اخبار عاجلة
الرئيسية / أضواء على / بيروت في البال: من “سوق أبو النصر” إلى “درج خان البيض” أو “درج الأربعين” قرب كنيسة مار جرجس المارونية

بيروت في البال: من “سوق أبو النصر” إلى “درج خان البيض” أو “درج الأربعين” قرب كنيسة مار جرجس المارونية


العواميد الثلاثة قرب كنيسة مار جرجس المارونية.

البحث عن تاريخ بيروت القديمة يشبه قصص ألف ليلة وليلة، فشهريار هو ذلك القارئ المتعطش ليعيش – ولو في الخيال – وقائع تاريخية بالمعلومات والصور عن شوارع غارقة في النسيان من الزمن الجميل لبيروت.

القصة ليست مزيجاً من الخيال، بل هي حصيلة بحوث تاريخية معمقة للمؤرخ عبد اللطيف فاخوري والإعلامي والباحث في التراث الشعبي زياد عيتاني.

رجال الأربعين

عجوز في “شارع ابو النصر” ودرج خان البيض”.

في كتابه عن بيروت، ذكر فاخوري (ص 84) “انهم رجال الأربعين، الذين عرفوا بيروت قبل العام 1975”. مشيراً الى انهم “يذكرون درجاً تجاه مبنى اللعازارية يسمى درج الأربعين يؤدي الى ساحة السمك، ومن هذه الأخيرة إلى “سوق أبي نصر” يسمى درج خان البيض، لأنه يوصل إلى الأقبية الكائنة تحت كنيسة مار جرجس المارونية، التي اتخذها باعة الدواجن والبيض مركزاً لتجارتهم”.

وذكر أنه “إلى يسار الدرج المذكور تنتصب ثلاثة أعمدة غرانيتية ضخمة ضمن حفريات أجريت في تلك المحلة، فحملت اسم سواري الأربعين ودرج الأربعين ورجال الأربعين ومقام الأربعين وجامع الأربعين”. ولفت إلى أن “الأعمدة المذكورة كانت ضمن أعمدة الجامع الصغير المسمى جامع الأربعين ..”.

كراس قش ولوازم للبيت في جانب من “سوق ابو النصر”.

وأكثر…

وشدد على أن “العدد الأربعين دخل في التراث الديني والأدبي، فكنائس الشرق تحتفل بعيد الشهداء الأربعين، الذين قتلوا في سبيل الإيمان في عهد الملك ليقينيوس، لأنهم أبوا السجود للأصنام، فحبسهم الملك وتعرضوا للضرب بالسياط حتى سالت دماؤهم…”. وقد زعمت الصوفية “انه لا يزال في الأمة أربعون صالحاً على ملة ابرهيم الخليل، فهم الأبدال لأنهم بدلوا خلقاً بعد خلق…”.

“من مونة رمضان”

قهوة واستراحة.

سوق أبو النصر من الذاكرة الحية النابضة. فقد ذكر فاخوري في بحوثه عن بيروت القديمة أن “سوق أبو النصر كان يضم دكاكين العطّارين بعد هدم سوقهم خلال الحرب العالمية الأولى بهدف توسعة شوارع وأسواق المدينة، الذي كان موقعه من الجهة الغربية والجنوبية للجامع العمري الكبير”. وقال إنهم “سمّوه” بالعطارين لأنهم كانوا يبيعون “العطارة” أي الأعشاب الطبية وبذور وأوراق النباتات ذات المنفعة العلاجية، حيث كان العطار بمثابة “الصيدلي” الشعبي إذا صح التعبير، لأنه كان يصف للناس الوصفات العلاجية للأمراض التي كانت معروفة في حينه”. .

ولفت الى أنه “كان يوجد في سوق أبو النصر مصنعان لصناعة الحلويات والسكاكر والشوكولا والملبن تعود ملكيتهما إلى عائلتي جبر وغندور، كذلك كان مصنع “كازوز جلول” في سوق أبي النصر، الذي يعتبر أول مصنع لبناني لصناعة المشروبات الغازية، وأكثر ما اشتهر وارتبط بمصنوعاته “جلول التمر الهندي”.

منظر عام لبعض المقاهي في “شارع ابو النصر”.

وأضاف: “إلى ذلك كان سوق أبو النصر يضم دكاكين صغيرة لبيع مصنوعات القش والقصب والسلال والحبال والقباقيب، كما كان يتفرع السوق إلى ساحة السمك المجاور لسوق اللحامين، حيث كان مقصداً لجميع صيادي الأسماك لبيع رزقهم الطازج البلدي قبل أن نعرف السمك المجلد والمستورد إلى أصحاب المحلات لعرضها للبيع أمام الزبائن”.

فرمان السوق

“وسوق أبو النصر” اشتهر بمحلاته لبيع المكسرات والقلوبات والحنطة والحبوب والزيوت والأسماك، إضافة الى مستلزمات العطارة ومشتقاتها”. واستناداً الى بحوثه التاريخية، أكد عيتاني أن “من الأسواق، التي كانت تمتد “الى ساحة البرج” سوق ابو النصر”، حيث كان يصل إلى سوق اللحامين”. وهذا السوق، الذي أنشئ بفعل الفرمان، الذي أصدره السلطان عبد المجيد الأول بمنح المسلمين قطعة أرض في الجهة الجنوبية “لسهلات البرج” بواسطة نقيب الأشراف أبو الوفا عمر أبو النصر اليافي، أسوة بالأرض التي قدمتها بعثة راهبات اللعازارية لبناء دير يحمل إسمها.

“مونة رمضان”.

وذكر أن “هذه الأرض بنى عليها نقيب الأشراف سوقاً تجارياً عرف منذ ذلك الوقت بـ”سوق النصر”، وكما بنى عليها ايضاً داراً فخمة تحولت لاحقاً الى مسجد تقام فيه الصلاة اطلق عليه إسم جامع محمد الأمين”.

الكعك والخبز

البهارات على مدى النظر.

وانتقل للحديث إلى محلات “سوق أبو النصر”، التي تباع فيه مونة رمضان المكونة من الخضار والفاكهة واللحوم. والتي تتطلب أيضاً بعض المواد الغذائية، التي تدخل في أساس تحضير المأكولات والحلويات والمشروبات، التي يكثر تناولها خلال شهر رمضان ومنها المكسرات كالجوز واللوز والفستق والصنوبر، اضافة الى الفاكهة المجففة كالزبيب والمشمش والتمر والقمر الدين، وكذلك خبز “المشاطيح” والكعك، دون أن ننسى البهارات والمتبلات على أنواعها إضافة الى البن مع الهال”.

في السوق.

وشدد على أن “هذه الأصناف كانت تباع في المحلات الكائنة في “سوق أبو النصر” و”شارع المعرض”، التي كانت تلاقي إقبالاً شديداً من الناس لشراء حاجاتهم أو حتى ليستكملوا مستلزمات رمضان”. وأشار إلى أن “سوق أبو النصر” و”شارع المعرض” من الأسواق، التي تشهد زحمة استثنائية طيلة هذا الشهر الفضيل اسوة بباقي أسواق بيروت القديمة”.

الخيار الواسع لمن يرغب في أن يشتري.

خضر ولزازم في أحد متاجر “سوق النصر”.

محلات خشبية داخل السوق.

* الصور من أرشيف الإعلامي والباحث في التراث الشعبي زياد عيتاني. 

Rosette.fadel@annahar.com.lb

Twitter:@rosettefadel

اضف رد