غادة السمّان
Mar 31, 2018
لقدس العربي
أعترف أنني أرى المسلسل التلفزيوني الفرنسي الممتع «الراهبة تيريز» للمرة الثانية إذ يعاد عرضه.
الراهبة يمكن الاتصال بها (في المسلسل) على الانترنت. (أي تزاوج التراث الديني والعصر). البرنامج يُقرّب من قلوبنا مجموعة من الراهبات في دير باريسي ولكل منهن شخصيتها ومزاجها ونقاط ضعفها. الراهبة تيريز كانت محققة ناجحة بوليسية ومتزوجة من جيرار، زميلها في (البوليس) ثم تخلت عن حياتها الزوجية وعملها للانتماء إلى الدير بعيدا عن شهوات الجسد. ولأنها محققة إستثنائية يطاردها مطلقها فقط لتساعده في الكشف عن مرتكبي الجرائم لأنها ماهرة في حقلها. ثم أنها صديقة حميمة للزوجة الحالية لزوجها السابق «لوسي» وتقوم بدور حمامة السلام بينهما وتصالحهما كلما تشاجرا، منحازة إلى لوسي زوجته الحالية كدليل على زهدها في علاقتها الزوجية السابقة وتدينها.
صورة إنسانية للمسيحية في التلفزيون
يرسم المسلسل التلفزيوني صورة محببـــة حقا لعالم الدير خاصــــة والمرأة المسيحية المتدينة عامــــة. فهو لا ينزهـــها عن الشهوات البشرية أي أن المتدينة من لحــــم ودم وذلك يقربها منا.. هنالك مثلا تلك الراهبة الشابة التي يخفق قلبها بالحب العذري لزميل جيرار في التحقيق البوليسي، ويبادلها ذلك بالنظرات فقط من دون اللمسات(!)
وهنالك رئيسة الدير الباريسي عاشقة الروايات البوليسية بل وكاتبة سرية في حقلها، وهنالك مناخ إنساني جميل يسيل حبا حين تلجأ إلى الدير إحداهن هاربة من (البوليس) لأنها بريئة من تهمة القتل هذا ريثما تكشف الأخت تيريز براءتها.. وهنالك ذلك الحنو على الأطفال الذين يتم سجن أهلهم ـ والأم غالبا – على ذمة التحقيق وتعرف تيريز انهم أبرياء وتقوم بإثبات براءتهن بالدليل القاطع.. وباختصار يرسم المسلسل التلفزيوني صورة محببة جدا إنسانية للدير، وللمرأة المسيحية عامة.
صورة المسيحية في السينما الهوليوودية
لعل أجمل صورة كوميدية للمرأة المسيحية في السينما نجدها أيضا في الدير ويقدمها الفيلم الأمريكي «مسرح الراهبة» بطولة الممثلة الشهيرة الزنجية ووبي غولدبرغ، وهي في الفيلم المغنية في «لاس فيغاس» وعشيقة صاحب (الكاباريه).
تضبطه متلبسا بقتل شرطي مخبر، وتخاف، وتهرب، ورجاله يحاولون قتلها بأمر منه وتنجو وتلجأ إلى (البوليس) الذي يجعلها تقوم بالتنكر في زي راهبة والاختفاء في دير ريثما تدلي بشهادتها في المحكمة ضد عشيقها السابق صاحب (الكاباريه) وأحد كبار زعماء مافيا بيع المخدرات الذين لم يتمكن (البوليس) قبلها من إثبات جرمه، وبالتالي فشهادتها غاية في الأهمية لإدانة المجرم وتستحق حماية رجال الشرطة المحققين. وهنا نعايش حياة تلك الغانية في الدير وهي ترتدي زي الراهبات، وهربها ذات ليلة إلى الحانة/البار مقابل الدير ولكن راهبتين لحقتا بها ورقصتا ببراءة على أنغام موسيقى آلة «الجوك بوكس» في لمسة إنسانية لا تنتزع عن الراهبات وقارهن ودونما إسفاف مما يقربهن من قلوبنا.. كما أن سيدة الدير التي كانت تكره حضور الغانية (ووبي) تبدي الكرم والتسامح المسيحي وتنقذها من مختطفها زعيم (المافيا).. ثم أن قداسة البابا يأتي شخصيا للاستماع إلى غناء كورس ذلك الدير الذي حوّلته (الغانية) إلى مكان عصري يجتذب كورسه الجيل الجديد أي أهمية ترويج روح العصر مع التراث الديني وأبناء الحي صاروا يدخلون إلى الكنيسة افواجا حتى صار شهيرا وكل ما فعلته (ووبي) هو تحويل أغنيتها عن عشيقها إلى أغنية عن الحب الإلهي!!
