
القدس العربي
11042018
انتشرت مؤخراً صور كثيرة لنساء جزائريات يتصدرن مظاهرات الجزائر على وسائل التواصل الاجتماعي، ومنهن جميلة بوحيرد، البالغة الآن 84 عاماً.
لقد كنا نتصور أن أسطورة الثورة الجزائزية ضد الاحتلال الفرنسي في الستينيات، وكانت في العشرين من عمرها، قد أرهقتها السنوات و«تقاعدت» عن أي حراك سياسي أو شعبي، وأنها دخلت متحف التاريخ كرمز بطولي لشعبها وحركات التحرر الوطني في العالم كله.
لكنها بزغت فجأة لتشارك في المظاهرات الأخيرة للشعب الجزائري، التي بدأت في 22 شباط/فبراير الماضي، مطالبة بعدم ترشح الرئيس عبد العزيز بو تفليقة لعهدة خامسة.
كان حضورها دفعاً معنوياً قويا للمظاهرات المستمرة منذ أكثر من شهر ونصف.
احتلت صورها مواقع الـ«سوشيال ميديا» والصحف اليومية، وكأن الزمن لم يمر بها، كأنها كانت تنتظر اللحظة المناسبة لتخرج من متحف التاريخ إلى الشارع الثائر. لا غرابة في ذلك. إنها ابنة الثورات.
والمفرح، أنها ليست المرأة المسنة الوحيدة، بل هن كثيرات، منهن الحاجة فاطمة، البالغة من العمر 88 سنة، والتي شاركت في المظاهرات الأخيرة، مثلها مثل أية شابة صغيرة، حاملة العلم الجزائري، ملوحة به، رافعة إياه قدر استطاعتها بعزة وفرح. أكثر من هذا، صارت مغنية الثورة الجزائرية، ومن أجمل ما رددت في المظاهرات:
أمي عليش تبكي عليّ ولدك مضحي على الحرية / روحي يا عمري للوطنية.
إنها، مثل جميلة بوحيرد، ابنة الثورات أيضاً. فقد شاركت في معركة الجزائر الكبرى في الستينيات، وكانت تخيط الأعلام الوطنية والجوارب والقبعات والقمصان لتوصلها للثوار في الجبال.
ارتبط الماضي بالحاضر فوق الشارع الجزائري الفوار، وكانت نساء الجزائر في الزمنين في القلب منه، يثبتن قوتهن عبر التاريخ ليبقين في طليعة شعبهن، المطالبة بالمساواة والحرية والديمقراطية.
لقد أثبت الشعب الجزائري كاملاً، شيوخاً شباباً وأطفالاً، من خلال المظاهرات السلمية أنه شعب متحضر يستحق أن ترفع له القبعات.
وهو ليس الشعب العربي الوحيد، بل هناك أيضاً الشعب السوداني، الذي يستمر بمظاهراته المليونية الراقية منذ عدة شهور.

إنها، مثل جميلة بوحيرد، ابنة الثورات أيضاً. فقد شاركت في معركة الجزائر الكبرى في الستينيات، وكانت تخيط الأعلام الوطنية والجوارب والقبعات والقمصان لتوصلها للثوار في الجبال.
مقارنة بين مظاهرات فرنسا ومظاهرات الجزائر
الملفت أننا لم نسمع عن تحرشات جنسية، ولا عن حالة عنف واحدة، من قبل المتظاهرين الجزائريين أو السودانيين، في حين أن مظاهرات أصحاب السترات الصفراء الفرنسية، وهي المجموعات التي تحتج منذ سنة 2018 على زيادة أسعار الوقود والضرائب المفروضة لم تخل من العنف في عاصمة النور والحضارة، باريس!
وقد اعتقل عدد كبير من المتظاهرين بتهم التخريب وحرق السيارات، وأصيب العديد من الأشخاص أثناء اشتباكات المتظاهرين مع شرطة مكافحة الشغب الفرنسية.
ببساطة لقد أثبتنا أننا لسنا شعوباً عنيفة و«همجية»، كما يحاول بعضهم تصويرنا!
إن الأمل والحلم بالتغيير يوحدان البشر، ويدفعان كل الغرائز الانسانية البدائية كالعنف والتحرش الجنسي إلى الخلف.
لقد أثبت الشعبان الجزائري والسوداني أن الكل واحد من أجل الوطن.
