عبد معروف
القدس العربي
23052021
أدّت الأزمة الاقتصاديّة والمعيشيّة التي يمرّ بها لبنان والتي تفاقمت خلال السنوات الأخيرة مع تفشي وباء كورونا، إلى مشكلات اجتماعية خطيرة جداً، أبرزها تراجع معدلات الزواج مقابل ارتفاع في نسب الطلاق، حيث تظهر الأرقام الرسمية، تراجعا ملحوظا في عقود الزواج خلال الأشهر القليلة الماضية بنسبة 50 في المئة، بينما شهدت عقود الطلاق ارتفاعاً في عام 2020 والأشهر الماضية من العام الحالي، مقارنةً بعام 2019 بنسبة 45 في المئة.
فقد تركت الأزمة الاقتصادية وتفشي وباء كورونا تداعياتها على الأوضاع في لبنان، فأغلقت آلاف المؤسسات وصرف عشرات آلاف العمال وانكمشت الحركة التجارية بنسبة 50 في المئة وتراجعت القدرة الشرائية بفعل ارتفاع الأسعار وانهيار سعر صرف الليرة مقابل العملات الأجنبية. ومن تداعياتها الاجتماعية تراجع معدلات الزواج والطلاق والولادات في العام 2020 و2021 مقارنة بالعام 2019 ومقارنة بمتوسط الأعوام الخمسة الأخيرة (2015-2019).
ونتيجة لهذه الأزمة كان من الطبيعي أن يحصل إحجام عن الزواج، كما أن العديد من النساء توقفن عن الحمل خوفاً من تأثير كورونا على فترة الحمل والولادة.
المستقبل المجهول
ولا يخفي رجال الدين من المسيحيين والمسلمين على حد سواء، تراجع معدلات الزواج وعقود القران، مع ارتفاع ملحوظ في حالات الطلاق في لبنان. وفي السياق، يؤكد الشيخ عمر قدورة لـ»القدس العربي»: «أنّ هناك تراجعًا ملحوظا بمعدّلات الزواج خلال هذه المرحلة» وفي رأيه، إن أهم أسباب تراجع معدلات الزواج، وارتفاع حالات الطلاق في لبنان المباشرة يعود لتراجع الدخل والإنتاج وعدم وجود العمل والوظائف والظروف السياسية والاقتصادية البعيدة عن الاستقرار والاضطرابات النفسية التي تسود المجتمع إضافة إلى هجرة الشباب إلى بلاد الغرب والمستقبل المجهول والمعاناة التي يعيشها الناس في ظل الظروف الراهنة بعيدا عن أي استقرار نفسي حاضرا ولا مستقبلا بسبب عدم وجود الدخل المطلوب هذه في رأيي أهم الأسباب».
وأضاف: «هناك حالة تُعتبر أخطر بكثير من تراجع معدّل الزواج في لبنان وهي ارتفاع حالات الطلاق خاصة قبل الزواج أيّ فسخ الخطوبة بعد الاتفاق على موعد الزفاف». ويشدد الشيخ قدورة على أن «الطلاق أبغض الحلال» لكنه ربما يكون حلا لبعض الأزمات الصعبة التي بدأت تمر بها الأسرة مع الانهيار الاقتصادي والوطني العام.
وفي رأي المطران يوسف رزق «حين تصاعدت حدّة الأزمة الاقتصادية، توقفت جزئيًا معاملات الزواج لأنّ الناس فعليًا لا تُدرك ماهية مستقبلها بسبب الظروف الراهنة، ولكن هذا يختلف بحسب الأبرشيات والمناطق».
ويؤكد المطران رزق على أن «معدّل الإنجاب متراجع جدًا وبشكلٍ ملحوظ، فالناس خائفة على مستقبلها، فمن تمكّن من الزواج يتردّد في مسألة الإنجاب» مشيرا إلى أن الكنيسة تسمي الطلاق «بطلان زواج» لأنه لا يوجد طلاق في الكنيسة، يسمى الطلاق إعلان بطلان الزواج، وللأسف إن هذه الظاهرة تزيد بشكل لافت وملحوظ.
ويذكر المطران «لم نكن نسمع عن طلاق إذ لم يكن موجودا، كان الناس يرددون (زواج ماروني) أو (زواج مسيحي) أي زواج أبدي بدون طلاق، للأسف اليوم يتمسكون بطرق قانونية ومدنية وغيرها لإعلان بطلان زواج».
