الرئيسية / home slide / “تفاهم مار مخايل” إلى متى مراوحته بين الحياة والموت؟

“تفاهم مار مخايل” إلى متى مراوحته بين الحياة والموت؟

14-02-2023 | 00:15 المصدر: “النهار”

ابراهيم بيرم

ابراهيم بيرم

نصرالله وعون (أرشيفية).

نصرالله وعون (أرشيفية).

منذ زيارة وفد “#حزب الله” الى الرابية للسلام على الرئيس السابق ميشال عون، انقطعت أخبار “#تفاهم مار مخايل“، وبدا كأنه دخل طور الستر والالتباس، فلم يعد يُعرف ما اذا كان هذا التفاهم الذي دخل قبل ايام عامه السابع عشر قد قارب انتهاء المفعول بعدما خارت جهود اعادة بعث الحياة فيه، ام انه أُدخِل الى غرفة العناية المركزة حيث فرص الحياة تتساوى مع فرص الموت.

الحزب من جهته مضى قدماً في مسار إشهار الرغبة والحاجة الى إطالة عمر هذا التفاهم، اذ بادر غالب أبو زينب أحد قياديي الحزب الذين ساهموا في نسج خيوط هذا التفاهم على مدى اكثر من 3 أشهر لإخراجه من الغرف المعتمة الى دائرة الضوء، الى تعميم مقال ظهر في أكثر من وسيلة اعلامية وكأنه وجهة نظر الحزب، يبين فيه ان التفاهم “ضرورة وطنية بامتياز”. وبعدما عدّد “الإنجازات” التي حققها اكد ان “ليس من مصلحة لأيّ من طرفيه في التحلل من موجباته واعتباره نسياً منسياً أو كأنه لم يكن”.

وفي المقابل، لاقى “التيارالوطني الحر” هذه المناسبة بقدر عالٍ من البرودة وعدم الحفاوة. والواضح ان هذا التضاد قد عكس واقع الحال الذي آل اليه طرفا التفاهم وطريقة كل منهما لمقاربته. فالحزب يبدو في وضع “المجاهد” للحيلولة دون انصرام حبله وانفراط عقده فيما نجح “التيار” خلال الاشهر القليلة الماضية في وضع الحزب أمام خيارين أحلاهما مُر بالنسبة اليه، فإدامة التفاهم وبعث الروح في جسده المتهالك في مقابل تبديل الحزب موقفه من الملف الرئاسي، يعني تخلّيه عن خياره الحصري.

النظرية المعلنة لـ”التيار” لتبرير هذا السلوك صارت واضحة، وجوهرها اننا نريد هذا التفاهم ولكننا نرى لزوم تطويره واعادة النظر فيه. فنسخته الاولى لم تعد صالحة اطلاقا، ولكن المشكلة هي عند الشريك الذي ما انفك يتعاطى مع التفاهم كأمر واقع وقائم كما وُلد، وتاليا فهو غير مستعد لبذل اي تضحيات او تنازلات.

يمكن للحزب ان يردّ على المتوجهين اليه بالسؤال فيقدم براهين على انه بذل اقصى الجهود للمحافظة على هذا التفاهم منذ سريان موجة الكلام والتكهنات عن تعثّره وبلوغه نهاية العمر الافتراضي أو اصطدامه بحائط مسدود، واكثر تحديدا منذ ان بدأ “التيار” يوحي بانه قد خسر من هذا التفاهم لاعتبارات شتى يضعها في خانة أمرين:

الاول، ان الحزب قد ترك الرئيس عون وحيدا ولم يسارع الى نجدته بعدما هبّت الحملات عليه من اكثر من جانب، ومنهم حليف الحزب الاقرب أي حركة “امل” ورئيسها الرئيس نبيه بري.
الثاني، ان الحزب ترك “التيار” بمجرد خروج العماد عون من قصر بعبدا في نهاية ولايته الرئاسية والتحق بخيارات رئيس حكومة تصريف الاعمال منذ ان جعل نفسه سندا اساسيا لدعوته الى عقد جلسات لحكومته، مع علمه بان “التيار” يشكك في شرعية هذه الجلسات وميثاقيتها في ظل الشغور الرئاسي.

