06-10-2021 | 15:19 المصدر: “النهار”


من أجنحة مكتبة “أنطوان” (حسام شبارو).
ترفض السيّدة نهى الفرّا أن تفقد “المتعة الوحيدة خلال يوميّات مكتّظة بالسلبيّات”، والتي تجدها في #قراءة رواياتٍ بالإنكليزية لـ “إميلي غيفين” و”جوجو مويس” والعديد غيرهما على إيقاع الموسيقى، فتحرص على اقتنائها مهما بلغت الصّعوبات التي فرضها انهيار الليرة اللبنانية، وفقدان قيمتها أمام الدولار الذي يُعتمد وحدةً لتسعير الكتب المستوردة.
خيارات القارئة تدور في فلك الاجتماعيّات التي انجذبت إلى كتاباتها الروائيّة في فترة الشباب خلال دراستها العلوم الاجتماعيّة، ولذلك بات “الحصول على إصداراتها الجديدة أمراً صعباً للغاية. أعود من ال#مكتبات خالية الوفاض”.
أخيراً، وجدت الحلّ في طلب الروايات من ابنتها المقيمة في لوس أنجلوس، فصارت تصلها عبر البريد، “بعد فترة وجيزة من إطلاقها في الولايات، وهذا مكسب. لكن سعر الكتاب لا يزال عبئاً كبيراً، لا أريد أن أحمّله لابنتي، ناهيك بتكلفة الشحن.”
وأتى السّفر إلى الخارج بمفاتيح انفراج لـ “إكرام”، طالبة الدكتوراه في السوربون المقيمة في لبنان، فاستغلّت إحدى زياراتها إلى باريس، وخصّصت حقيبة سفر لملئها بالكتب والمراجع الفرنسية التي تدعم بحثها. “دفعت على المطار 60 يورو إضافية. أضحك حين يسألني أصدقائي، كيف لم ترتادي المقاهي؟ أيعقل أنك لم تزوري “ديزني لاند”؟ كيف أشرح لهم أن الباحث اللبنانيّ صار يشعر بنصر عظيم حين يؤمّن مرجعاً أجنبياً، وأنّ السياحة ترفٌ لم نعد بوارده؟”.
يستعرض الطالب الجامعي جو قارح قدرات شرائيّة قد تنسحب على الأغلبيّة الطاغية من القرّاء اللبنانيين “فدخلي محدود، ولا دولارات أستطيع تخصيصها لكتاب باللغة الفرنسية قد يبلغ سعره اليوم 500 ألف ليرة. قبل الأزمة، كنت أخصّص هذا المبلغ لشراء نحو 12 كتاباً من مكتبات بيروت الكبرى، ومنها ما يبلغ ثمنه ألفين أو 10 آلاف ليرة في مكتبات طرابلس التي تبيع كتباً مستعملة أغلبها من الكلاسيكيّات”.
أمّا اليوم، فـ”صار اقتناء سلسلة “تاريخ الجنس” لفوكو أو “الزمان والوقت” لهايدغر يستدعي ثروة أو معجزة. المشكلة أنّني مولع بالثقافة الفرنسية، وأعلم أنّ بعض الكلمات والعبارات المتخصّصة في الأدب لن تبلغ معناها الدقيق سوى بلغتها الأم.”
وعن البدائل “التي لا يُمكن مقارنتها بالكتاب الورقيّ. لجأتُ منذ نحو سنة إلى نسخPDF ” يقول “جو”، الذي صار يُوصي أقرباءه المسافرين إلى فرنسا وأميركا بالاستحصال على نُسخ من الكتب، أو يستعير الكتب من صديق، بل صادر نحو 50 كتاباً من مكتبة جدّه.
ما تقدّم يعكس صورةً لخيبات وحلول، تنقلها “النهار”، ويختبرها مواطنون ليتمكّنوا من اقتناء الكتب الأجنبية، بعدما لامست أسعارها عتبات خيالية، وصار جديدها غير متوافر في الأسواق. فماذا عن المكتبات؟
Librairie Internationale : تقليص التكاليف
منذ افتتاحها في العام 1970، شكّلت Libraire Internationale أحد معالم كليمنصو. أسّسها أنترانيك حلواجيان مدفوعاً بحلمه، بعدما اضطر إلى ترك التعليم باكراً، فبدأ عمله في مكتبة غلوريا، ثمّ أنشأ الفرع الأوّل لمكتبته في العام 1960 في شارع فينيسيا.
