الرئيسية / مقالات / تماهي عون وباسيل داخلي أمّا استراتيجيّاً فهو مع “الحزب”؟

تماهي عون وباسيل داخلي أمّا استراتيجيّاً فهو مع “الحزب”؟

سركيس نعوم
النهار
06012019

يعرف “حزب الله” استناداً إلى مُتابعي مواقفه وتحرّكاته من قرب أنّ رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون مؤسِّس “التيّار الوطني الحر” ووريثه في رئاسته الوزير جبران باسيل واحد في قضايا الداخل اللبناني، ولا سيّما في موضوع رئاسة الجمهوريّة التي يطمح إليها الثاني بشدّة بدعم من الأوّل رغم أن الموعد الدستوري لاستحقاق الانتخاب الرئاسي لا يزال بعيداً. ويعرف أيضاً أن “التسرُّع” في الاستعداد المُبكّر لهذا الأمر يعود إلى سبب واحد هو تقدُّم عون في السنّ، ووضعه الصحّي المُترجّح بين الاستقرار والتراجع، وخشيته مع باسيل تطوّرات سلبيّة على هذا الصعيد تُحدث فراغاً في الرئاسة أو تعطيلاً لها، ورغبتهما في إعداد كل ما يلزم داخليّاً وعربيّاً وإقليميّاً ودوليّاً لحصر الخلافة الرئاسيّة بالوزير الصهر عائليّاً والوريث سياسيّاً. ورغم أنّ الخوض في هذا الموضوع علانية يُزعج الرئيس وذلك حقٌّ له، لكن لم يَعُدْ مُمكناً تفادي التطرّق إليه إعلاميّاً لسببين، أوّلهما مباشرة باسيل ومنذ أشهر كثيرة الاستعداد للاستحقاق الانتخابي الرئاسي وكأنّه قد يُفاجئ الجميع في أي وقت. وفي هذا الإطار تفيد معلومات مُتابعين جديّين وموثوق بهم للحركة السياسيّة في البلاد وخارجها أنّ اتّفاقاً على التنسيق في هذا الأمر قد بدأ الإعداد له بين باسيل والرئيس المُكلّف سعد الحريري منذ التسوية الرئاسيّة التي أوصلت عمّه العماد إلى قصر بعبدا، وأنّ التطوّرات السلبيّة للأزمة الحكوميّة لم توقفه، وأن المدير السابق لمكتب الثاني نادر الحريري لعب دوراً مُهمّاً في تعبيد الطريق أمام تحوّل التنسيق اتّفاقاً. طبعاً قد يقول البعض هُنا أن نادر أُقصي لأسباب إقليميّة معروفة، لكنّه يُشير إلى أن باسيل افتقده واستمرّ شعوره بالحاجة إليه وكذلك سعد، وإلى أن عودة متقطّعة للاستنارة بعقل نادر وحركته عادت، وإلى أن ذلك كلّه أثمر مع أمور أخرى اتّفاقاً بين الرئيس المُكلّف ورئيس “التيّار” في لندن قبل وقت غير طويل على شركة في السلطة وغيرها أي على وصول جبران إلى رئاسة الجمهوريّة وبقاء سعد في رئاسة الحكومة. وسبقت ذلك سلسلة تحرّكات قام بها باسيل في أميركا ساعد الأخير فيها رغم أن علاقات “التيّار” سابقاً في دوائرها السياسيّة الرسميّة وغير الرسميّة لم تنقطع يوماً، وأيضاً في فرنسا حيث قابل رئيسها إيمانويل ماكرون وطبعاً بمساعدة من الحريري. ويعرف “حزب الله” ثالثاً ورغم محاولته الناجحة تلافي أي خوض في هذا الموضوع إعلاميّاً وعلنيّاً أن فكرة تنحّي عون عن الرئاسة راودته (عون) وباسيل قبل مدّة طويلة شرط ضمان انتخاب الأخير بدلاً منه. لكنّه وبعيداً من الأضواء نصح بالتخلّي عنها لأن “العهد لا يزال في بدايته والناس يُعلِّقون عليه آمالاً عريضة ودعا له بطول العمر”. ويتردّد بحسب المُتابعين الجديّين والموثوق بهم أنفسهم أن الفكرة المُشار إليها ربّما عادت تُراود الاثنين. واستنتجوا من ذلك تزايد الخوف من تطوّرات مُفاجئة تفتح الاستحقاق الرئاسي، وعزوه إلى مكانة باسيل في العهد وقربه من سيِّده وتالياً إطّلاعه على الكثير من المعلومات المحجوبة عن الرأي العام. وهذا أمر طبيعيّ لأن إثارته بالتكهّنات والتوقّعات أمر غير محمود. ويعرف “حزب الله” رابعاً أن تعلّق الرئيس بباسيل وتقدّمه في العمر وضعا نسبة كبيرة من القرار الرئاسي في يده.

