
عبد معروف
القدس العربي
23012022
تقع حديقة الصنائع في منطقة الحمرا وسط العاصمة اللبنانية بيروت، وتمتد على مساحة اثنين وعشرين ألف متر مربع، وتتسع لنحو عشرة آلاف متنزه، ذات شعبية كبيرة بين زوارها، الذين يتمتعون بظلال الأشجار المعمرة، وبالجلوس على مقاعد كثيرة موزعة في أرجاء الحديقة، أو بجوار نافورة المياه التاريخية فيها، وقد تم تجديد الحديقة من قبل مؤسسة «أزاديا» وتجهيزها بممرات الركض، ومسارات مخصصة للدراجات الهوائية، وثلاثة ملاعب مخصصة للأطفال، وهي الآن مكان مثالي لقضاء أجمل الأوقات مع العائلة والأصدقاء، وتعد الحديقة كأحد آخر المتنفسات الخضراء لسكان بيروت والمكان المثالي لعشاق النباتات.
ومن ميزات الحديقة أيضا، تاريخها الضارب في الأعماق، والذي يشهد على عمر لبنان الحديث حيث إن أول شتلة زرعت فيها كانت عام 1907 وجرى افتتاحها رسميا عام 1908.
افتتحت حديقة الصنائع عام 1907 في عهد السلطان عبد الحميد الثاني بصفتها جزءا من مبنى مدرسة لتعليم المهن والصناعات مكتب الصنائع والتجارة الحميدي، المبنى الذي أصبح اليوم مقرا لوزارة الداخلية اللبنانية والمكتبة الوطنية.
تاريخياً، حديقة الصنائع عثمانية الطراز، وجاء على لوحة من الرخام وضعت عند مدخل الحديقة: «في عهد السلطان عبد الحميد الثاني 1876- 1909 وفي عهد والي بيروت المحروسة خليل باشا احتفل في ايلول 1906 بوضع حجر الأساس لمباني مكتب الصنائع والتجارة الحميدي (مقر وزارة الداخلية اليوم ومبنى المكتبة الوطنية – كلية الحقوق والعلوم السياسية سابقا).
ومع افتتاح هذه المباني عام 1907 افتتحت حديقة الصنائع بحضور الوالي والعلماء والأعيان والقناصل ورئيس البلدية والوجهاء على مساحة 21.894 متر مربع.
أقيمت حديقة الصنائع على عقارات لآل سيور وطبارة وطيارة والحص وبعض العائلات البيروتية الأخرى.
وأكدت وثائق اطلعت عليها «القدس العربي» في إرشيف بلدية بيروت أن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني أصدر فرمانًا بإنشاء مكتب الصنائع والتجارة الحميدي (مبنى وزارة الداخلية والمكتبة الوطنية حاليًا) وإلى جانبه تمّ تدشين الحديقة على مساحة من الأراضي الخاصة والأوقاف الذريّة والأهلية.
ويذكر المؤرخ اللبناني الدكتور حسان حلاق أن حديقة الصنائع تعرف رسميا باسم الرئيس اللبناني السابق رينيه معوض، وتتضمن أثرا تاريخيا بارزا وهو سبيل الماء الحميدي الذي أقيم عام 1900 في الذكرى الـ25 لتولي السلطان عبدالحميد عرش السلطنة العثمانية.
حديقة الصنائع هي أكبر حديقة في بيروت، ومساحتها 22000 متر مربع، وقيمتها التراثية تعود إلى الحقبة العثمانية، وهي اليوم ملك عام تابعٌ لبلدية بيروت.
ويشير الباحث اللبناني مازن مجوز إلى أن حديقة الصنائع بيروت، التي لطالما كانت واحدة من المتنفسات القليلة لأبناء العاصمة اللبنانية، أطلت بحلة جديدة بعد أن أعادتها شركة «أزاديا» إلى الحياة في 31 من مايو (أيار)2014 ونفخت فيها روح الجمال، كاسية إياها ثوبا جديدا، ثوب الخضار والنقاء، فعادت مقصدا للراغبين بفسحة هدوء وسط ضجيج العاصمة.