ولقد تجسدت ذروة الضوء في توجه الحزب للحفاظ على التفاهم والتأكيد على انه ليس في وارد الخروج منه مادام هناك بصيص ضوء او فرصة لإطالة أمده في محطتين: الاولى زيارة وفد الحزب الموسع الى الرابية برئاسة النائب محمد رعد حيث نقل الى الرئيس عون رسالة تقدير وشكر من سيد الحزب على ادائه وجهوده ابان وجوده في قصر بعبدا، وان العماد عون قد رد على التحية بمثلها ولم يصدر عنه إلا كل كلام طيب خلافا لما أشاعه البعض.

والثانية تجلت في زيارة معاون الامين العام للحزب حسين الخليل والمسؤول عن وحدة الارتباط في الحزب وفيق صفا الى المقر الرئيسي لـ”التيار” في ميرنا الشالوحي للقاء رئيسه النائب جبران باسيل.

واذا كان الحزب وفق مصادر فيه يعتبر ان زيارة الرابية هي ذات طابع بروتوكولي، فان الجهات المعنية في الحزب تنطلق في تقييمها وقراءتها العميقة لمستقبل العلاقة مع “التيار” من خلال نتائج زيارة ميرنا الشالوحي والحوار المعمق الذي استمر اكثر من ثلاث ساعات مع باسيل. وعلى رغم ان الاتصالات بين الطرفين بقيت مستمرة عبر قنوات تنسيق معهودة، فان الحزب ما زال يتوقف ملياً عند أبعاد تلك الزيارة ومضمون ما قاله باسيل وما طرحه.

فلقد اتضح بعدها للدوائر المعنية في الحزب ان الرجل ابدى تمسكاً بمعادلة: إدامة التفاهم في مقابل ان يصرف الحزب النظر عن خياره الرئاسي. وبمعنى اوضح ابلغ باسيل الى الوفد ان الطريق الى ادامة التفاهم يمر عبر تخليكم عن رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية كمرشح حصري لكم والتوجه معي للتفكير بخيار آخر نتقاطع على دعمه وخوض معركته.

في حينه، وبحسب المصادر عينها، ابدى الوفد برودة اعصاب وتفهماً لموقف باسيل لجهة اعتراضه المعلوم سلفا على خيار العمل لترئيس زعيم “المردة” من منطلق ان لكل طرف حساباته وخياراته السياسية الموائمة لمصالحه وله بطبيعة الحال حرية المفاضلة والمقارنة، ولكن ليس من حقه وفق قواعد التفاهمات السياسية المعمول بها ان يفرض على الشريك تلك الحسابات وهذه الخيارات من باب إما هذه وإما القطيعة والفراق.

ومع ذلك، وفي سعيّ من عضوي الوفد الى “ربط النزاع ومحاولة ضبطه إن امكن”، تمنيا على باسيل تزويد الحزب بلائحة اسماء ينتقيها من باب انها ستشكل قاسما مشتركا لتزكيتها لينظر الحزب فيها لاحقا بتعمق ولتكون خيارا احتياطيا اذا ما قررت قيادة الحزب يوما ما ان تضع “الخطة ب” في الموضوع الرئاسي. وقد رفض الوفد ان يعطي باسيل وعداً بإمكان ان يتخلى عن مرشحه الحصري المعروف للرئاسة الاولى.

ولمّا تأخر باسيل في ارسال لائحة الاسماء التي وعد بها بادر المعنيون في الحزب الى الاتصال به مذكّرين اياه بضرورة ارسال تلك اللائحة الموعودة، فكان ان وعد مجددا بالايفاء بالوعد، لكن شيئا من هذا القبيل لم يصل الى حارة حريك رغم مرور اكثر من ثلاثة اسابيع.

وأياً يكن من أمر تلك التطورات، فان الحزب ما زال مقيماً على معادلة ان التفاهم ضرورة لطرفيه وانه لن يألو جهدا في سبيل اطالة عمره وتطوير فاعليته، لذا فانه لايزال ينتظر الكلمة الفصل من الشريك ليبني على الشيء مقتضاه.

وعلى ما تخمّن بعض الدوائر المعنية في الحزب، فان هذا الشريك قد وجد في الوضع الحالي للتفاهم، وهو المراوحة بين الحياة والموت، مصلحة له.