اخبار عاجلة
الرئيسية / home slide / تعايش أم تنافس؟عبد الوهاب وأم كلثوم في حياة أسمهان

تعايش أم تنافس؟عبد الوهاب وأم كلثوم في حياة أسمهان

أشرف غريب

السبت 2023/07/22

غنت فقط فى يوم سعيد.غنت فقط فى يوم سعيد.

من غرام وانتقاممن غرام وانتقام

أسمهانأسمهان

 رحلت أسمهان ورحلت معها مفاتيح ألغاز حياتها الكثيرة، غرقت في مياه النيل في الرابع عشر من تموز 1944 بالقرب من مدينة المنصورة في دلتا مصر من دون أن يطفو على السطح أي شيء من أسرار حياتها التي استقرت معها في قاع النهر، ومع ذلك فالقليل الذي رشَح لنا من تجاربها الحياتية الكثيرة في هذا العمر القصير يحمل كل مفردات الإثارة والتشويق.

هاكم مثلا طبيعة علاقتها بكل من محمد عبد الوهاب وأم كلثوم أكبر إسمين في عالم الغناء عاصرتا تجربة أسمهان المطربة نهايات الثلاثينيات وبدايات الأربعينيات من القرن الماضي.

(بدايات أم كلثوم)
حتى العام 1939 لم تذكر أي من المراجع والدراسات التي توقفت أمام سيرة المطربة الراحلة شيئا عن بداية التعارف بينها وبين عبد الوهاب، وإن كان منطق الأمور يقول إن تعارفاً ما قد حدث قبل سفرها إلى الى السويداء المرة الأولى، واقترانها بزوجها الأول الأمير حسن الأطرش على الأقل بحكم بداية عملها بالغناء في الصالات أو حتى بحكم اشتغال شقيقها فريد الأطرش ومزاملة عبد الوهاب في عالم الطرب، لكننا يمكن الجزم بأن العلاقة الحقيقية بين عبد الوهاب وأسمهان بدأت سنة 1939 أثناء التحضير لفيلمه الرابع “يوم سعيد” حينما اتصل عبد الوهاب بفريد الأطرش وطلب منه لقاء أسمهان بمقر شركة بيضا فون، التي يقال إن الموسيقار الكبير كان شريكا فيها، وهناك وفي حضور فريد وفؤاد الأطرش – بحسب صحيفة الصباح – اتفق معها علي غناء أوبريت “مجنون ليلى” وأغنية “محلاها عيشة الفلاح” ضمن أحداث الفيلم المذكور من دون أن تظهر صورتها علي الشاشة تحسبا لرد فعل آل الأطرش في الشام علي حد قول أسمهان للصحافي محمد التابعي صديقها الحميم والذي وضع واحدا من أشهر الكتب التي تناولت سيرتها، وأضافت أنها أعجبت بفن عبد الوهاب، بل واستسلمت لمغازلته، وبادلته هي الأخرى ذلك الغزل في بادئ الأمر، إلا أنها أدركت سريعا أنه ليس ذلك الرجل الذي يثير عاطفتها، فبدأت تصدّه من دون أن ترفض صداقته، وربما هذا يفسر سرّ العلاقة الباهتة التي جمعت بين الاثنين بعد فيلم “يوم سعيد” وعدم سعي أحدهما لاستمرار التعاون الفني بينهما، يقول عبد الوهاب في حواراته مع الكاتب سعد الدين وهبه واصفاً صوت أسمهان أنه حين يستمع لها كان يشعر أن صوتاً آتياً من السماء، من عالم لم نعرفه جاء ليمتعنا، صوت لا شبيه له ولا نظير، لا تعرف ما إذا كان يغني على الطريقة الأوروبية أو يضرب بجذوره في صميم أصولنا الشرقية، ثم يضيف: لا تصدّق أحدا إذا قال لك أن هذه المطربة أو تلك تنتمي إلى مدرسة أسمهان. إنها كانت مدرسة متفردة في ذاتها حتى لو حاولت الأخريات تقليدها، وفسر عبد الوهاب عدم تعاونه مع هذا الصوت الذى يجله بعد تجربة “يوم سعيد” بأنه القدر الذي جعل أسمهان كثيرة الأسفار وعدم الاستقرار كثيرا في القاهرة قبل أن يختطفها الموت وهي في عز شبابها.

