19-06-2022 | 18:46 المصدر: “النهار”


مشهد من سوق مار مخايل صباح الأحد بعدسة الزميل مارك فياض.
أكثر المتفائلين بالتكليف بعد الاستشارات، لا يتوقعون أن يتمكن الرئيس المكلف من تشكيل حكومة جديدة، لا بل أنهم يعتبرون أن أي تكليف سيكون ضعيفاً وسط الخلافات والتشتت والاصرار على شروط مستحيلة ترتبط بالمرحلة المقبلة وأبرزها استحقاق انتخاب رئيس الجمهورية. اللافت أن المشهد السياسي يظهر عجزاً خطيراً عن إمكان صوغ التسويات وبلورة خطط انقاذ توقف الانهيار. فالممارسات السياسية في البلد لا تغيّر من نهج تشكيل الحكومات وانهاء مفاعيل ما تكرّس سابقاً، وهذا يعني وفق سياسي متابع أن البلد ذاهب إلى انسدادات خطيرة تفتتحها معركة تشكيل #الحكومة والصراع على توازناتها، ومحاولة الاطباق على القرار السياسي وتكريس الهيمنة، خصوصاً وأن التوازنات اختلت نيابياً بعد التراجع السياسي والتمثيلي لقوى أساسية تدرج في خانة الممانعة.
في استحقاق الاستشارات لا يظهر أي معطى يشير الى الاتفاق بين الكتل النيابية المختلفة على المرحلة المقبلة، وعلى معالجة جدية للتأزم السياسي والمالي والاقتصادي. وينسحب الامر على اختيار الاسم للتكليف، فالأجواء تشير إلى أن القوى السياسية، مستمرة بالنهج ذاته الذي على أساسه تتشكل الحكومة انما بطريقة أسوأ من السابق بعد التشظي الذي أصاب بناها. حتى الآن لا اتفاق بين مكونات الممانعة على اسم تحمله الى قصر بعبدا، فالثنائي الشيعي يحبذ تسمية #نجيب ميقاتي، خصوصاً رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يرى أن رئيس حكومة تصريف الاعمال هو القادر على تمرير المرحلة الصعبة قبل استحقاق الرئاسة، وهو الشخصية السنيّة التي تتمتع بغطاء من بيئته، فيما حسابات “#حزب الله” مختلفة، فهو وإن كان لا يمانع عودة ميقاتي، إلا أن شروطه غير المعلنة ترتبط بموقعه الإقليمي أولاً وأيضاً بالتغطية المطلوبة لسياساته، وهو أمر وفره ميقاتي سابقاً لكنه لا يستطيع الاستمرار به مع التصعيد الإقليمي واستخدام الحزب لموقع القوة وسلاحه. لذا أمام عودة ميقاتي تعقيدات كبرى، ليس لأن لا غطاء دولياً لإعادة تسميته، وهو لا يزال المفضل لدى الفرنسيين وإلى حد ما الأميركيين، بل لأن الشروط الداخلية والصراع القائم والتوازنات الجديدة لن تعطيه تكليفاً قوياً أو أكثرية تمكنه من التأليف.
العقبة الأساسية لعودة ميقاتي تتمثل بموقف التيار العوني الذي يرفض تسميته ويبحث عن اسم آخر يتناسب مع سياساته. فجبران باسيل كان واضحاً بشروطه في الفترة الأخيرة ووضعها في وجه ميقاتي، وهي تتماهى مع موقف عون، وهما يريدان حكومة تناسب تطلعاتهما قبل وبعد انتخابات الرئاسة وبمعايير محددة وأكثرية راجحة وأيضاً بثلث معطل، ولا يخفى الخلاف الذي نشأ قبل نحو شهر عندما غرّد ميقاتي خارج سرب العهد برفضه طلبات معينة أبرزها إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. ثم تصعيده أخيراً في وجه التيار العوني بتأكيده رفض تحويل موقع رئاسة الحكومة وشخص رئيسها مادة للتسويات. ولا شك في أن موقف التيار يأخذه “حزب الله” بالاعتبار، ولذلك لا مانع عنده إذا جرى التوافق على اسم آخر، إلا إذا اصر العونيون على عدم التسمية، وهو ما يجعل إمكان تكليف رئيس جديد مسالة صعبة في ظل الخلافات بين المكونات المتقابلة.
