الرئيسية / مقالات / تواضعوا… بلا عنتريات!

تواضعوا… بلا عنتريات!

نبيل بومنصف
النهار
19122018

 

مع ان معظم اللبنانيين سيتنفسون الصعداء لان حكومة جديدة ستبصر النور قريبا على ما تعدهم مؤشرات التحرك الجاري بقوة منذ ايام فان ذلك يبدو أقل الإيمان وابسط النتائج البديهية لتجربة اضافية من تجارب الجمهورية الفاشلة التي باتت نسخة طبق الأصل عن دول مماثلة تتحكم فيها النظم القبلية والمذهبية مثل العراق واليمن. تبعا لذلك لا يجوز باي معيار اخلاقي ومعنوي وسياسي ايضا ان يخرج أحد غدا ليتباهى علينا ويتنمر امام الرأي العام الداخلي والخارجي بمهزلة انه عنتر انقاذ لبنان من انهيارات كادت تغرقه في جحيم لا قعر له. فهذا الخطر لن تزيله مجرد حكومة تشكلت بعد مخاض مرير ولن تتفوق في افضل احوالها على سابقتها حكومة تصريف الاعمال الحالية بل ربما نترحم على الراحلة فمن يدري؟ ثم ان ابطال الإنقاذ إن وجدوا تسقط صفتهم حين تتمادى ازمة الى حدود الاستنزاف وتهديد البلد بأسوأ مصائره. فاي فريق او مرجع او فئة سيملك غدا قدرة الادعاء او صدقية الزعم بانه تمكن من انتشال البلد من سوء المصير بعد سبعة اشهر من التسبب بمزيد من التراكمات الكارثية ماليا واقتصاديا وانتشار الفضائح المتصلة بسوء ادارة الازمة والبلاد انتشارا غير مسبوق افقيا وعموديا؟ أي صدقية ستكون لأي جهة او أي مرجع او حزب في الزعم بان منقذا هبط علينا في الساعة الحرجة وشاءها متزامنة مع الزمن الميلادي لايهام البسطاء من اللبنانيين بان لديهم ابطالا منقذين يقدمون الغالي والنفيس والتضحيات الجسام من أجل مصالح الناس؟ اقل ما ينتظره اللبنانيون بعد مهزلة مديدة اسمها تفخيخ عملية تأليف الحكومة اللبنانية العظيمة الشأن الآتية باسم منع ارتطام لبنان بقعر الجحيم ان يتواضع ابطال المشاركة في صنع هذه المأثرة احتراما للقليل القليل مما تبقى من قدرة لدى اللبنانيين على احتمال هذا النوع من غسل العقول واصطناع البطولات الوهمية وتوظيفها في الشارع والسياسة على حساب بلد كان يوما يتباهى بانه درة الشرق فصار الآن رقما في قائمة الدول الفاشلة الأكثر مديونية في العالم ويدار على طريقة الصلح العشائري والقبلي. ولعل أسوأ ما سيسمعه اللبنانيون غدا ان يعزى الفضل في المعجزة الهابطة الى فريق يعد نفسه منتصرا او فريق عرف كيف يصبر على ضيم او فريق افاد من الاثنين وتمكن من فرض وساطته الحميدة. كل هذا سيتدفق بكثافة لان البلد الذي كان سيغرق كل ابنائه ومعهم هؤلاء الأبطال المنقذين بلغ في الاسابيع الاخيرة ما لم يبلغه في عز حقبات الحرب من مستويات الخطورة الاقتصادية والمالية بما يملي على الجميع الانصياع للتسوية الحتمية مهما استلزمت من سيناريوات لحفظ ماء الوجوه والا ما كان ليبقى أثر بعد عين لو ظلت الامور ذاهبة في اتجاهات التهلكة الشاملة. سيخبروننا عن الوصفة اليمنية اوعن تحييد الأنظار عما يجري على الحدود الجنوبية او عن تعويم بشار الأسد كمؤثرات موضعية لاستيلاد الحكومة. لن يعترفوا طبعا بان ذعرا اجتاحهم هم ايضا من ان يؤدي الانزلاق الى الجحيم الى احراق كل مراكبهم بما فيها زوارق النجاة والفرار مما يترصد معظمهم.

nabil.boumounsef@annahar.com.lb

اضف رد