تراجع في تكوين الأسر
وتوضح دراسة أعدها «مركز الدولية للمعلومات» في بيروت، مسار الارتفاع في نسب الطلاق خلال الأعوام الماضية «في عام 2009 سُجّل 40 ألف و565 عقد زواج مقابل 5 آلاف و957 عقد طلاق، وفي عام 2015 ارتفعت عقود الزواج إلى 41 ألف و417 مقابل ارتفاع عقود الطلاق إلى 7 آلاف و505 عقد، أمّا في عام 2019 فانخفضت عقود الزواج إلى 34 ألف و67 وارتفعت عقود الطلاق إلى 7 آلاف و646».
وتشير الدراسة إلى أنّه «بالمقارنة بين هذه النسب منذ عام 2009 إلى عام 2019 تبيّن أنّ عقود الزواج ارتفعت بنسبة 16 في المئة بينما ارتفعت عقود الطلاق بنسبة 28 في المئة. وسنة 2020 بلغت عقود الزواج 22 ألف بينما بلغت عقود الطلاق 8 آلاف و100 ما يُظهر ارتفاع كبير بنسبة الطلاق وتراجع في عقود الزواج، بحسب الدراسة: في التدقيق في هذه العقود، يتبيّن أنّ 65 في المئة من عقود الطلاق تعود للسنوات الأخيرة، أي أنّها عقود جديدة وليست قديمة. وبالتالي هذه ظاهرة لافتة وفق الدراسة، ويُفترض من الباحثين في القضايا الاجتماعية أن يتنبّهوا لها، بحيث يُمكن أن نشهد تراجعاً في تكوين الأسر اللبنانية، فضلاً عن تداعيات الطلاق على الأولاد ما يؤدي إلى مشكلات اجتماعية كبيرة.
أمّا المقارنة بين عام 1999 إلى عام 2019 تظهر أنّه خلال الأعوام العشرين الماضية ارتفعت معدلات الزواج بنسبة 22 في المئة بينما عقود الطلاق ارتفعت بنسبة 137 في المئة. وتقول الدراسة: كان لبنان يشهد في الماضي 5 آلاف و500 حالة طلاق في العام فيما تجاوزت حالات الطلاق 8 آلاف و500 كارتفاع متوسط خلال العقود الماضية، وهذه نسبة مرتفعة جداً. كذلك ارتفعت نسبة الطلاق في سنة 2020 مقارنةً بعام 2019 بـ25 في المئة. وقد تكون نسبة الطلاق أكبر ولم نعلم بحالات طلاق عدة، لأنّ هناك من يسجّلون طلاقهم جرّاء الحجر أو لأنّهم لم ينجبوا أولاداً.
بحسب الدراسة هذه الأرقام الرسمية تشمل جميع اللبنانيين من مختلف الطوائف والمناطق. وإنّ نسبة الطلاق لدى المسلمين أكبر من تلك لدى المسيحيين، نظراً إلى طبيعة الأحوال الشخصية لدى المسلمين التي تسمح بالطلاق فيما أنّ أمام الطلاق لدى المسيحيين صعوبات وعقبات متعدّدة.
الأزمة الاقتصادية
لا شك بأن للأزمة الاقتصادية المعيشية تأثير مباشر وكبير في تراجع عقود الزواج وارتفاع عقود الطلاق، تتخوّف في حال استمرّت الأزمة، من أن يحصل ارتفاع أكبر في نسب الطلاق، فهناك نمط اجتماعي معيّن لدى اللبنانيين في عقود الزواج، وإنّ الأزمة الاقتصادية تجعلهم يتخلون عن كثير من هذه الأمور، ما يدفع كثير من الأشخاص إلى أن يفضلوا التخلي عن فكرة الزواج من أساسها على أن يتخلوا عن بعض الأمور المرافقة للزواج من احتفالات وغيرها. لذلك، فإن لبنان أمام تحدٍ اجتماعي كبير جداً سيؤدي إلى تبدُّل في المفاهيم والأولويات لدى اللبنانيين.
وهذا مؤشر خطير، لأنّ الشباب هو المنتج في المجتمع. ويجب رصد مخاطر هذا الأمر منذ الآن، وعلى مدى عشر سنوات يبدأ تأثيره في الظهور، ولا يمكن إدراك هذا الأمر في غضون سنة أو سنتين، لكن في حال استمر هذا الوضع لسنوات مقبلة سيتظهّر بالتأكيد، بحيث هناك هجرة وتراجع في الزواج وتراجع في معدلات الولادات وبالتالي تراجع في الفئات الشابة وارتفاع في نسبة من هم في أعمار مرتفعة، ما يؤدي إلى مشكلات اجتماعية واقتصادية خطيرة، وهذا مؤشر إلى تراجع حيوية الشعب اللبناني.