هل تُقلق هذه الأمور كلّها “الحزب”؟ طبعاً تُقلقه يجيب هؤلاء المُتابعون، وهذا أمر طبيعيّ، لكنّها لا تدفعه إلى الشعور بالخوف أو بالحاجة إلى اتخاذ إجراءات تُزيل أسبابه من أساسها وهو قادر على ذلك. بل تدفعه إلى المتابعة الدقيقة لمعرفة كل ما يجري وتلافياً للتفاجؤ بأي شيء، وإلى عدم إعطاء المُبرّرات لباسيل أو لمن يُحاول استخدامه للمسّ بـ”الحزب” كي يذهب بعيداً في تحدّيه له الذي تجلّى كثيراً في أثناء إعداد مشروع قانون الانتخاب، ثمّ في أثناء الانتخابات النيابيّة (إصراره على إسقاط مرشّح “الحزب” في جبيل، إعطاؤه تعليمات للتيّار في جزّين بعدم التصويت للائحة “الحزب – أمل”، وأمور أخرى كثيرة). كمّا أنّها تدفعه إلى التمسّك باتفاق مار مخايل 2006 وليس فقط لاقتناعه بأنّ التماهي بين عون وباسيل يقتصر على الداخل. أمّا القضايا الاستراتيجيّة في الداخل والمنطقة فإنّ الرئيس و”الحزب” لا يزالان مُتّفقان عليها، ولذلك اعتبر عون ضماناً استراتيجيّاً لها. وهو يُعطي، استناداً إلى المُتابعين أنفسهم أمثلة عدّة على ذلك. منها وقوف الرئيس و”التيّار” مع “الحزب” في حرب تموز 2006. ووقوفه معه عندما اتّخذت الحكومة قراراً بمنعه من إقامة شبكته الاتصالاتيّة مُستفيداً من الشبكة الرسميّة، وعندما أقام اعتصاماً وسط البلد استمرّ أشهراً، ثم عندما نزل إلى الشارع في 7 أيار وقام بما قام به. لا بل أنّه في هذا المجال ذهب أبعد ممّا يريد “الحزب” إذ حرّضه على احتلال السرايا الحكوميّة حيث كان يُقيم الرئيس فؤاد السنيورة وحكومته، كما على دخول “بيت الوسط”. لكنّ قيادة “الحزب” لم تتجاوب معه رفضاً منها لإشعال حرب مذهبيّة، واعترافاً منها بأن الرئيس الحريري ساكِنه يُمثِّل حالاً سُنيّة مُهمّة رغم إصابتها بضعف معروف. فضلاً عن أنّه أيّد اشتراكه في حرب سوريا مُعتبراً إياها مثله حرباً استباقيّة على الإرهاب “الداعشي” وغيره هدفها منع انتقاله إلى لبنان.

طبعاً هذه المُبرّرات لعدم القلق في مكانها. لكن المُتابعين يقولون إن الاحتياط واجب. فالتماهي في الداخل من أجل ترئيس باسيل يجعل الانفصال بينه وبين عون صعباً في القضايا الاستراتيجيّة ذات الأبعاد الخارجيّة لأن الرئاسة استحقاق إقليمي – دولي قبل أن يكون محليّاً. وهذا أمر يعرفه “حزب الله”. فهل يحتاط له؟

sarkis.naoum@annahar.com.lb

اضف رد