اخبار عاجلة
الرئيسية / home slide / حروب لبنان لم تنتهِ عام 1990… فهل تُستأنف؟

حروب لبنان لم تنتهِ عام 1990… فهل تُستأنف؟

15-07-2021 | 00:07 المصدر: النهار

سركيس نعوم

حرب لبنان عام 1990

 عام 1989 ظنّ اللبنانيّون أنّ حروبهم الأهليّة وحروب الآخرين بواسطتهم على أرضهم التي بدأت عام 1975 قد انتهت باتفاق الطائف الذي توصَّل إليه البرلمانيّون اللبنانيّون الباقون على قيد الحياة من مجلس نوّاب 1978، والذي رعته المملكة العربيّة السعوديّة والمغرب والجزائر وشجّعت عليه أميركا. ثمّ كلَّف الجميع رئيس سوريا في حينه حافظ الأسد إنهاء الحرب في لبنان ومساعدة أبنائه لإعادة بناء دولتهم ثمّ لتطبيق “الميثاق الوطني الجديد” الذي تضمّنه الاتفاق. لكنّها لم تنتهِ فعليّاً إلّا في 13 تشرين الأول 1990 يوم قرَّرت سوريا بضوء أخضر أميركي وبقرار رسمي من مجلس الوزراء اللبناني إنهاء “تمرّد” العماد ميشال عون رئيس الحكومة العسكريّة الانتقاليّة بعد محاولته ومنذ تأليفها أواخر عام 1988 إقناع صاحب القرار في البلاد أي سوريا بتأييد انتخابه رئيساً للجمهوريّة. علماً أنّ مهمّته وحكومته لم تكونا كذلك. طبعاً لم ينجح عون في ذلك فافتعل حرباً أهليّة مسيحيّة – مسيحيّة، ولم توفِّر قذائفه المناطق المُسمّاة في حينه غربيّة، وفتح على صدّام حسين رئيس العراق في حينه، وتلقّى مع أعدائه المسيحيّين منه المال والسلاح لمواجهة سوريا وقوّاتها. كما أكّد في حينه أنّه سيكسر رأس الرئيس الأسد وسيُجبر أميركا على تغيير سياستها حياله وحيال لبنان.

 لكن السؤال الذي يفرض نفسه الآن على اللبنانيّين كلّهم وربّما على محيطهم العربي والإسلامي وعلى العالم هو الآتي: هل انتهت فعلاً #حروب لبنان الأهليّة وغير الأهليّة عام 1990؟ ظنّ اللبنانيّون في حينه أو ربّما قبل اتفاق الطائف أنّ قراراً دوليّاً بإنهاء الحروب في بلادهم قد اتّخذته الولايات المتّحدة. واعتبروا أنّ دافعها لم يكن فقط وقف الدم في لبنان بل تهدئة الوضع اللبناني من أجل إنجاح اتصالات كانت بدأت في حينه لإقامة تسوية سلميّة بين العرب ومنهم الفلسطينيّين وإسرائيل. ما شجَّع على ذلك في حينه أمران الأوّل انتهاء دور الفلسطينيّين في لبنان حرباً وسياسة وسلماً بعد غزو إسرائيل له عام 1982 ونجاحها في إخراج “منظمّة التحرير” ومقاتليها وزعيمها ياسر عرفات من لبنان. الثاني شعور واشنطن أنّ العالم العربي صار مؤهّلاً في تلك المرحلة لخوض غمار السلم مع إسرائيل بعدما خاض غمار الحرب معها مرّات عدّة من دون أن يُحقّق فيها أي انتصار، إلّا ربّما مرّة واحدة يوم عبر الجيش المصري قناة السويس عام 1973 وطرد الجيش الإسرائيلي منها، ويوم نجح جيش سوريا في الوصول إلى مشارف طبريا والجليل. لكنّه كانت انتصاراً محدوداً لأسباب عدَّة قد تكون قلّة التنسيق واحدٌ منها وانفراد رئيس مصر في حينه أنور السادات بقرار جعل هدف هذه الحرب تحريكي للتفاوض وليس لتحقيق نصر حاسم يفرض على إسرائيل لا الاستسلام لأنّه مُتعذِّر ولكن التفاوض الجدّي لتحقيق السلام. بقية القصّة معروفة. في تلك المرحلة أو ربّما قبلها كتب أستاذنا الكبير في “النهار” ميشال أبو جودة عموده اليومي على الصفحة الأولى وبشَّر فيه بانتهاء عصر أمراء لبنان أو عهدهم، أي أمراء الحرب وقادة الطوائف والمذاهب والميليشيات. قيل في حينه أنّ مضمون مقالته جزءٌ من معلوماته عن سياسة أميركيّة جديدة حيال لبنان بل المنطقة. 

