
غادة السمان
Jun 23, 2018
سُرَّ الكثيرون بزواج الأمير البريطاني هاري من ميغن ماركل الممثلة نصف الزنجية الأمريكية المطلقة التي تكبره سناً. ولقبتها مجلة (فواسي الفرنسية 14-6) بجوهرة التاج. سرتني أصولها الزنجية. وتعيد الفضائيات بث شريط ذلك العرس. ها هي ميغن ماركل واحدة من نسل «أبناء العاهرات» كما يسمّيهم الرئيس ترامب (بمناسبة عدم قيام بعض اللاعبين الامريكيين الزنوج بالوقوف احتراماً للنشيد الوطني قبل المباراة، احتجاجاً على اضطهادهم كزنوج). وجد ترامب ذريعة في غلطتهم هذه ليفيض بما لديه من (حب!) عنصري للزنوج!
دوريا تأسر القلوب
أما والدة ميغن الزنجية كما تشهد ملامح وجهها فقد دمعت بهجة بزواج ابنتها كما كل أم.. وبكل بساطة وتواضع وكبرياء، وأضاء جمالها الزنجي قاعة كنيسة «سان جورج» في وندسور قرب لندن. وكم أسعدني الحضور الزنجي الكثيف في الكنيسة إبداعاً فنياً ورقياً إنسانياً.. هذا إلى جانب الملكة اليزابيث التي تبدو أن الزمن علّمها وزوجها وابنهما ولي العهد تشارلز الانفتاح على المختلف.. وانقضى الزمان الذي اضطر فيه الملك البريطاني إدوارد الثامن التخلي عن العرش عام 1937 وذلك للزواج من إمراة عشقها هي واليس سبمسون وكانت مثل ميغان مطلقة وأمريكية ومن عامة الشعب وكان ذلك بموجب المرسوم الذي أصدره الملك جورج الثامن عام 1772 بتحريم زواج ملك بريطاني من مطلقة أو من عامة الشعب!..
الأمير هاري لاحظ أن للزنجية لون الدم ذاته والدموع ذاتها ولا فارق بين الأبيض والأسود والأصفر والأسمر.. وأن لون البشرة لا يقرر درجة صاحبها في سلّم الإنسانية..
وكان حضور المغنية الزنجية التي غنت في الحفل مع كورس زنجي جميلاً، وأضاف القس الأسود الأمريكي فيل وليامز لمسة استثنائية إذ انه كان الزنجي الأول في زفاف ملكي أوروبي..
وكم سرّني أن أرى ميغان على الشرفة الملكية البريطانية في عيد ميلاد الملكة اليزابيث (92 سنة) ووقوفها مع بقية أعضاء الأسرة البريطانية المالكة التي يحبها معظم الشعب، ميغان بأصولها نصف الزنجية والأمير هاري زوجها بشعره الأحمر وبشرته ناصعة البياض!
حكاية خرافية؟ لا… بل تطور!
كثيرون وجدوا في هذا الزواج حكاية أسطورية كحكاية سندريلا مثلاً. من طرفي وجدت فيها حكاية عصرية لتطور صحي في سياق عقلنة كون المرأة مطلقة أو زنجية الجذور أو تكبر العريس الأمير سناً.. إنه التطور الصحي الجميل الذي يسجل للعائلة البريطانية المالكة ولإبنه 92 سنة الملكة اليزابيث. ويبقى أن نتطور نحن كعرب ونساير العصر بدلاً من الهرب إلى الماضي..
وعلينا استيحاء الماضي من دون المشي على وقع خطاه بل على ضوئه.
ديانا والدة هاري (إبنة اللورد) إكتشفت خيانة زوجها الأمير تشارلز بعدما عاشت في نفق الأوهام وماتت في نفق (الألما) الذي يقع قرب بيتي ولا تمر به سيارتي إلا وأتذكرها أمام العمود 13 حيث اصطدمت به سيارتها وقضت نحبها بعد ذلك بساعات مع عشيق آخر لعلها كانت على وشك الزواج منه: المسلم دودي الفايد إبن المليونير المصري الشهير الفايد صاحب مخازن «هارودز اللندنية» الذي رفضوا منحه الجنسية البريطانية. الأمير تشارلز تزوج ديانا حسب الأصول وهو يحب غيرها (كاميلا) أما هاري فتمرد على ذلك كله وتزوج ميغن. ولأن الحديث عن الأعراس يجر أحياناً الحديث عن المأتم، أنتقل الى عرس آخر حدث في الهند مؤخراً وذهب العريس ضحيته.
عادة متخلفة إطلاق الرصاص ابتهاجاً!
لم يطلق أحد الرصاص في وندسور أو حول بكنغهام بالاس لندن ابتهاجاً بزواج هاري كما حدث في الهند مثلاً في زفاف سوئيل فيرما (25 سنة) حين أطلق المحبون الرصاص احتفالاً بزواجه وأصابت العريس طلقة قتلته!! (ومن التخلف ما قتل!!).
والموضوع يخصنا وليس مجرد خبر (طريف وأليم) نطالعه في الصحف.
فعادة إطلاق الرصاص (الاحتفالي!) الذميمة في بعض عالمنا العربي ونعاني في لبنان من ذلك كواحدة من علائم التخلف.
بيان الرئيس بري لم يكبحهم
تصادف أن كنت في بيروت يوم اجتماع المجلس النيابي الجديد لانتخاب رئيس له. وتوقع الجميع فوز الرئيس نبيه بري ويبدو أن بري كان منهم أيضاً إذ أصدر بياناً يطلب فيه من أنصاره عدم إطلاق الرصاص ابتهاجاً إذا تم انتخابه وسررت بذلك لكي أنام بسلام فأنا من جيرانه.
وكان بيان الرئيس بري غاية في الوضوح.. ولكن الرصاص انطلق بعد انتخابه وروّع أطفال الحي. وابتعدت عن شرفتي ونوافذي في محاولة للنجاة من الموت برصاصة ابتهاج طائشة. ولن أفهم يوماً اقتران كلمة الرصاص بـ (الاحتفال). ولم أدهش، ولأن بيان الرئيس بري لم يقنع مؤيدية ومناصريه وشهروا بنادقهم ورشاشاتهم وأطلقوا نيرانهم على السماء (لماذا؟) أو على الجيران مثلي (لماذا أيضاً؟) ويبدو ان بياناً لا يكفي لتبديل عادات مرذولة..
التربية المدنية في البيت والمدرسة أولاً
ما فعله أنصار الرئيس بري ليس حادثاً فردياً منعزلاً ولطالما قتل الكثيرون على الشرفات في (هياج) إطلاق النيران ابتهاجاً.. بهذا أو ذاك وليس بوسع بيان كبح عادات متأصلة.. ولا بد من التربية المدنية منذ نعومة أظفار الجيل الآتي، في المدرسة والبيت وعدم اقتران صفة الرجولة بحمل السلاح إلا ضد العدو وبعدم إطلاقه على غير الهدف الحقيقي، وعدم الإلفة مع وجود السلاح في البيت مع الأب إذا لم يكن من رجال الشرطة أو الجيش لا سلاحاً ميليشياوياً لأي ذريعة (وطنية) تحريرية.