وقد جرى زرع خمسمئة شجرة حديثة، تضاف إلى مئتي شجرة قديمة، وقد توزعت الأشجار بين الممرات الرئيسة، والمداخل، وعند السور الحجري المحيط بالحديقة، وهي 75 شجرة سرو، و110 شجرات فلفل هندي، و80 شجرة باركن سانيو، ومئة شجرة حناء، و84 شجرة جكرندا، و21 شجرة أرتيرينا تزهر باللون الأحمر، و15 شجرة أكاسيا، و12 شجرة لينوكس، وخمس أشجار من البلحيات كبيرة، وعدد من شجرات الدفلى بألوانها الأبيض والزهري والفوشيا.
دائرة خضراء
تزهر الأشجار منذ بداية الربيع حتى آخر الصيف، فتملأ المكان بألوان الأحمر والأصفر والليلكي. أما غالبية الأشجار القديمة فهي من نوع الكينا والبلحيات والصنوبريات وبينها أشجار الفيكس المحيطة ببركة المياه، وقد جرى تشذيبها على شكل مربعات ملتصقة ببعضها، فتبدو من الأفق دائرة خضراء.
إلى جانب الأشجار، جرى إعداد أحواض عند حواف الممرات غرست فيها 2200 زهرة لانتانا باللونين الليلكي والأصفر، وزهور الأباسكاس والبوغانبيليه، وتدعى بالعربية الجهنمية أو الجمال، وزهور الكاريسا التي تنفرش على التراب. ويتخلل الأشجار والزهور العشب الأخضر الذي يمتد على مساحات تصل إلى 11 ألف متر مربع.
تجدر الإشارة إلى أنَّ أول شتلة زُرعت في حديقة الصنائع كانت في العام 1907 وجرى افتتاحها رسمياً في العام 1908. العام نفسه الذي افتتح فيه «مكتب الصنائع والتجارة الحميدة» – وزارة الداخلية اليوم وكلية الحقوق سابقاً -، وقد تمّ تأسيسهما في عهد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني.
مؤسسة «أزاديا» أخذت على عاتقها إعادة تأهيل حديقة الصنائع لتكون مجدداً فضاء للجميع، وفي ايار/مايو 2014 أعيد تأهيلها بالكامل على مدى عامين بتمويل من المؤسسة بمبلغ مقداره 2.5 مليون دولار، وقد تخلل الافتتاح عروض ترفيهية، وتم تصوير نافورة الحديقة في إطار قصة أسطورية كتبتها مي منسى، فشجعت من خلالها الزوار على القيام بأمنيات ووضع زهرة الأضاليا التي ترمز إلى السلام في النافورة العريقة.
ولوحظ في مشروع تأهيلها تخفيف المساحات المبلّطة وزيادة المساحات الخضراء، وتخصيص أماكن للأطفال، وممرّات للدرّاجات الهوائيّة، وأنشئ مدرّج صغير تقام عليه النشاطات الثقافية والحفلات الموسيقية، وزاوية للمعارض، وحائط للمشاهير توضع عليه لوحات تحمل أسماء فنانين لبنانيين في إحتفال سنوي.
وفي وسط الحديقة جرى رصف ساحة مستديرة بالحجارة الصفراء اللون، وحولها مدرج دائري صغير يجلس عليه المتنزهون.
وإلى جانب الساحة عادت بركة المياه الواسعة، تتوسطها النافورة، نافورة الحميدية الرخامية الحمراء التي صممها المهندس يوسف أفتيموس عام 1900 وتحيط بها حوافها الحجرية النظيفة التي تشكل بدورها مقاعد لمن يريد التمتع بمشهد المياه.
وجرى بناء خزان مياه خاص لعمليات الري، يجري ملؤه بالمياه الحلوة، لأن المياه التي تصل إلى الحديقة مالحة، وهي بالتالي غير صالحة للري.