   (بدايات عبد الوهاب)
 أما أم كلثوم التي ردّد الكثيرون أنها أكثر الناس استفادة من موت أسمهان، بل وذهب البعض لوضعها على لائحة الاتهام بغرقها على اعتبار أن أسمهان لو عاشت لهددت عرش سيدة الغناء العربي، فإن كل المقرّبين منهما كانوا يجمعون على أن العلاقة بينهما كانت مزيجاً من الود والاحترام على عكس ما حاول الآخرون الإيهام بغير ذلك، بل إن أسمهان كانت تحفظ كل أغنيات أم كثوم عن ظهر قلب، وأنها حينما أسمعت صوتها للموسيقار داود حسني للمرة الأولى غنت أحد أعماله لكوكب الشرق، ويذكر فريد الأطرش في مذكراته التي أملاها للصحافي المصري فوميل لبيب تحت عنوان “لحن الخلود” أنّ أسعد لحظات شقيقته كانت حينما تأتي أم كلثوم لزيارتهم، فتجلس أسمهان علي الأرض تستمع إليها وتحفظ عنها في نشوة بالغة، وأن علياء المنذر والدة أسمهان كانت تغني في الفترة البسيطة التي عملت فيها بالغناء بعض أغنيات أم كلثوم إلى جانب ما تيسّر من غناء الشام، وربما هذا الذي دعا أسمهان في بادئ الأمر إلى التعلّق بأغنيات كوكب الشرق، وهو ما أكد عليه شقيقها فؤاد الأطرش في مقال كتبه لمجلة “الكواكب” سنة 1966 وأعادت المجلة نشره في العاشر من شباط 1976 مشيرا فيه إلى أن أسمهان بعد ثلاث سنوات من زواجها الأول وسفرها إلى جبل الدروز طلبت ترتيب زيارة لها إلى القاهرة شريطة أن تلتقي خلالها بأم كلثوم، أما محمد التابعي فيذكر أن أسمهان كانت حريصة على حضور كل حفلات أم كلثوم، وأنها كثيرا ما طلبت منه حجز بنوار لها في تلك الحفلات، صحيح أنه أورد أن أسمهان رفضت أن تشارك في حفل خاص دعت إليه إحدى أميرات الأسرة المالكة في مصر لعلمها بوجود أم كلثوم، لكنه يفسر ذلك بأن أسمهان لم تكن تطيق أن تكون (رقم 2) في أي مكان تتواجد فيه، أما أسمهان نفسها فصرحت في شباط العام 1940 لمجلة الاثنين التي كانت تصدرها دار الهلال بأنها تدين بفضل حب الغناء إلى المغنية العالمية جانيت ماكدونالد وأم كلثوم.   

وبالنسبة لأم كلثوم ذاتها فلم يذكر أي من معاصريها أو أحد أصدقائها أنها نظرت إلى أسمهان نظرة المنافس في يوم من الأيام، وقال الصحافي مصطفى أمين الذي شاع أنه كان زوجاً لأم كلثوم أنها حزنتْ حزناً شديداً على حادث موت أسمهان، وأنها كانت تلتقيها كثيراً في مصيف رأس البر، ذلك المصيف الذي كانت تتجه إليه أسمهان في رحلتها الأخيرة قبل غرقها في النيل، وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فإن الناقد الفني كمال النجمي يقول في معرض الحديث عن أسمهان وأم كلثوم: “الحقيقة أن أسمهان كانت صاحبة أجمل صوت نسائي ظهر في عصرنا بعد صوت أم كلثوم، وهو يحتلّ المكان الثاني بعد أم كلثوم، وهو مكان ضخم لأن أم كلثوم منذ ظهورها تحتل المكان الأول وليس وراءها مكان ثانٍ ولا ثالث تحتله مطربة أخرى، ولم يعرف المستمعون مطربة ثانية بعد أم كلثوم إلا في الفترة التي عاشتها أسمهان”. 

حجم الخط

مشاركة عبر