14-01-2021 | 00:00 المصدر: النهار


تدقيق جنائي في الثقافة السياسية اللبنانية
يدفع ال#لبنانيون مرة جديدة كبرى ثمن رغبتهم ومساهمتهم في ضعف الدولة اللبنانية وهو ضعف وإضعاف.. وها هو خطر الكورونا يجتاحهم نتيجة انكشاف دفاعات الدولة وعدم كفاءتها وإفلاسها. وفي الأساس بسبب استهتار اللبنانيين العام بالتعليمات الصحية ضد كورونا منذ عام إلى اليوم متصرفين كالعادة بعدم احترام لسلطة الدولة. هذه المرة ضد أنفسهم. لكن لأنها مرة كبيرة واستثنائية ها هو استهتارهم، أعني أعدادا كبيرة جدا منهم ومن كل الطبقات، يجعلهم لقمة سائغة فعلا أمام الوحش الكوروني ولاسيما بعد أن جعل عجزُ الدولة وصولَ اللقاح، بل اللقاحات المتعددة، يتأخر بشكل خطر قياسا بما حققته دول كثيرة أخذت بتوزيع اللقاحات على مواطنيها ولاسيما العدو المتقدم والمتفوق إسرائيل. مع العلم أن العنصرية الإسرائيلية قد تحوّل دون استفادة الشعب الفلسطيني من اللقاح في الضفة والقطاع بالسرعة الكافية. لقد كشف الكورونا حقيقة تاريخية في لبنان وهو أن ضعف الدولة اللبنانية هو خيار اللبنانيين. بهذا المعنى فإن الطبقة السياسية التي نهبتهم وأفقرتهم هي خيارهم أيضا. وظيفة هذا المقال هو الإضاءة على كون الهشاشات الصحية التي ظهرت وتظهر خلال جائحة الكورونا في لبنان هي نتيجة من نتائج ثقافة سياسية لبنانية كانت دائما ضمنا وعلنا تعتبر نفسها مستفيدة من إبقاء الدولة اللبنانية ضعيفة وغير محترمة السلطات. مقتنعة بأنها مستفيدة إلى حد تتحول معه لاحقا إلى مسخرة أمام انهيار أي حصانة حياتية أو أمنية. كما ارتدّت علينا لجيلين متتابعين ثقافةُ ضعف الدولة وإضعافها بحربين أهليتين، الثانية الأخيرة حصدت مئات الآلاف من الضحايا والمهجَّرين والمهاجرين، ترتدّ علينا جائحةُ الكورونا فتكشف، بأعمق ما تكشف، أن ضعف سلطة الدولة هو خيار جماعي متجذر في الثقافة السياسية للبنانيين واللبنانيات.ليست هشاشة الدفاعات الصحية اليوم إلا استمرارا لجائحة 1975 وجائحة نشوء الميليشيات واستمرارها في كافة المناطق الطائفية وجائحة سيطرتها على الدولة وماليتها وجائحة مشاركة آلاف النخب والمواطنين اللبنانيين في غنائم نهب الدولة عبر الوظيفة الوهمية والوظيفة الزبائنية والوظيفة الناقصة الكفاءة على اختلافها. كشفت الكورونا أن ادعاء اللبنانيين بالبراءة من دم الفساد والخروج على القانون هو ادعاء يعوزه التدقيق، بل يعوزه التدقيق الجنائي لكي نذهب بالفكرة إلى حدودها الأقصى. ولربما باستثناء الجيل الجديد من شباب النخب الجامعية غير الحزبية التقليدية تعاقبت كل أجيال اللبنانيين التي لا تزال على قيد الحياة في تشجيع إضعاف دولتها إلى حد اهترائها الحالي. كلنا نحمل في ثقافتنا السياسية باسم قيم وهمية أو فعلية فيروسَ مفاهيم وممارسات الخروج على الدولة باعتباره نمط حياة يبلغ دائما حد التواطؤ مع العدو الأول للدولة، وهو ليس إسرائيل، بل الخروج على القانون سواء اتخذ هذا الخروج شكلَ الاختلاط الفضائحي من دون احتياطات في زمن الكورونا أو شكل تأييد وخدمة هيئات أمنية خارج الدولة وضدها في العمق. والكثيرون جدا باسم طائفيّاتهم عاملون في خدمة تلك الطفيليات الأقوى من الدولة. والحقيقة لم نعد نعرف أو لم يعد لدينا معيار بسبب جائحة الميليشيات المتمادية الآتية من إرث خروج على القانون، أين هي العضويات وأين هي الطفيليات في تركيب الدولة اللبنانية وفي حياة سياسية مانعة للتغيير. ميليشيات مهما كانت مواقعها داخل الهيكل الرسمي أو خارجه، الذهنية الميليشياوية ولو لم تكن ميليشيا. في لحظة ما وبسبب الانكشاف المريع للهشاشة هذا، بدا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكثر لبنانية من معظم السياسيين والمصرفيين اللبنانيين. يتحدث اللبنانيون اليوم في معرض احتقارهم المتمادي والعاجز في آنٍ معا، عن ضرورة التدقيق الجنائي في حسابات ومصاريف كل أجهزة الدولة، ولكن التدقيق الجنائي السياسي الذي يحتاجونه هو في قراءة ماضيهم وحاضرهم من حيث مدى مسؤوليتهم الجماعية عن الضعف التاريخي للدولة اللبنانية وهو تدقيق جنائي ذاتي أيضاً، ولا أريد أن أصبح مبشراً ساذجا ومهووسا، يمر عبر مسؤولية كل شخص بيننا. كِلْنا يعني كِلْنا. الذي لا يُقال هو أنه إذا كان النظام السياسي في أزمة، وهو كذلك، فإن تقاليد علاقة اللبنانيين بدولتهم هي أيضا في أزمة، وهذا يضيف على مأزق العجز عن التغيير المزيد من العمق والصعوبة. ولا مجال هنا للإسهاب في مدى رسوخ تقاليد الخروج على القانون في كل مناحي العلاقة الشعبية مع الدولة.كِلْنا يعني كِلْنا. j.elzein@hotmail.comTwitter: @ j_elzeinالكلمات الدالةفيروس كورونالبنان