الحب ينتصر على المرض ويطرد الفيروسات
لا غرابة أن يخرج من فلسطين – الأرض المقدسة، التي عُرف أبناؤها بالمقاومة والتحدي – بطل صغير يقاوم السرطان بإبداعه وحبه للحياة.
في الأول من هذا الشهر أضاء برنامج «يوم جديد»، الذي يعرض على قناة «الغد» على قصة مقاومة فلسطينية، ولكن من نوع آخر.
إنها قصة الطفل محمود أبو الندى، البالغ من العمر 11 سنة، الذي يتحدى مرض السرطان من خلال فن الطبخ، حتى أصبح طباخاً معروفاً، رغم صغر سنه، وتفنن في هذا المجال رغماً عن أنف الوجع.
محمود الذي يعتبر أصغر «شيف» في فلسطين، مصاب بسرطان الدم، ولكنه لا يعتبر مرضه خطيراً. يقول: مرض السرطان إشاعات ما بيفرجش!
حقاً، لقد حول مرض السرطان إلى إشاعة، حين تغلب عليه بتميزه وروحه العالية الجميلة واندماجه في عالم من الإبداع، بشكل يعدي الآخرين صغاراً وكباراً بالتفاؤل والإيجابية والأمل.
هو يقدم لنا مثالاً حياً على كيفية محاربة المرض بالفن. والفن هنا هو فن الطبخ، الذي يشغله كما يقول عن المرض ويساعده لكي يكون قوياً وشديداً.
بدأ هوايته هذه في عمر الثماني سنوات، وكان يطبخ في البداية وجبات سهلة مثل الشكشوكة والبيض بالطماطم. وشيئاً فشيئاً، تعلق محمود بهذا الفن الذي اعتبره عالماً كبيراً من الإبداع، وسكن فيه بعيداً عن عالم المستشفيات والأدوية.
إنه يعمل بحب لساعات طويلة، من دون أن يهمل دراسته، فهو لا يتأخر عن تقديم الامتحانات المدرسية في نهاية كل سنة.
وبالرغم من مقاومته النادرة هذه للمرض اللعين، لم يسلم من انتقادات بعض البشر المرضى نفسياً أو الجاهلين، إن أحسنا الظن بهم، الذين يتساءلون كيف يستطيع أن يطبخ في الوقت الذي لا يستطيع فيه أن يذهب إلى المدرسة بشكل يومي؟
يجيبهم قائلاً: أنا في المدرسة وبسبب الفيروسات ممكن أمرض، لأن مناعتي قليلة، وإذا زعلت ممكن يؤثر عليّ.. الفيروس ممكن كمان يكون في المطبخ بس لما تكون أنت حابب الشغلة ما بتجبلك ضرر.
صدقت يا محمود. الحب ينتصر على المرض ويطرد الفيروسات.
ذكرني محمود بـ«غالية»، الطفلة التي التقيت بها وبوالدتها منذ سنتين، حين زرت مستشفى «عزيزة عثمانة» في تونس، التي تُعنى بالأطفال المصابين بالسرطان.
حين ذهبت إلى مطار تونس في طريق العودة إلى لندن، فاجأني اتصال هاتفيّ من أم غالية، وهي عضو فعال في الجمعية التونسية للأطفال المصابين بسرطان الدم ATL، قائلةً إنها تنتظرني في المطار لتقدم لي «لوحة». وكانت المفاجأة أنها لوحة الصغيرة غالية، التي لم تتوقف طيلة فترة علاجها في المستشفى عن الرسم.
سنة كاملة، وهي تلون وجعها وروداً وفراشات وأنهاراً وعصافير، حتى تمكنت من التغلب على المرض.
محمود وغالية ليسا الطفلين الوحيدين اللذين وقفا في وجه المرض وغلباه بالفن.
فقد رأيت بأم عيني أطفال مستشفى «غريت أورمند ستريت» في لندن، في فترة إقامتي مع ابني الذي عانى من المرض نفسه، وهم يلونون ويعزفون الموسيقى ويرقصون ويضحكون في فترة مرضهم، ما أن يزول الألم بفعل المسكنات. كانوا أجمل مخلوقات هذا الكوكب بأياديهم الصغيرة التي تلون الأفق بالأمل.
كلمات مفتاحية
الجزائرالسودانجميلة بوحيردسوشال ميديافرنسافلسطينمريم مشتاوي