مجد بو مجاهد
21062018
النهار
جنبلاط
يتفرّد رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط بتغريدات مطعَّمة بلمسة فنية يكتبها في “تويتر”. يطير أعلى من الحدود المتوقعة في سماء العالم الإفتراضي، مغرّداً بـ”فشل العهد”، عصفوراً خارج قفص التسوية. ويبدو أن جنبلاط يهوى ممارسة السياسة على طريقة فينسنت فان غوخ، ولا يتردّد في تذكير خصومه بأنه لا يزال “مجنوناً”. ويقول عارفوه إنه كان يهوى الغوص في عالم الفنّ، نظراً الى ولعه باللوحات، لو أن القدر لم يكتب له أن يولد في بيت سياسي عريق فرض عليه ما فرضه على نجله تيمور من بعده. وأحدٌ لا يدري ما إذا كان جنبلاط سعيد الحظّ أم سيىء الطالع. لكن، ما هو مؤكّدٌ راهناً، أن جنبلاط لا يغرّد وحيداً في العالم الحقيقي، وأنه بات على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون التفكير جديّاً في ملامح اللوحة الفنية المعارضة للعهد، والتي بدأت تُرسم بريشة ساسة يبصمون لجنبلاط بالعشرة، مؤيدين ما كتبه.
ويظهر من بين هؤلاء الذين يسلّمون بمقولة “فشل العهد”، مرجعية سياسية لها وزنها في البلد وحضورها في البرلمان، متخوّفة من مرحلة مقبلة على وطنٍ ليس بخير، مطلقةً شرارة التحضير للمعارضة. وتشبّه الحقبة الحالية التي تمرّ على لبنان، بحدثين مفصليين في تاريخ البلاد: السادس من أيار 1992، يوم وقعت ما سُمّيت “انتفاضة الجوع”، والرابع عشر من شباط 2005، تاريخ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. ويأتي ذلك في انتظار حكومة على مشارف ولادة عاجلة أم آجلة، وفي ظلّ “خبيصة” صراعات ومصالح دولية وداخلية. ولا يقال جديد إذا ما تم التسليم بارتباط الحكومة بعملية قيصرية جرّاحوها من جنسيات شقيقة وصديقة. وإذا كان الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري ماضياً في عملية التأليف، إلا أن أحداً لا يحسده على حمْل ملقى على كتفيه.
بقى أهم ما يدور في الصالونات السياسية التي تتحضّر للمعارضة، أن جنبلاط لم يكتب ما كتبه من تلقائه، ويتمحور السؤال عن الجهة التي التقط منها إشارات ساهمت في صياح ديكه “التويتري”. ولا شكّ في أن الإجابة صعبة عن تساؤل كهذا، خصوصاً أن علاقات بك المختارة متفرّعة ومكوكية. وهو كان التقى وفد “حزب الله” في كليمنصو، ووصف اللقاء حينذاك بالجيّد جدّاً وبأنه فتح آفاقاً مستقبلية لعلاقة المكونين، ولم يلبث أن طار الى السعودية. أضف الى ذلك خطّ اتصالاته المفتوح مع فرنسا وروسيا.
وإذا كانت 14 آذار قد أطلقت حملة “فلّ” في وجه الرئيس اميل لحّود، وتبعتها قوى 8 آذار يوم قادت حملة “فلّ سليمان ورجاع يا زمن لحّود”، فإن المصادر نفسها لا تتردد في المقارنة بين زمن الماضي و”عهد الحاضر”، مشيرةً الى “أن العهود السابقة، رغم كلّ الإنتقادات التي طاولتها، لم تصل الى مرحلة تحصيل نفقات حملاتها الإنتخابية من مردود مرسوم التجنيس والإتجار بالهوية اللبنانية. ولا يغيب عن الظن الإحتكام الى لغة التحريض واستعراض الأحقاد الدفينة والتصويب على اتفاق الطائف ونخره والإدعاء بتطبيقه بغية إجراء تعديلات عليه يُخشى أن تشمل النصوص”. وفي العودة الى الزمن الحاضر، تروق المقارنة في المجالس التي تتحضّر للمعارضة بين ما يسمّونه “أداء وزراء فاسدين ونهج رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الذي لم يقل كلمة واحدة ضدّ بناء الدولة منذ خروجه من السجن، وصولاً الى أداء وزرائه المتميّز في الحكومة”.
وفي الحصيلة، لا بد من إسقاط فعل “يتحضّر” على أي مكوّن سياسي يلوّح بورقة المعارضة، ذلك أن سرب طيورها لن يباشر انطلاقته قبل ولادة الحكومة، وسينضم إليه بطبيعة الحال – بإرادته أم قسراً – كلّ من يبقى خارج طاولة السرايا. وتشي المعطيات الراهنة بأن حجم السرب قد يتوسع، خصوصاً أن العروض الحكومية على عدد من الكتل لا تعدو كونها حقائب وزارات دولة على طريقة جوائز ترضية غير مرضية.
ويتلمّس المتحضّرون ثقة معدومة من اللبنانيين في الطبقة الحاكمة، وقد أثبتت نتائج الإنتخابات أن 60% من المواطنين أضحوا على كفّة موازية و”طابشة” من الميزان، وأن القابل من الأيام سيظهر مزيداً من السخط. ويقارب المتحضّرون مشاركتهم في الحكومة، من منطلق أنها تحبس العصافير في قفص السرايا، وتحدّ من المعارضة ولا تلغيها، بدل أن تطلق العنان لخيارات غير محدودة أو مقيّدة على الأقل. ما مفاده أن من يخرج من مسرح الحكومة، سيعمل على عزف سيمفونية مسرحيته الخاصة. ولا شك في أن الدخول الى السلطة مغرٍ، الا أن الحصول على وزارة دولة يقلّل اندفاع المتحمسين، ويجعلهم يتريثون في اتخاذ القرار والتساؤل عمّا سيجنونه من مقعد صوَري. وبعبارة أخرى، تبقى المعارضة خياراً أكثر “ربحيّة” من وزارة الدولة. ويشبه حال هؤلاء مع الولادة الحكومية، حال السيدة فيروز يوم غنّت “مش قصة هاي”، وكأنهم يتوجّهون الى العهد بالقول الصريح: “مش فارقة معاي”.