صورة السيد أنترانيك محفوظة في ذاكرة من اعتادوا المرور في شارع الجفينور الذي يحتضن المكتبة. يجلس مدخّناً غليونه، يستقبل أرتالَ القرّاء، ويُنظّم تواقيع الكتب، أو يشرف على مشاركات المكتبة في الصالونات الأدبية الشهيرة. على مرّ السنين، قدّم العديد من المؤلّفين الذين يعيشون في بيروت أو يزورونها أفكارَ كتبهم تحت سقف المكتبة، فظلّت حتّى يومنا هذا تحوي نسخاً موقّعة من العناوين الثمينة، واحتفظت جدرانها بصور زيارات زعماء وشخصيّات سياسيّة كانوا من روّادها الدائمين، أمثال وليد جنبلاط ومروان حمادة وفؤاد السنيورة وكريم بقردوني وغيرهم.
“لكنه الزمن الجميل الذي طوى صفحته. هذه الأيام الذهبية لن تعود”، في إشارة عامل المكتبة، مردّداً حيرة السيد أنترانيك الذي آلمه تراجع المبيعات، فبات من النادر أن نجده في المكتبة. “هل أغلق المكتبة؟ لكن إن أغلقتها، تنتهي حياتي”.
على الهاتف، تأكيد من حلواجيان أن “المكتبة غير قادرة على إكمال الطريق. لا أشغال”. وفي سؤال عن #الكتاب الأجنبي، نستخرج أصعب مؤشّرات الأزمة، “فالمبيعات تراجعت بنسبة 95 في المئة، وخلال الأسبوع، نبيع نحو 6 كتب أجنبية، عادة ما نستقطبها من “ليفانت” (Levant)، لكننا لم نعد نستورد كتباً جديدة”.
بنتيجة هذه القلّة، تعاطفت المكتبة مع القرّاء، فصارت تحتسب الدولار بـ15 ألفاً، إذ يبلغ ثمن كتاب الجيب ما معدّله 7 دولارات، لكن المأزق يقع حين تتلقّى المكتبة الفاتورة من الخارج بالدولار “الفريش”.
ويبقى أمام المكتبة هامش ضيّق جدّاً للتحايل على الضائقة المالية، فقلّصت ساعات العمل، “نفتح أبوابنا حتى الثانية بعد الظهر، فيما كنّا نقفل عند التاسعة مساء. نحاول توفير تكلفة الاشتراك والمعاشات”.
مكتبة أنطوان: طبعة لبنانية
بالإضافة إلى بيع الكتب المستوردة، وتأمين توصيات خاصّة من الكتب الأجنبية، طوّرت “مكتبة أنطوان” أهدافها نحو قارىء الفرنسية، فعقدت شراكة مع دار “هاشيت” الفرنسية، وأسّست من خلالها دار “هاشيت – أنطوان” في العام 2009.
ويبدو أنّ هذه الخطوة كانت آخر محطات المنحى التصاعدي، فما تلاها اليوم يندرج في خانة “التدابير الإنقاذية” للكتاب الأجنبي.
بهذا الصدد، يقيّم رئيس مجلس إدارة “هاشيت – أنطوان”، إميل تيّان، نسبة تراجع مبيعات الكتب الأجنبية بـ70 في المئة، ويُمكن اعتبار “أنّ العام 2019 هو آخر عام مبيعات طبيعيّة”.
وفي سبيل الحلول التخفيفيّة، عمدت “هاشيت أنطوان” الى “وضع تسعيرة وسطية للكتب التي تجاوز تاريخ صدورها ستة أشهر، بقيمة 9000 ليرة للدولار، كما استحصلت مؤخّراً على حقوق طبع بالفرنسية للكتب الأكثر مبيعاً في لبنان، ومنها لأمين معلوف وإريك إيمانويل شميت، وديان مظلوم، مرتكزين على إمكانيّة تخفيض سعر الكتب لتعوّضها المبيعات العالية. وتستمرّ طلبيّات الكتب الخاصّة مباشرة من مورّدين في أميركا وبريطانيا وفرنسا، إلا أنها تواجه مشكلة حقيقية في تسعيرة سوق الصرف اللبناني”.
ولكنها بنظر تيّان “حلول وتدابير بسيطة مقارنة بهول الأزمة. ثمّ إننا كقطاع ثقافي نقطة في بحر التضخم، ونعلم أن من يعنيهم الأمر لا يعنيهم التصدي له”.
مكتبة الحلبي: خطط كثيرة
أسّسها الجدّ أبو نظمي في العام 1958 في محلة قصقص، وكان هدفه بيع الجرائد والمجلات الدورية، ثمّ فتح الابن لها مجالَ بيع الكتب والروايات العربية والأجنبية، لتحصد “مكتبة الحلبي” سوقاً نوعيّة منذ العام 2014 عبر منصّات “الأونلاين” بمسعى الحفيدة لانا الحلبيّ لمواكبة الحداثة وتنوير القارىء.