الحجر بسبب كورونا
ولهذا، فمن المتوقع ارتفاع نسب الطلاق في السنوات المقبلة بسبب الأزمة الاقتصادية، وقد يكون الحجر الصحي بسبب كورونا عاملاً مؤثراً لارتفاع هذه النسب أيضاً، وإنّ استمرار هذا الوضع في الأشهر المقبلة قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات الطلاق وإحجام الناس عن الزواج.
وفي رأي المختار ابراهيم عنتر إن الأوضاع العامة التي يعيشها لبنان انعكست بشكل سلبي على الواقع الإنساني عامة ومنها حالات الزواج والطلاق.
وأضاف المختار عنتر لـ»القدس العربي»: «لا يخفى على أحد أن اللبنانيين أصبحوا في الدرك الأسفل من الواقع المعيشي، وهذه الانتكاسات المتتالية وأهمها الانهيار الاقتصادي وانهيار العملة الوطنية، إلى جانب الانقسام السياسي الحاد بين الأطراف اللبنانية، هو السبب الرئيسي لهذا الواقع الإنساني والمعيشي المتردي في لبنان، لذلك بداية النتائج أصبحت واضحة وهي سوء إدارة الدولة اللبنانية، وسوء التعاطي مع هذا الانهيار الاجتماعي، مع استعصاء الأزمة السياسية القائمة بين السياسيين اللبنانيين».
ويعتقد المختار عنتر أن جميع الأطراف السياسية شركاء في هذا الانهيار الذي تسبب بأضرار جسيمة في كل ميادين الحياة وتسبب بأضرار على الواقع الاجتماعي والأخلاقي، والتفلت من عقال الأسرة لكسب العيش في المجالات الصحيحة وغير الصحيحة، وذلك مرجعه لعدم توفر رفص العمل، وعدم قدرة العائلة على سد حاجاتها من الطعام، وأصبح اللبناني لا يفكر إلا كيف يمكن له تأمين الطعام والدواء لأسرته وأطفاله.
وأشار إلى أن «هذا التراجع كان له الأثر الكبير على قطاعات حياتية عدة ومنها قطاع الزواج والطلاق والحياة الأسرية العامة، وأصبح هناك تراجع ملحوظ في حالات الزواج وارتفاع لافت في معدلات الطلاق، وهذا ما نلحظه كمخاتير في هذه الفترة من خلال إنجاز المعاملات، لأن معاملات الزواج والطلاق في السجلات المدنية بعد الإجراءات الشرعية، هي من اختصاص المخاتير (استنادا للقوانين اللبنانية ) لإتمام ما يجب الحصول عليه من أوراق ومستندات في المحاكم الشرعية وأقلام النفوس في وزارة الداخلية».
لذلك، يقول المختار «إذا كان لا يمكننا القول أن معاملات الزواج وعقود القران قد توقفت بشكل كامل، لكن يمكننا أن نجزم بأن عدد معاملات الزواج وعقود القران قد تراجعت بشكل خطير وملحوظ ، كما ارتفعت معاملات الطلاق بشكل مذهل، طبعا بسبب الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد، لكنها أصبحت لافتة وظاهرة اجتماعية مقلقة بعد الانهيار المالي والاقتصادي وموجة الغلاء الفاحش التي تضرب لبنان منذ أكثر من عام» محذرا من أن تراجع حالات الزواج في هذه المرحلة ستكون له انعكاسات صحية اجتماعية خطيرة على الشباب والشابات.
لاشك أن هناك ارتفاعا لافتا في عدد حالات الطلاق بدت واضحة، وتزايدت بشكل خطير ومؤثر على نمط الحياة الاجتماعية في لبنان، وهذه ظاهر مقلقة وخطيرة ستظهر آثارها ومفاعيلها مع السنوات المقبلة على التركيبة الأسرية وعلى الأطفال والعلاقات الاجتماعية. فعندما تراجعت وانخفضت بشكل كبير مداخيل الأسرة، وأصبحت عاجزة عن تأمين لقمة العيش تزايدت الخلافات، ما يجعل البعض يرى الطلاق سبيلا للتخلص من العجز والإحراج الذي وصل إليه، خاصة وأن الأسرة أو الموظف الذي كان يؤمن مصاريف العائلة تدنى مستوى مرتبه وقيمته الشرائية إلى أكثر من 85 في المئة، ليصبح الراتب الشهري فقط 15 في المئة عما كان عليه قبل عام، فلا يستطيع تأمين ضرورات العيش الأسري ولا يستطيع أن يكفي أسرته، علاوة على ذلك الكثير من المؤسسات التجارية أقفلت أبوابها وصرفت موظفيها، وهناك مؤسسات أصبحت تمنح الموظف نصف راتب شهري.