مازن سكاف
النهار
17042018
عند استحداث اي قانون او مادة تتعلق بالسياسة الاقتصادية والاجتماعية في الدولة، على المشرّع او السلطة التشريعية أخذ كل خصائص الدولة وأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والامنية في الحسبان، وتحليل التداعيات على محاور عدة قبل البتّ باستحداث القانون او المادة المعنيّة، وخصوصا في ما يتعلق بالسياسات الاقتصادية، وبسبب تكاثر التداعيات غير المقصودة والحاجة الى خبراء لتحليلها وتمحيصها قبل استحداث واقرار قانون ما أو مادة ما، يؤدي الارتجال الساذج (كالذي صحب المادة 50 والتعديلات المتسارعة التي ادخلها المشرّعون) الى أخطار وتداعيات كارثية من الأفضل تجنّبها.
المادة 50 (المعدّلة لتصبح المادة 49) تمنح “كل عربي أو أجنبي يشتري وحدة سكنية في لبنان “اقامة موقتة” مرتبطة بمدة ملكيته لها ولزوجته وأولاده القاصرين في لبنان. على أن لا تقل قيمة تلك الوحدة السكنية عن:
سبعمئة وخمسين مليون ليرة لبنانية في مدينة بيروت، وخمسمئة مليون ليرة لبنانية في سائر المناطق”.
ومن المؤسف والمفاجئ أن ترد مادة كهذه في قانون موازنة عوض أن تكون من ضمن برنامج واضح ضمن سياسة اقتصادية وإسكانية فعّالة. أكثر من ذلك يعتبر الكثير من الخبراء أنّ إدخال قانون من خارج الموازنة الى قانون الموازنة لا يتماشى مع الأصول الدستورية.
وقد أخطأ بعض المشرعين حين حاولوا الدفاع عن هذه المادة بالإشارة الى دول أخرى تؤمّن حوافز مماثلة، إذ لم يأخذوا في الحسبان الفوارق الكثيرة بين وضع لبنان ووضع كل من هذه الدول الأخرى بالنسبة الى الأبعاد الآتية:
– الكثافة السكانية.
– نوعية البنى التحتية وجهوزيتها لخدمة عدد السكان الحالي والمتوقع.
– البطالة.
– معدّل أسعار الشقق السكنيّة المطلوبة محليّاَ للطبقات المتوسطة وما دون ومقارنة المعدلات مع عتبة سعر الوحدة السكنيّة المربوطة بالإقامة.
– تواجد أعداد من النازحين واللاجئين وتفاوتها بين الدول.
– الأهداف الاستراتيجية من وضع حوافز لاستثمار الأجانب (أو غير اللبنانيين) في الشقق السكنية وانعكاسات هذه الاستثمارات.
– الفرص والخيارات الأخرى المتاحة لاستقطاب الاستثمارات من الخارج.
بالنسبة الى الكثافة السّكّانيّة، فإنّ كثافة لبنان السكّانيّة التي تبلغ نحو 590 شخصاً في الكلم2، تضع لبنان ضمن العشرين دولة ذات أعلى كثافة سكّانيّة في العالم. وإذا قارنّا لبنان مع عيّنة من الدّول التي وضعت حوافز لغير المواطنين لشراء الوحدات السكنيّة ومنها البرتغال وإيرلندا وقبرص، نلاحظ أنّ الكثافة السكّانيّة في لبنان تراوح ما بين خمسة أضعاف وثمانية أضعاف الكثافة السكّانيّة في الدّول المذكورة. وإذا أضفنا إلى ما ورد أعلاه عدم جهوزيّة البنى التحتيّة في لبنان لاستيعاب عدد السكّان الحالي وخدمتهم، والتفاوت بين نوعيّة البنى التحتيّة في لبنان وتلك في العيّنة من الدّول المذكورة، نجد أسباباً إضافيّة للتريّث وتجنّب الاستنساخ المجتزأ للحوافز والبرامج المطروحة في بلدانٍ أخرى.
وبما أنّ منح الإقامات لوافدين من خارج لبنان له تداعيات على سوق العمل، يجب أخذ معدّل البطالة ومؤشّرات سوق العمل المختلفة في الاعتبار عند استحداث مواد أو حوافز كالتّي وردت في المادة 50 (وتعديلاتها). البطالة في لبنان وصلت اليوم إلى 20٪ وهي مرتفعة جدّاً وتصل في شريحة الشّباب إلى 30٪. وإذا ما قارنّا البطالة في لبنان بمعدّل البطالة في كلّ من الدّول في العيّنة المذكورة (إيرلندا، البطالة 6.2٪، البرتغال 8.1٪، قبرص 11.1٪) نلاحظ أنّ البطالة في لبنان تراوح ما بين ضعفي وثلاثة أضعاف تلك التي في الدّول المذكورة.
