الرئيسية / home slide / ثقة حلفاء “رأّست” لحود وثقة الأسد مدّدت له

ثقة حلفاء “رأّست” لحود وثقة الأسد مدّدت له

13-05-2021 | 00:07 المصدر: النهار

سركيس نعوم

الرئيس الياس الهراوي والرئيس إميل لحود

اختيار سوريا عبر الحكومة الأولى للرئيس الياس الهراوي العماد إميل لحود قائداً للجيش تمّ لأسباب عدّة أبرزها إثنان. الأول اتخاذه قراراً الإنحياز الى “الشرعية اللبنانية” بعد رفض رئيس الحكومة العسكرية الانتقالية “البتراء” العماد ميشال عون “اتفاق الطائف” ومفاعيله، وأبرزها في حينه انتخاب رئيس جديد للبلاد. وقد ترجم ذلك بمغادرته وزارة الدفاع في اليرزة فور انتخاب الهراوي وانتقاله الى الشطر الغربي من بيروت، ثم إعلانه ولاءه للرئيس الشرعي المنتخب ووضعه نفسه في تصرّفه. كانت إقامته في حينه في فندق درجة أولى في منطقة الجناح. السبب الثاني ارتياح عدد من الجهات السياسية اللبنانية التي كانت في أثناء الحروب قريبة وإن بنسب متفاوتة من الوجود الفلسطيني في لبنان ومن الحركة الوطنية ورئيسها الزعيم الدرزي الأوحد كمال جنبلاط وأيضاً من سوريا حافظ الأسد، ارتياحها للعماد إميل لحود لأنه إبن العماد أو اللواء جميل لحود الذي كان عسكرياً منضبطاً محترماً لنفسه ومخالفاً للطروحات الطائفية في الدولة ومؤسساتها، ومجاهراً بإيمانه بعدالة إجتماعية اعتبرها “اليسار اللبناني” على تنوّعه خطوة متقدمة لا يجوز تجاهلها. وقد عُيّن جميل لحود وزيراً بعد تقاعده من المؤسسة العسكرية واعتُبر دائماً مرشّحاً طبيعياً للرئاسة للجهات المُشار إليها أعلاه. هذان السببان أو العاملان كانا أحد أبرز أسباب اختيار أسد دمشق إميل لحود رئيساً. لكن هناك عوامل أخرى جعلته يقرّر هذا الأمر، منها تناغم لحود الدائم في أثناء ولايته العسكرية التي استمرت نحو تسع سنوات مع دمشق والمسؤولين السياسيين والعسكريين الكبار فيها. ومنها أيضاً تعاونه الوثيق مع مساعد مدير مخابرات الجيش في حينه النائب الحالي جميل السيد وثقته به. 

علماً أنه كان معتبراً في حينه كما يوم انتقل لاحقاً الى المديرية العامة للأمن العام الحائز الأكبر وربما الأول على ثقة النظام السوري الحاكم بعسكرييه ومدنييه وعلى رأسهم الرئيس حافظ الأسد. طبعاً بدأ تداول إسم إميل لحود للرئاسة قبل انتهاء ولاية الرئيس الهراوي عام 1995 بنحو سنة أو أكثر. وكان قبوله مرجحاً جداً لكن “نجاح” الهراوي في مهمته في نظر دمشق أجّج عنده الرغبة في التمديد، ولا سيما بعدما نصحه به صديقه اللدود وحليفه رئيس الحكومة رفيق الحريري الذي هيّأ أجواء التمديد عند الفريق السوري المكلّف التعاطي مع لبنان. وقد استجاب للرغبة المذكورة أسد سوريا وحقّقها للهراوي وبقي لحود قائداً للجيش. لكن طموحه الى الرئاسة ازداد ولا سيما بعدما تمكّن مؤيّدوه اللبنانيون الوثيقو الصلة بدمشق ونظامها وأركانه من إقناع هؤلاء بأهليته للرئاسة بعد الهراوي وبضرورة وجوده فيها. كان بشار الأسد الذي يهيّئه والده لخلافته بعد انتقال ابنه البكر باسل الى جوار ربه في حادث سيارة مؤلم في مقدمة هؤلاء. طبعاً كانت آراؤه في لبنان وسياسييه وحلفاء بلاده وأعدائها فيه تتميّز أحياناً عن آراء والده ولا سيما في الموضوع اللبناني، ربما بسبب نجاح حلفاء لسوريا في لبنان يخافون على بلادهم أو دورهم أو على سوريا ونظامها من الرئيس رفيق الحريري. استفاد هؤلاء من عدم قيام علاقة بين الأخير وبشار تجاوباً مع نصائح الفريق السوري المكلّف التعاطي الرسمي مع لبنان، وكان من أعضائه نائب الرئيس عبد الحليم خدّام ورئيس الأركان حكمت الشهابي. كما استفادوا من تردّي صحة الأسد الأب. طبعاً كان حلفاءٌ آخرون لبنانيون لسوريا الأسد يعملون لمرشّحين آخرين. لكنهم لم يكونوا بتأثيرهم على صاحب القرار فيها وإبنه قادرين على تغيير “القرار” بترئيس لحود إذ كان قد اتُخذ. فوصل الأخير الى قصر بعبدا رئيساً. لعل أصدق تعبير عن ثقة حافظ الأسد به إظهاره “سعادته” باستقباله رئيساً في دمشق في أول زيارة لها، وقد عبّر عنها بابتسامة “سعيدة” و”بطبطبة” من يده على خد لحود.