يتقدم التعطيل على مسار الحل، والذي يبدأ بتكليف شخصية قادرة على خوض غمار الاصلاح. فالتعطيل المرتقب حتى لو عبر قطوع التكليف، سيأخذ مسارات مختلفة، لتحسين الشروط أمام اي استحقاقات أو توجهات للحل في لبنان. “حزب الله” يسعى للتعويض وتكريس تفوقه باستحضار قوته الإقليمية، فيما التيار الوطني يحاول تعويض تقلص كتلته النيابية بفرض شروط على تشكيل الحكومة تحضيراً لاستحقاق الرئاسة. أما “القوات اللبنانية”، فلا تستطيع حتى بكتلتها المسيحية أن تغير من الوقائع لغياب قدرتها على التحالفات والتأثير على مسارات الامور. وفي المقابل ظهر في المشاورات التي أجراها اللقاء الديموقراطي أن هناك توجهاً لعدم تسمية نجيب ميقاتي، ومحاولة اختيار شخصية سنّية أخرى قادرة على مواجهة شروط “حزب الله” والعونيين وغير مطواعة لمحورهما. لكن وليد جنبلاط وفق السياسي المتابع لم يحسم موقفه نهائياً بعد وهو ينتظر الوجهة مع الكتل الأخرى أي “القوات اللبنانية” ونواب التغيير والمستقلين، وما إذا كان في إمكانها إيصال رئيس تتناسب توجهاته مع المرحلة المقبلة، خصوصاً احتمال حدوث فراغ رئاسي أو بقاء ميشال عون في بعبدا.
وإذا كان جنبلاط الذي تشكل كتلة “اللقاء الديموقراطي” بيضة القبان في الاستشارات، لا يريد أن يتخاصم أو يقطع مع أي طرف سياسي أو طائفي، رغم خلافاته مع “حزب الله”، تبدو قوى التغيير في وضع لا تحسد عليه، مع التخبط الذي ظهر في مناقشات نوابها للاتفاق على تسمية رئيس مكلف، ويكشف السياسي المتابع أن هناك خلافاً حول اسم نواف سلام، كذلك لا اتفاق على اختيار الاقتصادي عامر البساط الذي برز اسمه أخيراً لدى تكتلات نيابية عدة من خارج محور الممانعة، فيما انفجرت الخلافات أيضاً حول طرح اسم من قوى التغيير لرئاسة الحكومة. وتفيد معلومات متقاطعة أن موقف التغيير قد يتجه إلى عدم التسمية.
وكان اللافت في مسار البحث في استشارات التكليف، الموقف الذي أعلنه البطريرك الماروني بشارة الراعي والذي ركز فيه على انتخابات رئاسة الجمهورية، وهو موقف ينظر إلى المرحلة المقبلة ومستقبل لبنان وفق السياسي المتابع، انطلاقاً من أن تجربة الرئيس القوي لم تنجح، بل أدت الى انقسامات وتوترات داخلية، وبالتالي لا يمكن انتخاب رئيس محسوب على محور معين. حسم الوضع الحكومي يؤدي إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهذا يستدعي اختيار رئيس يتمتع بصدقية ليتمكن من تشكيل حكومة، والاهم رفض الشغور الرئاسي والفراغ الدستوري لأنهما مرادفان هذه المرة لتطورات يصعب ضبطها دستوريا وأمنياً ووطنيا.
النقطة المهمة الأخرى، هو في كيفية المجيء برئيس حكومة قادر على استيعاب التشتت الكبير لدى السنّة، وتكريس نوع من التوازن السياسي. وهذا الامر أساسي لتجاوز ما حدث في التسوية الرئاسية التي جاءت بميشال عون، واضعفت الموقع السني الأول، ومواكبة استحقاق الانتخاب الرئاسي المقبل واختيار رئيس يجمع بلا اصطفافات. وحتى ذلك الاستحقاق قد يبقى البلد رهينة التجاذب والتعطيل والفراغ.
Twitter: @ihaidar62