طبعاً نَعِم اللبنانيون بين 1990 و2005 بحياة سلميّة لا حرب فيها وبعودة هيكل الدولة ومؤسّساتها. وأُجريت انتخابات عدّة وشهدت بلادهم بداية عمليّة إعادة بناء وإعمار ما هدّمته الحرب فاستسلموا للسلام. لكنّهم، وهذه طبيعة البشر، عادوا يُطالبون الراعي السوري وربّما شركائه الإقليميّين والدوليّين بأكثر ممّا منحوهم إيّاه، مثل الحريّة والديموقراطيّة واحترام الدستور وتطبيق القوانين وعدم تحويل لبنان حديقة خلفيّة لسوريا وقادته مجرّد مُنفّذين لخطط رئيسها وللتعليمات التنفيذيّة لها التي كان يوزّعها على اللبنانيّين زعماء ورؤساء دولة وحكومات ووزراء ونوّاب وعسكر وأمن مُنفّذو سياسته من عنجر البقاعيّة. هذا فضلاً عن رفضهم أي اللبنانيّين استشراء الفساد الذي شرعنه السوريّون وتولّوا ترتيب حصصه داخل لبنان بين حلفائهم من كلّ الطوائف والمذاهب، كما على الذين يحاولون استمالة أخصامهم به. طبعاً لم تكن المطالبة بالحريّة وغيرها مُجدية في حينه، لكنّها صارت كذلك بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام 2005 واضطرار الجيش السوري إلى الانسحاب من لبنان بعد أشهر قليلة من ذلك. لكنّ جدواها لم تعنِ في حينه إمكان نجاح التنفيذ. إذ عاد لبنان إلى الانقسام طائفيّاً ومذهبيّاً ودينيّاً. فالشيعة الممثّلون بـ”حزب الله” و”أمل” تمسّكوا بالولاء لسوريا وسياستها رغم انسحابها من لبنان. والمسيحيّون والسُنّة والدروز تمسّكوا بمطلب إزالة آثار وجودها في لبنان لإعادة بنائه على أُسس صحيحة وتحديداً بتنفيذ اتفاق الطائف نصّاً وروحاً. وهذا ما لم تفعله سوريا عن قصد إذ أنّ هدفها كان إبقاء الإنقسام اللبناني كي تستطيع الاستمرار في دور الحكم بين الجميع وفي الامساك بهم كلّهم انطلاقاً من مقولة فرّق تسد. 

في ذلك الوقت تأكّد اللبنانيّون أنّ حروبهم الأهليّة وغير الأهليّة لم تنتهِ بعد بل شُبّه لهم ذلك. ومنذ ذلك التاريخ أي 2005 حتّى اليوم عاش اللبنانيّون حرباً طائفيّة ومذهبيّة ودينيّة وحزبيّة وسياسيّة شرسة لكن ليس بالسلاح. والمهم في ذلك الوقت أنّ مالك السلاح المتنوِّع كان فريقاً واحداً وكان نجاحه في تحرير لبنان من احتلال إسرائيل عاملاً من عوامل قوّته والدعم الخارجي له كما من عوامل بقاء اللبنانيّين الآخرين من دون سلاح. أمّا سلاح الدولة ومؤسّساتها فعلى أهميّته النسبيّة فإنّه لم يستعمل يوماً لحسم الأمور في الداخل لمصلحة الدولة أوّلاً بسبب العجز وثانياً بسبب الخوف من الانفراط. جرّاء ذلك تأكّد اللبنانيّون أنّ حربهم التي بدأت عام 1975 لم تنتهِ وبدأوا يتساءلون إذا كانت ستعود كما كانت بين 1975 – 1990 أي حرباً عسكريّة يمكن أن تتدخَّل فيها جهات خارجيّة بُغية حسمها تلافياً لانتصار الفريق المالك كل الأسلحة. تدخُّل كهذا إذا حصل لن يكون بسبب حرص الجهة أو الجهات المُشار إليها على أطراف لبنانيّين بعينهم بل بسبب خوفهم من تحوُّل لبنان هانوي لكلّ المُعادين لها وفي مقدّمهم إيران الإسلاميّة وأبنائها اللبنانيّين.

 هل تعود الحرب الأهليّة وغير الأهليّة إلى لبنان فتحسم الخلافات التي دمّرته وتُحيي دولته أو تتركه لجيرانه فيقتسمونه لأنّ شعبه غير مؤهَّل لأن يتوحَّد وتالياً لأن يبني دولة ويُحافظ عليها ويهتمّ بمصالح مواطنيها، ولأنّ انتماءه هو فقط للمذاهب والطوائف والأديان والعشيرة؟ وهل تكون عودتها لتحقيق أهداف عجزت عن تحقيقها الحروب السابقة؟ وما هي؟ sarkis.naoum@annahar.com.lbالكلمات الدالةحروب لبنان