 طبعاً كانت سوريا الناخب الوحيد للعماد لحود. لكن ذلك لا يعني أن الولايات المتحدة كانت معارضة له. فمن جهة كانت علاقتها مع سوريا الأسد لا تزال تراوح بين الجيّدة والمقبولة. ومن جهة ثانية كانت تثق بجيش لبنان وضباطه وخصوصاً الذين كانت تعرفهم ولحود واحد منهم، كما كانت تعتقد أنه قد يكون أفضل من أي مدني في الرئاسة في تلك المرحلة. لكن بداياته ربما جعلها تيأس منه فتركته لدمشق مع احتفاظها بعلاقات رسمية معه. وقد تأكد كاتب “الموقف هذا النهار” من ذلك يوم أخبره القائم بالأعمال الأميركي في لبنان رون شليكر أن لحود سيزور واشنطن وأنه (أي الكاتب) سيكون في الوفد الإعلامي الذي سيرافقه، وأن ترتيبات تجري لإجراء مقابلة صحافية شاملة معه يشترك فيها هو وزملاءٌ أميركيون معروفون. لكنه وبعد مدّة أخبره أن الزيارة لم تحصل ومعها المقابلة الصحافية. 

كان ذلك إيذاناً بأن التعاطي معه ومع بلاده في القضايا المهمة إنما يتم عبر سوريا. وأعتقد الى درجة الجزم أن لحود لم يزر واشنطن في ولايتيه الرئاسيتين الدستورية وغير الدستورية أي الممدَّدة رغم تصويت مجلس النواب عليها. تجدر الإشارة هنا الى أن لحود كان ينتظر بفارغ صبر إنتهاء ولاية الهراوي الأولى ثم الثانية كي يحقّق طموحه. وكان يعرف أن الرئيس رفيق الحريري يعارض وصوله الى قصر بعبدا لأن الفريق اللبناني – السوري الفاعل في حينه وعلى رأسه بشار كان ضده. وكان يعرف أيضاً أن محاولات تجري مع الأسد الأب لاختيار آخر. وكان يتوجّس من الأسماء ومن بعض ما يُنقل إليه فقرّر الآتي: “إما النزول من اليرزة الى قصر بعبدا وإما العودة الى بعبدات فوراً”. 

لماذا مدَّدت سوريا بشار الأسد ولاية الرئيس إميل لحود؟ الأسباب كثيرة، منها عدم ارتكابه أي خطأ معها وانسجامه مع سياستها اللبنانية وغير اللبنانية ومنها بدء تحوّل في المزاج الشعبي اللبناني تجاه لحود وكان سلبياً ولا سيما عند السنّة والمسيحيين والدروز، وازدياد الحركات المنظمة السياسية والشعبية لإخراج سوريا من لبنان، ونجاح المساعي المبذولة مع أميركا وفرنسا وغيرهما كي تحرّك مجلس الأمن لاتخاذ قرار برفع الوصاية السورية عن لبنان. ومنها رفض رفيق الحريري التمديد للحود رغم التهديدات المتكرّرة، علماً أنه صوّت لمصلحته في مجلس الوزراء عندما وجد أن لا مفرّ منه وتلافياً “للعواقب”. لهذه الأسباب كلها أبلغت سوريا مرشّحاً طامحاً أو أكثر للحلول مكان لحود في قصر بعبدا أنها تواجه مرحلة صعبة داخلياً ودولياً، وأنها تحتاج فيها الى رئيس لبناني جرّبته فأثبت تمسّكه بدورها في لبنان والمنطقة في تلك المرحلة الخطيرة. من انتخب العماد ميشال سليمان رئيساً؟ sarkis.naoum@annahar.com.lb