ويثبّت في أرجاء الحديقة 150 مقعدًا تتسع لـ450 شخصًا، أما نافورتها العتيقة فأعيد تأهيلها وأصبحت على علوّ 20 مترًا وهي حاليًا أعلى نافورة في بيروت.
ومن جانبه قال رئيس مؤسسة «ازاديا» المشرفة على حديقة الصنائع مروان مكرزل أن عدد زوار الحديقة ازداد منذ إعادة التأهيل في حزيران/يونيو عام 2014 حيث باتت تستقبل أسبوعيا أكثر من 11 ألف زائر معتبرا أنها ليست مجرد مساحة خضراء بل هي مركز ثقافي واجتماعي ورياضي وترفيهيي لمختلف شرائح المجتمع.
تأهيل الأشجار
ويؤكد مكرزل أن حديقة الصنائع ملك عام تابع لبلدية بيروت، وكل ما قامت به المؤسسة هو تجديدها لتصبح عصرية متاحة لجميع الناس، وفي النهاية ستبقى الحديقة للبلدية، ودور المؤسسة تطويرها وصيانتها على عشر سنوات قابلة للتجديد، مشددا على أن الحديقة هي جزء من تراث بيروت، وهذه المساحة متجذرة في ذاكرة اللبنانيين وتعد رمزا ومعلما لأهل بيروت.
وكشف عن أن كلفة تأهيل الحديقة بلغ مليونين وخمسمئة ألف دولار، تضاف إليها كلفة الصيانة وتتراوح بين مئة وثمانين ألف دولار سنويا. استغرقت عملية التأهيل نحو عام، وتولى المهندس الزراعي طوني متى الإشراف على زراعة الأشجار والزهور الجديدة فيها، وتأهيل الأشجار الموجودة سابقا، مع تنظيفها ورشها بالمبيدات.
المحافظة على نظافة الحديقة من الأساسيات، وبحسب مكرزل سيكون هناك ممنوعات عدة داخلها، كالنراجيل، والباربكيو، وطبعا قطف الأزهار أو قطع الأشجار، والسباحة في البركة، كما أن الحديقة ستكون مقفلة ليلا لعدة أسباب أبرزها الأمنية.
ويشرح رئيس مجلس إدارة «أزاديا» أن الهدف من إعادة تأهيل الحديقة نشر المساحات الخضراء في كل العاصمة، على أن تكون الحديقة ملتقى للحوار والثقافة والفن، وأن نستفيد منها من أجل أبنائنا ليرسموا ذكرياتهم، كما رسمنا ذكرياتنا، وحتى تعود بيروت خضراء ويعود مجد لبنان.
حديقة الصنائع أصبحت مجهزة بالكامل لاستضافة جميع أنواع المناسبات والنشاطات التعليمية والثقافية والترفيهية، الدخول إليها مجاني لأنها من حق الجميع.
ومن المجالات المستحدثة في الحديقة أيضا إنشاء ثلاثة ملاعب خاصة بالأطفال، وتعبيد طريق محاذ للسور لممارسة رياضة المشي، وطريق خاص بالدراجات الهوائية.
كانت حديقة الصنائع تاريخياً محوراً للعديد من الأحداث في المدينة. ففيها جرى تنفيذ حكم الإعدام الشهير بإبراهيم طراف في العام 1983 لقتله كلاً من ماتيلد الحلو وولدها مارسيل باحوط بعد أن استأجر غرفة في منزلهما في منطقة الصنائع. كما أنها احتضنت النازحين خلال حرب تموز في العام 2006.
في العام 1989 تغير إسم الحديقة إلى «حديقة رينيه معّوض» بُعيد اغتياله في جوارها، في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر من نفس العام، أي في يوم عيد استقلال لبنان، بعد أيامٍ قليلة من وصوله إلى سُدّة الرئاسة. ثمة لوحة كبيرة تُشير إلى الحادثة المأساوية عند مدخل الحديقة، لكن، رغم ذلك، بقيت تسمية الصنائع التسمية الشعبية المُتداولة.