي دان عيّاش من جهة، ومن أصيب بنوع من خيبة من جهة أخرى، حتى على مستوى قادة بارزين في أحزاب داعمة للمحكمة.
أمّا الخلاصة الثالثة التي تستدعي التوقّف عندها، فهي في السؤال عن مرحلة ما بعد خريطة الطريق التي وضعها الرئيس سعد الحريري مطالباً “حزب الله” بتسليم عيّاش، ومؤكّداً أنّه لن يتراجع عن طلب تسليمه و”نقطة على السطر”. كان هذا العنوان الأبرز المتداول في مجالس سياسيّة أشارت معطياتها الى أنّه ليس علينا أن نسأل إذا كان “حزب الله” سيسلّم القياديّ المدان في صفوفه أم لا؛ بل السؤال الأهم تمثّل في طرح علامات استفهام حول مكان تواجد سليم عيّاش اليوم. الإجابة عن هذا السؤال أبعد من البحث في احتمالية تسليم عيّاش من عدمها، وسط استبعادٍ يبديه أكثر فريق سياسي في أن يكون لا يزال المدان موجوداً في لبنان.
كيف يقرأ حلفاء الخطّ الاستراتيجيّ في “ثورة الأرز” التي تلت استشهاد الرئيس رفيق الحريري وسائر شهداء الرابع عشر من آذار مرحلة ما بعد حكم المحكمة؟
مواضيع ذات صلة
حسن فضل الله: ماكرون اجتمع بـ”حزب الله” مرتين ولن “نقيّم” حكم المحكمة
عون: القضاء اللبناني هو المسؤول عن البت بتفجير المرفأ
يقول عضو تكتّل “الجمهورية القوية” النائب وهبة قاطيشا لـ”النهار” إنّ “ما من خيارات سوى تسليم عياش. إنّ تسليم الفاعل إلى المحكمة يمكن أن يشكّل بداية مصالحة تاريخيّة، أمّا التغاضي عن الجريمة سيبقي واقع أنّ زعيماً قتله شخص بقيادة حزب الله. عندها تذهب البلاد الى نزاع فكري واجتماعي، سيبقى حاضراً لدى اللبنانيين عن حزب مسلّح يقتل قياداتهم على مدى مئة سنة أو أكثر”.
ويستخدم قاطيشا مصطلح “الحزب مضروب”، مشيراً إلى أنّ “أكبر شخص في التيار الوطني الحرّ بات يخجل من الاعتراف بتحالفه”. ويتمثّل مشهد الحلّ السياسي الذي يمكن أن ينتظر لبنان في رأي قاطيشا بـ”اتفاق أميركيّ – إيرانيّ يساهم في انكفاء حزب الله (الحصان الايراني) في ظلّ مطلب دولي قائم على نزع سلاح الحزب. كما أنّ الاستحقاقات الانتخابية المقبلة من شأنها أن تشعر حزب الله بعزلة في الشارع المسيحيّ”، لافتاً إلى أنّ “الحرب الاقليمية قائمة وهي حرب لا تشبه سابقاتها. تُضرَب سوريا باستمرار في حضور حزب الله، فيما الحرب الاقتصادية في الاقليم هي عنوان كلّ الحروب؛ اذ لا اجتياحات بل ضربات على القطعة في وقت لا يجرؤ حزب الله على الردّ”.
ومن جهته، يرى القيادي في حزب الكتائب النائب السابق ايلي ماروني عبر “النهار” أن “الحكم في الشكل كان صادماً لكثير من اللبنانيين وجميع أنحاء العالم، الذين كانوا ينتظرون صدوره منذ 15 سنة وتوقّعنا منه أدلّة ووقائع وأسماء وشهادات؛ فجاء الحكم مختصراً الاتّهام بشخص واحد، وكأنّ هذا الانفجار الذي هزّ العالم يستطيع شخص واحد أن يقوم به. لكن في الاساس، يمكن أن نقول إن هذا الشخص قياديّ في حزب الله (سليم عياش)، وهنا لا يمكن الحزب أن يتملّص من انتساب المدان الى صفوفه، لأنه سبق أن قال إن عياش هو أحد قدّيسيه وليس قيادييه. تبقى العبرة في التنفيذ، وأريد أن أعطي مثالاً عن الحكم الصادر في قضية الرئيس الشهيد بشير الجميل الذي أدان شخصاً واحداً أيضاً. وكذلك، صدر حكم عن المجلس العدليّ في قضية مقتل شقيقي وبقي الحكم حبراً على ورق، إذ لم يستطع أي جهاز أمني منذ 12 سنة وحتى الآن الإشارة الى مكان وجود المجرمين”.
ويلفت ماروني إلى أن “مما لا شكّ فيه هو أن لبنان رهينة في يد حزب الله وما من ملف يمكن حلّه إلا بإرادة الحزب الذي يملك القرار والهيمنة على كل الفئة السياسية الحاكمة. واذا كنا نراهن على حكومة لا يتمثل فيها حزب الله، قد نكون مفرطين في التفاؤل؛ فيما الحلّ الوحيد يترجم في تشكيل حكومة ثقة من اختصاصيين حقيقيين لا تشمل الأحزاب. إن خريطة الطريق نحو الحل تترجم عبر الدعوة إلى تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين وإجراء انتخابات نيابية، ما يساهم في انبثاق سلطة جديدة للحصول على الثقة الداخلية والخارجية والبدء بعملية النهوض بالاقتصاد”.
majed.boumoujahed@annahar.com.lb