“المكتبة مغلقة منذ أوّل تشرين الأول، حتى إشعار آخر، من أجل تطوير الأنظمة التشغيلية، والجردة، وتجديد التصميم الداخلي”، تخبرنا لانا الحلبيّ قبل أيّام من إعلان هذا الخبرعبر منصّات الأونلاين، في سياق حديث حول أزمة الكتب الأجنبية وسبل احتوائها.
وتنقل تفاقم الأزمة كالآتي: “في البداية، حافظت المبيعات على وتيرتها الطبيعية. لكن استفحال كورونا وتسكير المطارات، دفعا بكلّ الذين طلبوا الكتب قبل آذار 2020، للتراجع عن طلبيّاتهم بسبب تضخّم العملة خلال الأشهر الآتية”.
حينها، استشفت الحلبيّ مشكلات طويلة الأمد، فوظّفت خططاً عدّة لاستدراكها، “بتنا نؤمن الروايات الإنكليزية من ناشرين محليّين مثل “يورك برِس”، وسعرها مقبول، لأنّ الدولار لم يتخطّ الـ8000 ليرة، وسقف سعر الكتاب 4 دولارات، ويتلقفها طلبة الآداب. لاحظنا أنّ تأمينها أسرع مقارنة بدار “سِغنت” الأميركية المعروفة بأسعارها المعتدلة لكن وصولها إلى لبنان يتطلّب مدّة لا تقلّ عن الشهر. والخيارات ضمن روايات “يورك برس” بقيت محدودة، لأنّ الإصدارات تشمل كلاسيكيّات الأدب فقط. نشتري أيضاً روايات إنكليزية من “تورنينغ بوينت” وموزّعين لبنانيين أسعارهم مقبولة”.
وفي خطة ثانية، “نحاول الاستغناء عن الوسيط المحلّي واستيراد الكتب من دار النشر مباشرة، وأكثرها مستعمل أو بالكاد، وعادة ما تكون أسعارها مشمولة بتخفيضات. إن خصمنا تكاليف ضرائبيّة وتكلفة الشحن، سنوفّر تكاليف بحدود الـ40 في المئة”.
أمّا الإصدارات الجديدة، فلا خيار لها سوى الطلبيّات الخاصّة، و”يشترط الدفع بالدولار ومقدّماً، لأنّنا إن دفعنا باللبناني، سنقع في أرجحات الدولار ريثما يصل الكتاب خلال شهر أو ستة أسابيع”.
ومن خلال الأونلاين، ساعدت على الاستمراريّة منشورات “catchy read” (قراءات جذابة) على مواقع التواصل، للترويج لمجموعات تضمّ حوالَي 5 كتب بنسخاتها الأخيرة وتباع لمن يطلبها أولاً.
وبالرغم من المساعي لدعمها، فإن “المبيعات تراجعت بشكل مطّرد كما أننا أصبحنا غير قادرين على إرشاد القارىء على النحو المعتاد، وهذا أثر على أحد أهمّ أدوار المكتبة المستقلّة، ما ينسحب أيضاً على كتب إدارة الأعمال والمساعدة الذاتية التي تملك شريحة واسعة من القراء بالإنكليزية، فأصبحنا نؤمّنها بناءً على طلب مسبق، لأنّ الأسعار تتراوح ما بين 8-10 دولارات لطبعات الجيب، و15 دولاراً وما فوق للكتب بغلاف مقوّى”.
وحاولت المكتبة “شراء نسخات قليلة من هذه الكتب وعرضها، لكنّ وتيرة المبيع كانت بطيئة جداً بعد اضطرار المكتبة لتخصيصها بميزانية كبيرة لقاء عدد محدود،” أضف إلى أنّ “السوق اللبنانيّ يحدّ المكتبة في خياراته؛ فالجمهور يطلب كتباً لمؤلّف محدّد قد لا يكون متمتّعاً بنفس شعبيّة القرّاء في بلدان أخرى”.
من جانب آخر، “تفتح زيارة المكتبة أفقاً أوسع للقارىء. سيكتشف أنّه لا يزال قادراً على شراء ثلاثة كتب بالإنكليزي بخمسين ألفاً من المجموعة المستعملة؛ قد لا تلبّي العنوان الذي يريد لكنها تثير حشريته”.
واحتفظت المكتبة طويلاً بكتب بسعر 1500 ليرة “لكن التكاليف اليومية والتشغيلية تضخّمت أضعافاً، فأعدنا تسعير جزء من هذه الكتب. مراجعة الأسعار ضرورية لنستمرّ ولنكون منصفين حيال أنفسنا وموظفينا”، وهذا ما تسعى المكتبة لإعادة ترتيبه خلال إغلاقها.
الكلمات الدالةالكتاب الأجنبيالكتب في لبنانمكتباتقراء