الرئيسية / home slide / “تأجيج” السنّة ليس تركيّاً و”بهاء” ليس لأنقرة!

“تأجيج” السنّة ليس تركيّاً و”بهاء” ليس لأنقرة!

يوم قطع “ثوار” 17 تشرين الأول الماضي طريق الجنوب أكثر من مرة ومعها طرقات عدة في العاصمة وساحل الجبل شرقاً، واحتلوا ساحة النور في عاصمة الشمال وبدأوا قطع عدد من طرقات المنية وعكار، وبعدما تعرّضوا في بيروت الى اعتداءات عفوية في رأي البعض ومنظمة في رأي البعض الآخر بسبب شمول انتقاداتهم بل اتهاماتهم الكبيرة والمتنوّعة لكل أجنحة الطبقة السياسية في البلاد، وفي مقدمهم فريقان يعتبران التعرّض لأحدهما كفر وزندقة ولا سيما بعدما نجح بدماء مقاتليه في تحرير ما احتلته إسرائيل من أراضي في الجنوب والبقاع الغربي، وللآخر إنكاراً لدور وطني جامع مارسه رغم طغيان الطائفية والمذهبية على البلاد، يومها قال كثيرون بعضهم موالٍ للثنائي المشار اليه وبعضهم معادٍ له إن كل مرة تُقطع طريق الجنوب سيأكل “الثوار” المتظاهرون “قتلة” وخصوصاً في بيروت. وعندما تعرّضت بيروت أخيراً الى أعمال تخريبية وقبل ذلك بأسبوع الى تحركات أحيَت عند اللبنانيين ذاكرة الحرب الأهلية الطائفية كرّر أصحاب “النظرية” المذكورة أعلاه ما قالوه ولكن بطريقة فيها شيء من الاستفزاز والتحدي. علماً أن هاتين الصفتين موجودتان عند كل الأطراف في البلاد، “كلما قُطِعت طريق الجنوب ستأكل بيروت قتلة”.

هل هذا القول صحيح أم أنه مجرّد استنتاج منطلق من تأجُّج المذهبية عند المسلمين والطائفية بين المسلمين والمسيحيين؟

متابعو “الثنائي الشيعي” الذي وحده يستطيع تنفيذ “القتلة” بقوة واحد منهما بواسطة “قبضاياته” الموجودين على خطوط التماس في العاصمة وبعض الضاحية، والثاني يستطيع بقوة مقاتليه ووجودهم حتى في مناطق يظن كثيرون أنها خالية منهم أن يقوم برد أكبر يمكن أن يكون رادعاً وإن من دون عنف مفرط تلافياً لدفع البلاد نحو منزلق أمني وربما عسكري خطير، هؤلاء المتابعون يؤكدون أن هذا الثنائي وتحديداً الفريق الذي يجمع العسكر والسياسة في صفوفه ليس في وارد اللجوء الى “القتلة” ولا الى أعمال تسيء إليه والى حليفه وشعبهما كما الى البلاد كلها. وإذا رأى أن النية عند “الثوار” هي الاستمرار في قطع طريق الجنوب ولاحقاً طريق البقاع بقصد محاصرة الثنائي وجمهوره رغم انفراط عقدهم الكبير أولاً بواسطة وباء “كورونا”. ولاحقاً بواسطة عودة غالبيتهم الى زعاماتهم السياسية – الطائفية – المذهبية التي تحركها جهات اقليمية ودولية معادية، فإنه لن يدفع أنصاره وأعضاءه وميليشياته ومقاتليه الى تنفيذ أعمال ممجوجة من الجميع كما حصل في العاصمة، وعلى خطوط التماس القديمة بين شياح الضاحية وشياح عين الرمانة رغم أنها تغيّرت كثيراً ديموغرافياً. لكنه سيخوض معركة جدية توقف والى أمد طويل معزوفة قطع طريق الجنوب وتهدّد كل من يفكر في قطع طريق البقاع.

ألا تقوم العناصر والقوى الأمنية وفي مقدمها الجيش بدورها في فتح الطرق المقطوعة كلما شعرت أن احتمال تسببها بانفجار يضرب الاستقرار وربما يلامس الحرب الأهلية كبير؟

يجيب هؤلاء المتابعون أن “الثنائي” الشيعي وتحديداً “حزب الله” كان على اتصال دائم بالقوى العسكرية اللبنانية المتنوّعة طالباً منها فتح طريق الجنوب التي يمر منها لا الشيعة فقط بل السنّة والمسيحيون والدروز. وهي كانت تفعل ذلك ولكن بعد تردّد يسميه البعض تلكؤاً، ربما لإدراك قادتها أن مطالب “الثوار” محقّة وأن قمعهم قد تكون ردود الفعل عليه سلبية جداً. طبعاً رأى في حينه البعض في “الثنائي” أن في تصرّف القوى المذكورة انحيازاً الى الناس ومطالبهم، ورأى آخرون أن فيه “قبّة باط” تنفيذاً لسياسة دولية ذات تأثير إقليمي مهم تستهدف “الحزب” وليس الثنائي بطرفيه. كما رأى فيه البعض استرضاء للشعب الثائر واقتناعاته بأن الحل في النهاية هو في يد العسكر ولكن من دون مخالفة الدستور. لكن بعد العودة الى الشارع وقطع الطرق والتعدّي على الأملاك الخاصة والعامة المبرّرة جرّاء انهيار الليرة وفقدان الدولة سيولتها النقدية في العملة الصعبة وفقدان رواتب العسكريين كما المدنيين في الدولة وخارجها نحو 80 في المئة من قيمة رواتبهم، بعد ذلك رأى “الحزب” أن التحرّك المبرّر ليس عفوياً رغم مبرراته المنطقية. فهو يتلازم مع التحضير لتنفيذ قانون أميركي يستهدف سوريا وحلفاءها وهو في مقدمهم، ومع زيادة العقوبات على الأخيرة، كما يتلازم مع حملة محلية مدعومة عربياً وأميركياً على حكومة حسان دياب التي جاءت بغالبية نيابية يمتلكها “حزب الله” وحلفاؤه القصد منها محاصرته وتحميله مسؤولية كل مصائب اللبنانيين. علماً أنه يعرف أن له مسؤولية ما عن هذا الوضع ومن زمان.