أمّا بالنسبة الى عتبة الأسعار للوحدات السّكنيّة (في بيروت وخارجها) الواردة في المادّة 50 (وتعديلاتها) فهي متقاربة جدّاً مع معدّل أسعار الشقق المطلوبة من المواطنين أصحاب المداخيل المتوسّطة وما دون. وهذا سيؤدّي إلى مزاحمة في الطلب على هذه الشقق وازدياد في الأسعار للشّقق التي تراوح أسعارها ما بين 500 مليون و850 مليون ليرة في مدينة بيروت وتلك التي تراوح أسعارها ما بين 300 مليون و600 مليون في سائر المناطق. وبما أنّ العتبة الواردة في المادّة ليست محكمة بمساحة معيّنة أو مقاييس يمكن التثبّت منها غير السعر، فإنّ هذا سيفتح المجال لتضخيم السعر المعروض أو المصرّح به عند تسجيل العقار، وهذا سيؤثّر سلباً على شريحة المواطنين الساعية الى التملّك. وإذا نظرنا إلى عتبات الأسعار في البرامج المماثلة المعتمدة في العيّنة من الدّول المذكورة، نلاحظ أنّ عتبات الأسعار مرتفعة جدّاً وهي أضعاف أسعار الشقق المطلوبة من المواطنين في تلك الدّول وأصحاب المداخيل المتوسّطة وما دون. على سبيل المثال، في البرتغال، عتبة السّعر المطلوب هو خمسمئة ألف أورو، وهذا المبلغ يمكّن من شراء عشر وحدات سكنيّة صغيرة في لشبونة أو ڤيلّا فخمة على الشاطئ. ما يعني أنّ السّعر الموازي الّذي يجب أن يُعتمد كعتبة في لبنان يراوح ما بين 1.5 مليون ومليوني دولار على الأقلّ.
بالإضافة إلى ما تقدّمنا به أعلاه، يبقى خطر التوطين والثغرات الّتي تفتحها المادّة 50 (وتعديلاتها) المسألة الرّئيسيّة التي يجب التركيز عليها لإسقاط هذه المادّة أو تعديلها جذريّاً. في ظلّ وجود مليون ونصف مليون إلى مليوني نازح ولاجئ على الأراضي اللبنانيّة، يجب التركيز على حلّ هذا الملفّ المصيريّ قبل طرح أو استحداث أيّ قانون يمنح إقامة دائمة (أو موقتة مربوطة بأجل مفتوح) لأي أجنبيّ أو وافد. وتجدر الإشارة هنا الى أنّ اعتماد حوافز كالّتي وردت في المادّة 50 (وتعديلاتها) سيعوق عمليّة إعادة النازحين إلى وطنهم وسيفتح خطر التوطين، إذ مع مرور الزمن، يكتسب اللاجئ أو النازح المقيم حقوقاً معيّنة ليس بإمكان لبنان تحمّل تداعياتها.
إنّ كلّاً من العوامل الّتي عالجناها أعلاه، وخصوصا بالنسبة الى الكثافة السكّانيّة والبطالة ومزاحمة المواطنين على الطلب للشقق السكنية وخطر التوطين، تؤكّد أنّ لبنان لا يتحمّل التّداعيات الّتي قد تنتج من إقرار المادّة 50 (وتعديلاتها).
وفي حال أصرّ أيّ فريق على إقرار حوافز مماثلة لتحريك السوق العقارية، يجب النظر في هذه الحوافز ضمن برنامج مدروس وضمن سياسة اقتصادية وإسكانيّة فعّالة.
لذا نعوّل على فخامة رئيس الجمهوريّة لردّ القانون إلى مجلس النوّاب الّذي يكون ملزماً إجراء قراءة ثانية له. وإذا تمّ التأكيد على المادّة 50 (وتعديلاتها)، عندها يمكن الرئيس أو عشرة نوّاب التقدّم بطعن أمام المجلس الدّستوري في خلال مهلة 15 يوماً من تاريخ نشر القانون في الجريدة الرّسميّة.
إميل كنعان: طعنة جديدة للشباب اللبناني
لفت المحامي إميل كنعان إلى أنّ اعطاء اجانب حق الإقامة الدائمة يُمثّل طعنة جديدة للشباب اللبناني لانه سيسبب ارتفاعا في أسعار الشقق، لا سيّما أنّ ذلك يترافق مع أزمة القروض السكنيّة المدعومة التي تمّ وقف العمل بها في الآونة الأخيرة، فضلاً عن المعاناة القائمة أصلاً من نسب البطالة غير المسبوقة في تاريخنا.
وسأل كنعان هل أنّ الدولة أرفقت تشريعها هذا بدراسة جدوى اقتصاديّة تُظهِر حقيقة منافعه أو أنّه من فئة التشريعات التي جرت العادة على امرارها من دون لا تمحيص ولا قراءة.
ونبّه كنعان من إمكان استغلال هذا النص من منظّمات اجراميّة، مشدّداً على وجوب ألاّ تُسجَّل الوحدة السكنيّة باسم أكثر من مالك واحد كالزوجة والأولاد.