لم تكد تنتهي حرب المؤسسات العسكرية والأمنية الرسمية ضد الإرهاب، حتى انطلقت معركة لا تقل خطورة عنها. «حرب مكافحة المخدرات والفساد» صارت أولى الأولويات في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي. تحت هذا العنوان، انطلقت «ورشة التنظيف» داخل المديرية وخارجها، بتوجيهات مباشرة من مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان. أوكلت المهمة إلى «الأمن العسكري» في «فرع المعلومات» وأسندت قيادة «الحرب» إلى ضابط مشهود له، بحملة غير مسبوقة ضد تجار المخدرات والضباط والعناصر الفاسدين في مؤسسة قوى الأمن.
في بداية عام 2018، أوقف «فرع المعلومات» ضابطاً برتبة ملازم أول بالجرم المشهود، أثناء نقله أحد تجار المخدرات المطلوبين على متن آليته العسكرية الرسمية، ويُدعى ع.ع.م. (مواليد ١٩٧٥) وهو من المتوارين وصادرة بحقه عشرات المذكرات العدلية والقضائية بجرم الاتجار بالمخدرات وترويجها. الضابط الذي كان يعمل «شوفيرا» لدى تاجر المخدرات يدعى ع.م. وهو أحد ضباط مكتب مكافحة المخدرات في البقاع. خلال التحقيقات الأمنية ومن ثم القضائية، اعترف تاجر المخدرات الموقوف ع.م.م. أنّ الملازم أول ع.م. نقله على متن آليته العسكرية عدة مرات مقابل مبالغ مالية للحؤول دون توقيفه على الحواجز الأمنية بين البقاع وبيروت. وذكر أنّ الضابط كان يُسرّب له بعض كُتب المعلومات التي ترد بحقه، مشيراً إلى أنّ الرقيب أول ح.م. (مركز خدمته فصيلة بريتال)، كان يُسرّب له أيضاً معلومات عن حواجز أمنية ومذكرات ترد بحقه. المفارقة أن تاجر المخدرات الموقوف نفسه فضح هوية ضابط برتبة رائد في جهاز أمن الدولة ويُدعى ج.ب. وأربعة رتباء آخرين في قوى الأمن (مركز خدمتهم مفرزة سير زحلة وسرية مطار بيروت)، كانوا يتقاضون مبالغ مالية منه لقاء خدمات يُقدمونها له، كل واحد منهم تبعاً لمركز خدمته أو مسؤوليته. أحيل الضابط في قوى الأمن ورتيبين إلى القضاء بعد توقيفهم عدلياً، فيما عوقب الآخرون مسلكياً.
غير أنّ الفضيحة، بحسب المصادر الأمنية، تمثّلت في لفلفة جريمة الضابط في أمن الدولة الرائد ج.ب. على رغم أنّ التحقيقات بيّنت أنّه متورط في القضية نفسها التي اقترفها الضابط في قوى الأمن، لجهة نقل تاجر المخدرات وتقاضي مبالغ مالية منه لقاء ذلك، إلا أنّ القضاء العسكري تعاطى مع الملف بازدواجية. ففيما تم الادعاء على الضابط في قوى الأمن بجناية، تم الادعاء على ضابط أمن الدولة بجنحة نقل مطلوب.
وذكرت مصادر أمنية لـ «الأخبار» أنّ مرجعاً أمنياً توسّط لدى أحد قضاة التحقيق العسكريين لتخفيف الجرم عن الضابط المذكور. هكذا، في الجُرم نفسه، سُجِّلت سابقة تضعها «الأخبار» برسم التفتيش القضائي لفتح تحقيق مع القاضي المذكور. إذ إن ضابط أمن الدولة خرج بعد شهرين كونه حكم بجنحة، فيما مكث ضابط قوى الأمن أربعة أشهر، قبل أن يُخلى سبيله (ظل قيد المحاكمة) في ضوء إلحاح ذويه وبعض النافذين ممن طلبوا التعامل معه أسوة بضابط أمن الدولة، خصوصاً أنهما ارتكبا الجرم نفسه. وفي هذا السياق، قالت مصادر قضائية لـ «الأخبار» إن مبرر القاضي في الاكتفاء بالادعاء بجناية أن ضابط أمن الدولة المتهم «لم ينقل مخدرات، إنما نقل مطلوباً بتهمة الاتجار بالمخدرات».
