الرئيسية / home slide / “تسع سنوات تهدّمت بثوانٍ”… نهى المحرّم تعيد الروح إلى “غاليري آرت أون 56”

“تسع سنوات تهدّمت بثوانٍ”… نهى المحرّم تعيد الروح إلى “غاليري آرت أون 56”

10-12-2020 | 17:04 المصدر: “النهار”فاطمة عبدالله

من هذه العتمة لا بدّ أن يولد الأمل.

 يدفع الفضول إلى سؤال نهى المحرّم، مؤسِّسة “غاليري آرت أون 56″، عما إذا كانت صاحبة صورة بروفايل “الواتساب”، كشيء من إضفاء الحميمية على الحوار الهاتفيّ. “نعم، أنا، قبل الانفجار. الآن أشعر كأنّني كبرتُ عشر سنوات”. تفضّل عدم “النقّ”، وإن تحطّمت الغاليري في الجمّيزة ولم يبقَ منها سوى الحسرة، وإن أصيبت بقدمها وبتهشّمات في الروح. مناسبة الاتصال، إعادة افتتاح هذا الحيّز الثقافي في 11 الجاري، أي في الغد، للتأكيد بأنّ بيروت لا تموت، وعلى أرض الجحيم هذه ما يستحقّ المحاولة. 

 بقيت الشابة اللبنانية الآتية من أميركا أكثر من ثلاثة أسابيع وهي عاجزة عن معاينة الخراب. تلك الغاليري المولودة في العام 2011، تشبه الجمّيزة كثيراً، بروحيّتها ونَفَسها التراثي والعمران العائد إلى الحقبة الفرنسية قبل مئة عام. تتذكر كيف لمعت في بالها فكرة إنشاء هذه المساحة الثقافية؛ هي المتخصّصة أصلاً في البزنس بين لندن وأميركا. لم يفارقها شغف المعارض، ولكن ما جعل المسألة تلحّ، هي رؤيتها ذات يوم صبياناً بعمر ابنتها، نحو 7 سنوات، يتعاركون في السياسة، “وزعيمي أقوى من زعيمك”! “ذُهلت. ابنتي لا تعرف مَن هو الحريري ومَن هو (حزب الله). آلمني أن أرى أطفالاً بهذا العُمر يردّدون ما يسمعون. شعرتُ بمسؤولية تجاه إيجاد فسحة ثقافية قادرة على توسيع الآفاق. في بيروت غاليريهات بعضها يقفل وبعضها يهتزّ. علاقتي بالأولاد والمدارس جعلتني أفكّر في بداية ما. هالني زجّ الطفولة، أيضاً، في الصندوق. هذه جريمة”. 

 استأجرت مبنى في مار مخايل و”نفضته” مع صديق. تطلّب العمل نحو تسعة أشهر حتى وُلدت “غاليري آرت أون 56”. بالنسبة إلى المحرّم، لا يغيّر الفنّ البشر تماماً، لكنّه قادر على توسيع مداركهم، فلا تضيق بهم المساحة. ثم وقع زلزال آب، فلم يُبقِ أحلاماً في الزوايا. “عدنا إلى الوراء. زيرو. تسع سنوات تهدّمت في ثوانٍ. كان الانفجار مرعباً. اليوم نعود لأنّنا أبناء إرادة. لا نريد المشهد الثقافي البيروتي أن يموت. لا نريد الجمّيزة أن تختفي. نفضنا الغبار وأعدنا البناء باللحم الحيّ. من أجل بيروت الفن والثقافة والأمل، نفتتح #معرض “Comeback”. الحياة تليق بالمدينة”. 

 ما هو هذا الـ”Comeback”، وماذا تنتظرين؟ ترتبك نهى المحرّم أمام سؤال الانتظار والغد. المعرض هو ما بقي من معرض كانت مقرّرة إقامته في 6 آب بعنوان “الأمل”، فجرفت فاجعة 4 آب الآمال جميعها. وهو مشاركات فنانين يؤمنون ببيروت ووجهها الثقافي، فيبحثون فيها عن قشّة نجاة. “لا أريد انتظار الأشياء”، تجيب بغصّة. “حتى إنّ المعرض يبدأ غداً، من دون أن أحدّد موعداً لختامه. أتركه مفتوحاً، فهذه الأيام ليست في الجيب. لا ثبات ولا أمان ولا ضمانة”. 

 في الطريق إلى المستشفى، والدم يغطّيها، شعرت بالرغبة في مغادرة لبنان. ما بنته تدمّر، وما حلمت به تبخّر في الهواء. “أنا مجنونة”، تقول، وتكرّرها بالإنكليزية: “Crazy”. “لا أزال أؤمن بهذا البلد وأتمسّك به، ولا أقوى على العيش في مكان آخر. كنتُ أمام خيارين: الرحيل أو البقاء برغم الدمار. فبقيت. تذكّرت حين عدنا بعد الانفجار ولملمنا ما تخرَّب على ضوء الهاتف. تألّمنا كثيراً من أجل بيروت. هذه مدينتنا التي لا تشبه سواها. مدينة الحياة مهما نزفت”. 

 الجمّيزة ليست فقط مطاعم وحانات. هي شيءٌ من فرادة الجمال الثقافي البيروتي. “بدي ترجع تعيش. هذا الحزن في العيون قاسٍ. اللمعة فُقدت. الوهج انطفأ”. ليس المعرض من أجل تحقيق الربح وهو غرضٌ مشروع مع الانهيار الجنونيّ. لكنّه أولاً من أجل المدينة وإنسانها. والصمود والاستمرار والنهوض. “عندي أمل، وإلا وضّبتُ الحقائب، أمسكتُ بأولادي وهاجرت. يحاولون سلبنا شرارات الضوء الضئيلة. لن نسمح لهم. الكلّ في مجاله سيحول دون موت المدينة. إلى أن يزول الكابوس وينقشع الغيم الأسود. أمكن بسهولة أن أهاجر إلى أميركا، وأؤمّن لعائلتي أياماً أقلّ أسى. لم أفعل. أردتُهم أن يكبروا مع العائلة وتيتا وجدّو. بيروت هي الحياة”. 

fatima.abdallah@annahar.com.lbTwitter: @abdallah_fatima الكلمات الدالة