لكنه يعرف أيضاً أن شركاءه من أعداء وأخصام وحلفاء يتحمّلون الجزء الأكبر من المسؤولية لأنهم اهتموا بالمحافظة على مصالحهم وعلى مكتسباتهم المالية التي هي ملك للناس وللدولة ولم يسعوا الى بناء دولة جديّة. لكن ما يتجاهله هنا مهم جداً وهو أن الدولة التي يريدها هي غير الدولة التي تريدها الشعوب الأخرى في البلاد وزعماؤها حتى الذين منهم مدينون له بكل شيء. طبعاً ازدادت المخاوف أخيراً من عملية عسكرية لمنع قطع طريق الجنوب نهائياً وخصوصاً بعدما نفذ صبر أهل الجنوب ومناطق أخرى ليس فقط من قطع طريقهم الى عملهم ورزقهم بل أيضاً من رشق السيارات المنتظرة فتح الطريق بالحجارة والاعتداء على كل من يحاول العبور وإن كانت حاجته الى ذلك “صحية”. طبعاً قيل الكثير بعد التحرّك غير المنسّق “لثوار” ما بعد “كورونا” المختلف بعضهم عن “ثوار 17 تشرين الأول” رغم اشتراك الجميع في الشكوى من الظلم الحالي الكبير لهم بل لشعوبهم كلها، وأهم ما فيه اتهام أميركا وتركيا ودول أخرى حليفة للأولى بتأجيج الوضع لرفع مستوى الضغط على “الحزب” وإيران من خلاله، كما اتهام الشقيق الأكبر للرئيس سعد الحريري بهاء بالدخول على الخط منافساً على جمهور والدهما الشهيد، ولاحقاً على رئاسة الحكومة بتأييد من تركيا وباستعمال ثروته لاستقطاب عدد من اللبنانيين السنّة في بيروت وطرابلس وغيرهما.

هل هذه الاتهامات صحيحة؟

قبل الجواب عن هذا السؤال يؤكّد المتابعون أنفسهم لـ”الثنائي الشيعي” أن الجيش اللبناني بمخابراته المهمة وجهاز أمن الدولة يمتلكون بالأدلة الموثّقة ومنها الصور معلومات كاملة عن الذين يمارسون بعد قطع الطرقات كل الأعمال التي بدأت تهدّد السلم الأهلي. وهذا ما يدفع “الثنائي” للتساؤل عن سبب الإحجام عن ملاحقتهم. ويؤكدون أيضاً أن معلومات “حزب الله” تشير الى أن لا دور لتركيا في ما حصل أخيراً وقد يحصل سواء في عمليات التخريب أو في عملية الاستقطاب الشعبي والسياسي تأييداً لبهاء الحريري. وتشير أيضاً الى أن احتمال التسوية بين الشقيقين المتنافسين وارد أو على الأقل اتفاقهما على عدم التحوّل أعداء. وتشير ثالثاً الى ان “الهيئة” الشعبية التي شكلها السيد نبيه الحلبي لتكون نواة جمهور بهاء ربما تحب الأخير وتأمل منه خيراً. لكن هل هو يعمل له؟

وهل تركيا تدفعه الى ذلك؟ “الحزب” يعتقد أن بهاء ورغم وجود أعمال له في تركيا كما في الأردن يبقى الى لبنانيته حريصاً على علاقة جيدة مع السعودية. إذ أن معاداتها له جرّاء انسياقه مع جهة إقليمية معادية لها سيكون ثمنه باهظاً. فهل هو مستعد لدفعه؟ علماً أن معلومات المتابعين تؤكد أن سوريا الأجهزة موجودة في طرابلس وعكار وناشطة وهي ستبقى تؤثر فيهما وان تحوّلت دولة فيديرالية لأسباب جغرافية.

ما مدى صحة هذه الأخبار؟ الحقيقة لم يزوّد هؤلاء المتابعون “الموقف هذا النهار” يوماً أخباراً كاذبة علماً أنها قد تكون أحياناً ناقصة. وعلماً أيضاً أن فكرة مراعاتهم تركيا لاسلاميتها وإن “إخوانية” ولعلاقتها غير السوية بالسعودية قد تردّ الى بعض الأذهان، فضلاً عن أن في الشمال عدداً من “الدواعش” المتطرفين الذين عادوا إليه من سوريا.