وبعد أقل من شهر، أوقفت دورية من «فرع المعلومات» المطلوب ز.ز. (مواليد ١٩٦١) وابنه ع.ز. (مواليد ١٩٨٦)، وتبين أنه توجد بحق الأول ٩٩ مذكرة توقيف وبحق الثاني ٨٨ مذكرة توقيف. الفضيحة نفسها تتكرر: ضابط يعمل بصفة سائق لدى تاجر مخدرات. فقد اعترف الموقوفان أنّ الملازم أول في قوى الأمن الداخلي ف.أ. الذي لا يزال موقوفاً حتى الآن، كان يُقلهما بسيارته من البقاع إلى بيروت لقاء مبالغ مالية يدفعانها له عبر أحد أقربائه. كذلك، اعترفا بأنّ الرقيب أول ع.ش. وهو أحد رتباء مكتب مكافحة المخدرات في البقاع، كان يُسرّب لهما معلومات تتعلق بهما وبآخرين لقاء مبالغ مالية.
لم تكد تمرّ ثلاثة أشهر، حتى أوقف فرع المعلومات تاجر المخدرات ي.ع.ش. (مواليد ١٩٩٦) الذي كان ينقله شيخ معمم يُدعى غ.ز. من منطقة البقاع إلى مدينة بيروت. تاجر المخدرات الموقوف توجد بحقه ٧٦ مذكرة قضائية وعدلية بجرائم المخدرات. وقد كشفت التحقيقات معه وجود تواصل بينه وبين العديد من عناصر ورتباء المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي. توسّعت التحقيقات وأدت إلى توقيف ٨ رتباء آخرين في قوى الأمن الداخلي. وقد اعترف الموقوف ي.ع.ش. بأنّ معظم هؤلاء هم من زبائنه ويستحصلون منه على المخدرات.
وفي ٢٨ آذار الماضي، أوقف «فرع المعلومات» تاجر المخدرات ع.م.م. (مواليد ١٩٧٦) المطلوب بموجب عشرات مذكرات التوقيف (شريك أحد أبرز المطلوبين في تجارة المخدرات ع.ز.إ. الذي توجد بحقه أكثر من ٩٠٠ مذكرة توقيف). وقد بيّنت التحقيقات مع ع.م.م. أنه يتواصل مع عدد من ضباط وعناصر قوى الأمن الداخلي، وجميعهم يخدمون على حاجز للمعاينة الميكانيكية في محلة الحدث في الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث كان يقدم لهم شقة يملكها بالقرب من مركز عملهم، لاستخدامها مقابل تسهيل أموره على الحواجز الأمنية وتسريب معلومات أمنية له. توسّعت التحقيقات مع تاجر المخدرات، وكانت المحصلة توقيف ثلاثة ضباط (نقيب واثنان برتبة ملازم أول) وثمانية رتباء.
وفي ٢٦ أيار الماضي، أوقف «فرع المعلومات» كلاً من المطلوب ر.م. والمطلوب ح.م. الملقب بـ «الغبي» داخل أحد مقاهي بلدة رياق في البقاع الأوسط، وتبين أنه توجد بحق الثاني ٩٠ مذكرة توقيف. كذلك تبين وجود تواصل بينه وبين عدد من ضباط وعناصر قوى الأمن، وكشف أنه يدفع لهم مبالغ مالية مقابل عدم توقيفه وتسريب معلومات له. في هذه القضية، عوقب عشرة ضباط (عقيد ومقدمان ونقيبان وثلاثة برتبة ملازم أول) وخمسة رتباء ثبت تورطهم مع التاجر المذكور.