فيلم كوميدي ممتع لم يرتفع أي صوت متزمت يطالب بمنع هذا الفيلم الأمريكي، ومن المشاهد التي تكرس التسامح المسيحي العصري في الفيلم مشهد الكاهن في خطبة الأحد مذكرا بالغفران لمريم المجدلية الخاطئة التي تابت «ومن كان بلا خطيئة فليرمها بحجر»..
صورة المسلمة في الإعلام الغربي
إنها غالبا الضحية مستلبة الإرادة التي يقرر مصيرها ذكور الأسرة، الإنسانة المحرومة من معظم الحقوق حتى المدنية وعليها تنفيذ أوامر «الذكور».. حيث يتم رسم «الدين الإسلامي» أداة قهر وإذلال للمرأة العصرية.. وهي بالتالي إما ضحية تثير الإشفاق أو (داعشية) تساهم في الإجرام.
يرسمها الإعلام في بعض الأفلام شريكة في الجرم تحت راية الإسلام الحنيف البريء من تلك الفظاعات كلها..
كما في فيلم: ـ «ليس من دون ابنتي» عن رواية من تأليف الأمريكية/الإيرانية بيتي المحمودي وبطلتها الأمريكية تزوجت من طبيب إيراني كان يعمل في بلدها U.S.A وكانا سعيدين ولهما طفلة جميلة، ورضيت بمرافقته إلى بلده في إجازة، وهناك عاد إلى أصوله (الإسلامية) كجزء من قبيلة أسرته وتحول إلى (وحش) بشري كما ترسمه الرواية والفيلم المشتق عنها ويصير بلا عواطف يضرب زوجته ويقمعها كأن ديننا الإسلامي الحنيف يقوم بتحويل الإنسان العصري المتكيف مع الحضارات إلى (بدائي) يحتقر المرأة ولا يتواصل معها إنسانيا.. وفي مغامرة بوليسية مشوقة تهرب بطلة الرواية مصطحبة ابنتها من الجحيم (الإسلاموي) للمرأة هاربة من حبيبها/زوجها الذي انقلب عليها كما د. جيكل ومستر هايد وحين تصل اخيرا إلى إسطنبول وتشاهد العلم الأمريكي مرفوعا على سفارة بلدها وتنجو تتخلى عن الحجاب الإرغامي وعن المخاوف وتتهلل أساريرها للنجاة من «هول الإسلام»!!!.. وتضم إليها إبنتها التي كان زوجها لا يريد لها الحياة مع أمها إذا غادرت إيران.
وقد أُعيد عرض الفيلم مرات وشاهدته أيضا مؤخرا مرة ثانية فهو فيلم مغامرات جذابة.
وباختصار، نجد في الرواية/الفيلم صورة بشعة حقا للمسلمة، لأن عمّات وخالات ووالدة الطبيب الإيراني كن خانعات بل ومنفذات لعقوبة الأذى ومحاولة الترويض للزوجة الأمريكية (المظلومة) غير المسلمة.
أين الصورة المشرقة للمرأة المسلمة؟
وسط ذلك الخضم من الصور الإعلامية الجميلة خفيفــة الظل المشوقة للمرأة المسيحية نفتقــــد فيلما واحدا أو مسلسلا عربيا أو غربيا يقدم صورة محببة إنسانية للمرأة المسلمة.. صورة إيجابية عصرية.
كأن الكل يتحاشى الموضوع كمن يتحاشى لغما. ترى أليست لدينا كمسلمين قدرة على مواكبة العصر إعلاميا؟ ومن قال أن ديننا الحنيف عاجز عن أن يكون عصريا محببا لا داعشيا بالضرورة، وثمة مئات آلاف النساء المسلمات الناجحات في العالم وفي أوطانهن؟
ومتى نشاهد مسلسلات لا تنتحب فيها المسلمة وتُهان وتُضرب وتختبئ؟ ومن هي/هو الرائد الذي سيقدم مسلسلا أو فيلما ناجحا على الصعيد الفني العالمي وعلى صعيد رسم صورة حقيقية محببة للمرأة المسلمة؟